في سبيل العقيدة الإسلامية
في سبيل العقيدة الإسلامية
ناشر
دار البعث للطباعة والنشر قسنطينة
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٠٢ هـ - ١٩٨٢ م
پبلشر کا مقام
الجزائر
اصناف
عبد اللطيف بن علي السلطاني
في سبيل
العقيدة الإسلامية
الطبعة الأولى
١٤٠٢ هـ - ١٩٨٢ م
نشر
دار البعث للطباعة والنشر قسنطينة - الجزائر
1 / 1
عبد اللطيف بن علي السلطاني
في سبيل
العقيدة الإسلامية
الطبعة الأولى
١٤٠٢ هـ - ١٩٨٢ م
نشر
دار البعث للطباعة والنشر قسنطينة - الجزائر
1 / 2
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
1 / 3
الإفتتاح
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمان ودا
الآية ٩٦ من سورة مريم ﵍
جمعت هذه الآية بين الإيمان بقواعده في قوله آمنوا وبين الإسلام بقواعده في قوله وعملوا الصالحات.
1 / 4
الإهداء
إلى أرواح المعذبين والمحرومين في مجتمعهم الإسلامي،
إلى كل مؤمن بربه كامل في إيمانه،
إلى كل مسلم صادق في إسلامه،
إلى كل الأحرار غير المستعبدين في كل مكان،
أهدي كتابي هذا
ليثبتوا ويثبتوا فوق أرضهم أقدامهم،
من أجل الحق والعقيدة الإسلامية
وليفتحوا أبصارهم على ماضيهم، وينيروا
بالإسلام بصائرهم.
المؤلف
1 / 5
توجيه وإرشاد:
الحمد لله ولى المؤمنين ومسبغ النعم على الخلق أجمعين، فمن شكرها وأدى حقها عد في جماعة المؤمنين، ومن جحدها وأنكرها وكفر بها حشر في زمرة الأغبياء الجاهلين والجاحدين الكافرين.
والصلاة والسلام على إمام المرسلين، وخاتم رسل الله أجمعين محمد بن عبد الله أكرم رسل الله المعظمين وعلى آلهم ومن تبع هداهم، واستمر فى سيره على الطريقة المثلى إلى يوم الدين، ولم يخرج عنها إلى بنيات الطريق بل حافظ على السير في خطها المستقيم عاملا، وناصرا، وداعيا، ومدافعا، فكان من الناجحين، فالله وحده ناصر الحق وأهله، على الباطل وجنده، وهو القائل: «وكان حقا علينا نصر المؤمنين» والقائل: «الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون».
وبعد فإن من حق الله الخلاق العليم على عباده أن يعبدوه وحده ولا يشركوا معه غيره، وأن يطيعوه ولا يخالفوا له أمرا ولا نهيا، ولا يخافوا سواه، أولئك
1 / 7
هم الذين استنارت عقولهم بنور التوفيق، فوهبوا حياتهم وكل ما يملكون إلى ما يغرس في نفوس عباد الله حبه وطاعته وذلك بإرشادهم إلى سلوك صراط الله المستقيم والسبيل الواضح القويم وهو دين الله الإسلام الذي لا يقبل من أحد غيره «ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين»، إذ هو دين الله إلى البشر أجمعين وشريعته السمحة البينة عقيدة وعملا فقد كثرت عقائد الزيغ والضلال والبهتان وانتشر دعاتها في كل مكان، يصدون الناس عن سبيل الله ويوجهونهم شطر سبيل الشيطان وقد وجدوا في بعض الضالين من أعانهم على نشر باطلهم في المجتمعات وبلغ بهم هذا إلى المجتمعات الإسلامية، والأوساط الطلابية، والمفروض فيهم أن يكونوا على جانب من الحذر والنباهة، ولكنهم اغتروا بمعسول الكلام المزيف وألبس عليهم الأمر وانطلت عليهم الحيل