Garden of the Devout
روضة العابدين
ناشر
مكتبة الجيل الجديد
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٣٩ هـ - ٢٠١٨ م
پبلشر کا مقام
صنعاء - اليمن
اصناف
وامتثال أمر سيّده واجتناب نهيه ودوام الافتقار إليه، واللّجوء إليه والاستعانة به، والتّوكّل عليه، وعياذ العبد به ولياذه به، وأن لا يتعلّق قلبه بغيره محبّة وخوفًا ورجاء. وفيه أيضًا: أنّي عبد من جميع الوجوه: صغيرًا وكبيرًا، حيّا وميّتًا مطيعًا وعاصيًا، معافى ومبتلى، بالرّوح والقلب واللّسان والجوارح، وفيه أيضًا: أنّ مالي ونفسي ملك لك؛ فإنّ العبد وما يملك لسيّده. وفيه أيضًا: أنّك أنت الّذي مننت عليّ بكلّ ما أنا فيه من نعمة فذلك كلّه من إنعامك على عبدك. وفيه أيضًا: أنّي لا أتصرّف فيما خوّلتني من مالي ونفسي إلّا بأمرك، كما لا يتصرّف العبد إلّا بإذن سيّده، وإنّي لا أملك لنفسي ضرًّا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا، فإن صحّ له شهود ذلك فقد قال: إنّي عبدك حقيقة. ثمّ قال: (ناصيتي بيدك)، أي: أنت المتصرّف فيّ تصرّفني كيف تشاء، لست أنا المتصرّف في نفسي. وكيف يكون له في نفسه تصرّف من نفسه بيد ربّه وسيّده، وناصيته بيده، وقلبه بين أصبعين من أصابعه، وموته وحياته وسعادته وشقاوته وعافيته وبلاؤه كلّه إليه سبحانه ليس إلى العبد منه شيء، بل هو في قبضة سيّده أضعف من مملوك ضعيف حقير، ناصيته بيد سلطان قاهر مالك له، تحت تصرّفه وقهره، بل الأمر فوق ذلك. ومتى شهد العبد أنّ ناصيته ونواصي العباد كلّها بيد اللّه وحده يصرّفهم كيف يشاء، لم يخفهم بعد ذلك، ولم يرجهم، ولم ينزلهم منزلة المالكين بل منزلة عبيد مقهورين مربوبين، المتصرف فيهم سواهم، والمدبر لهم غيرهم، فمن شهد نفسه بهذا المشهد صار فقره وضرورته إلى ربه وصفًا لازمًا له، ومتى شهد الناس كذلك لم يفتقر إليهم ولم يعلق أمله ورجاءه بهم، فاستقام توحيده وتوكله وعبوديته؛ ولذا قال هود لقومه: ﴿إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [هود: ٥٦] " (^١).
ولابد أن تكون عبادة الله تعالى قائمة على الاستسلام الكامل له سبحانه، والحب التام له ولما شرع، فإن انفرد أحد الأصلين عن الآخر في العبادة فهي عبادة ناقصة.
_________
(^١) الفوائد، لابن القيم (ص: ٢٢).
1 / 14