وإنها - والله - لسبه شنيعة، وكارثة خطيرة لحقت بشعبنا المسلم وشبابنا المرجو للمهمات بعد أن استرد مجده السليب ووطنه العزيز من يد الغاصب الغريب ذلك هو شعبنا الجزائري الذي ما عرف في تاريخه القديم إلا بصلابة عوده وقوة عقيدته الإسلامية حتى في أحلك ليالي الاستعمار فقد كان له رصيد وافر من ذخيرة عقيدة التوحيد، فاستنار في حياته بنور الإسلام وعقيدة التوحيد، وبهذا - فقط - حافظ على شخصيته في دينه وعقيدته،
1 / 8
وعلى كل مميزاته ومميزات شخصيته الإسلامية من أخلاق فاضلة، وسجايا حميدة ذات الطابع الإسلامي، من حياء وكرم، وغيرة ونجدة في الملمات والمهمات، ولم يندمج فيما حاط به من جماعات الضلال، وتمسك بحبل الله المتين، واعتصم به وعقد العزم على أن لا يسل يده منه مهما نزل به ما نزل من صارفات الأيام وأحداثها فنجا - والفضل لله - من كل محاولات المستعمر الكثيرة، التي كم حاول واجتهد في صرفه عن دينه وعقيدته فباء في كل محاولاته بالفشل والخيبة واستمر شعبنا يقاوم الدخيل يتلك العقيدة إلى أن استرد أرضه وشرفه وحريته من غاصبها الدخيل وحررها من كل شيطان مارد.
ومن المؤسف جدا أن تظهر في أوساط شباب هذا الشعب المسلم شرذمة قليلة حقيرة ادعت أنها من رجال العلم الحريصين على نفع الوطن وأهله فتفاءل الناس بها وقالوا عسى ولعل أن نرى منها قولا صحيحا وسلوكا سليما غير أن الواقع أبطل هذا التفاؤل وأظهر أنها ما اتخذت العلم لباسا إلا للتدليس وبث الإلحاد والبلبلة في أوساط الشباب - إذ يصعب عليها جلب الكبار المتشبعين بالتعاليم الصحيحة إلى ضلالها وإلحادها - فهي مسخرة ومسيرة ومأجورة من قبل أسيادها الملاحدة الذين يريدون مسخ شباب الأمة الجزائرية المسلمة ووجدت مساندة من بعض أبناء هذا الوطن ممن تغذوا بلبن المستعمر الكافر، وهم في حقيقتهم لا دين لهم،
1 / 9
ولا وطنية تعصمهم ولا ضمير يؤنبهم ولا هدف لهم سوى حب الشهرة وإشباع الشهوات، وتحريف الشباب الجزائري المسلم عن المنهج الأقوم وفتح المجال لهذه الشرذمة فأطنبت في الكذب والتزوير والبهتان، وأصدرت منشورات لطخت بياضها بسواد الكذب والبهتان كما لطخت بياض صحائفها فجاءت تلك الوريقات الملطخة «وخذة» وكارثة أصيبت بها أمتنا في شبابها! ومن العجب والوقاحة أنها صارت تعارض نشر الكتب الإسلامية في وطن الإسلام!! وما فكرت أنها في وطن إسلامي عريق في إسلامه، غيور عن معتقداته، وهي وأعوانها ومسيروها والحارسون عليها والراضون عنها في ذلك شركاء.
فالبرغم من تشجيع هذه الشرذمة الضالة ورغم مساندتها المطلقة، فقد خابت في كل محاولاتها لإيقاف تيار الاتجاه الإسلامي فركضت وراء سرابها ما شاء لها الشيطان وأعوانه أن تركض وكذبت ما شاء لها الهوى أن تكذب، وشوشت على المصلين والعباد في بيوت الله إلى أن أطلقت لسانها وأقلامها المأجورة في أعز عزيز على الأمة الإسلامية وإلى ما في قلبها من عقيدة التوحيد، محاولة انتزاعها واقتلاع جذورها، ظنا منها أن هذا ميسور وسهل، ولكن هيهات ثم هيهات!! فقد اصطدمت بالواقع وباءت بالفشل الذريع والخيبة المرة.
فتنبهوا أيها المسلمون إلى هذا ولا تغفلوا عما يراد بكم وبالوطن العزيز.
1 / 10
فإلى شبابنا المسلم الواعي لما يجب عليه هذه الفصول من حياة قادة التوحيد وأنصار عقيدته، والإدلاء على الخير وإصلاح النفوس وهم ما بين رسول من رسل الله الكرام عليهم الصلاة والسلام - فقد أمرنا خالقنا بالتأسي بهم - وبين مؤمن بدعوتهم، فأخذ عنهم خالص العقيدة الصحيحة، وزبدة الإيمان الصحيح في الصدق والوفاء للعقيدة، والاقتداء بعباده الصالحين، فاصبروا - أيها الأبناء البررة - على ما يصيبكم في سبيل عقيدتكم كما صبروا وستفوزون بالنصر كما فانوا وكونوا لعقيدتكم الصحيحة تكن لكم، تمسكوا بها ودافعوا عنها عدوان الإلحاد والملحدين فإنكم أنصار الحق ودعاته وهم إنما يدافعون عن الباطل ويدعون إليه تماما كما كان مشركو قريش يفعلون في دفاعهم عن أوثانهم فما أشبه اليوم بالأمس، والليلة بالبارحة، واثبتوا كما ثبت أسلافكم الأولون فإن العاقبة للصابرين الثابتين والنصر إنما يناله الصادقون المخلصون والهزيمة والخذلان من نصيب المعتدين الظالمين واجعلوا نصب أعينكم قول الشاعر الحكيم حين قال:
قف دون رأيك في الحياة مجاهدا ... إن الحياة عقيدة وجهاد
واذكروا - أيها الأبناء - موقف رسول الله - إبراهيم الخليل ﵇ من أجل عقيدته، التوحيدية،
1 / 11
حيث قال حسبي الله ونعم الوكيل فهل تركه ربه للظالمين؟؟ وهل تخلى عنه وتركه ولم ينصره؟ حين أرادوا به كيدا فجعلهم ربه الأحسرين؟ كلا وتفكروا - جيدا - في موقف أصحاب الأخدود وهم يعرضون على النار الواحد بعد الواحد تلك النار التي أوقدها لهم الظالمون وهل خافوها؟ واعتبروا بصلابة عود الصحابى «بلال» في عقيدته وظهره تحت سياط مشركي قريش في حر الظهيرة وفى بطحاء مكة، يريدون أن ينتزعوا منه عقيدة التوحيد ليكفر بالله وبرسوله محمد صل الله عليه وسلم ويؤمن باللات والعزى ويكون من المشركين، وهل أجابهم إلى ذلك؟ كلا بل أخذ يقول ويردد «أحد أحد».
لهذا يجب على العلماء أمام هذا الإلحاد الذي يتزايد خطره وشره يوما بعد يوم محاولا بث عقيدته الإلحادية يجب عليهم اليقظة والانتباه والعمل لدرء هذا الخطر بما يليق به من نشر الكتب التي تقاومه وتبطل عمله إذ هو لا يؤمن برب ولا بخالق ولا ببعث ولا بما يأتي بعده من حساب وجزاء ولا بنار ولا بجنة، ولا بالحياة الأخرى الدائمة، فهو مادي ولا يؤمن إلا بالمادة، إذ هو يسعى بكل قواه أن ينجح في أعماله الإجرامية هذه فعلى العلماء أن يحاربوا الإلحاد بجميع أشكاله وأنواعه وأساليبه فنحن مسلمون مؤمنون نؤمن بما جاءنا من عند الله فنؤمن بالبعث وبالياء الأخرى بعد هذه الحياة
1 / 12
هذا هو توجيهنا لشبابنا ولكهولنا ولشيوخنا فالسكوت عن الإلحاد ودعوته وهي تنشر بيننا، جريمة كبيرة يقترفها من يسكت عنها ترضية لجانب فلان أو فلان، فالحق واحد والإسلام حق والإلحاد باطل (والإسلام يعلو ولا يعلى) متى وجد أنصارا مخلصين ومؤمنين به صادقين.
ونرجو الله ربنا ومولانا أن يقوي إيماننا ويتقبل منا أعمالنا وأن يثيبنا عليها بقدر إخلاصنا لعقيدتنا وأن ينصر جند الإسلام جند الحق والهداية والسلام أينما كانوا وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإنا كما قال القائل:
كتبت وقد أيقنت يوم كتابي... بأن يدي تفنى ويبقى كتابها
فإن كتبت خيرا ستجزى بمثله... وإن كتبت سوءا عليها حسابها.
1 / 13
تمهيد:
قال بعض علماء الإسلام ومنهم (عبد الرحمن ابن مهدي) الذي كان من الملازمين للإمام مالك، كما كان من أعلم الناس بالحديث ينبغي لمن أراد أن يصنف كتابا - دينيا - أن يبدأه بالحديث الصحيح الذي رواه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁ وهو قوله: سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه) أخرجه الإمامان البخاري ومسلم في صحيحهما ففي هذا الحديث تنبيه لطالب العلم الديني إلى تصحيح نيته لأن الجزاء على الأعمال إنما يكون على حسب نية العامل إذ لا يصح وضوء ولا صلاة ولا صوم ولا جهاد ولا أى شيء من جميع الطاعات إلا لمن نوى وقصد أنه أراد بعمله طاعة الله ﷿، أما إذا تجرد العمل من النية فإنه يكون لغوا لا ثواب عليه ولا جزاء فيه إذ بالنية والقصد تتميز الأعمال الدينية عن غيرها من سائر الأعمال، فالنية عنصر أساسي في
1 / 15
صحة الأعمال وبطلانها، فليس عمل المنافق الذي يحضر مصلى المسلمين ويصلي معهم من غير وضوء - وهو غير مؤمن بها - كمن يصليها بنية فعل الواجب الذي أوجبه الله عليه لأنه مؤمن بوجوبها عليه وإلى هذا تشير الآية الكريمة وهي قوله تعالى (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء).
وقد جرى بعض العلماء على هذا العمل من تقديم هذا الحديث على غيره، منهم الإمام البخاري في صحيحه، حيث ابتدأه بالحديث المذكور وقد ذكره في سبعة مواضع من صحيحه للمناسبة.
ونظرا لكثرة فوائد هذا الحديث وصحته فقد قال فيه الإمام الشافعي ﵀ وغيره هو ثلث الإسلام، كما قال أنه يدخل في سبعين بابا من أبواب الفقه وقال آخرون من العلماء هو ربع الإسلام لما رأوا فيه من أن أصول الإسلام التي بنيت عليها أحكامه ترجع إلى أربعة أحاديث نبوية أولها حديث عمر هذا (إنما الأعمال بالنيات)، وثانيها حديث أبى هريرة رض الله عنه (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)، وثالثها حديث النعمان بن بشير ﵁ (إن الحلال بين وإن الحرام بين)، ورابعها حديث سهل بن سعد الساعدي ﵁ (إزهد في الدنيا يحبك الله الخ).
وقيل غير هذه الأربعة وقد جمعها الحافظ أبو الحسن طاهر بن معوذ المعافري الإشبيلي الأندلسي فقال:
1 / 16
عمدة الدين عندنا كلمات...أربع من كلام خير البرية
إتق الشبهات وازهد ودع ما...ليس يعنيك واعملن بنية
وقيل قائلها الإمام الشافعي وحديث إنما الأعمال بالنيات المذكور حديث صحيح - كما مر - فهو من الأحاديث التي يدور عليها التكليف الديني، تعددت طرق رواياته وكلها تتصل بمن سمعه من رسول الله ﷺ وهو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁ فلم يصح إلا من روايته هو عن النبي ﷺ واتفق العلماء على صحته لثقة رواته وتلقوه بالقبول واستخرجوا منه أنواعا شتى من أصول الأحكام والتوجيه وبه صدر الإمام البخاري صحيحه - كما تقدم قريبا - وأقامه مقام الخطبة لصحيحه حسبما أشار إليه من كتب عليه وشرحه وهذا العمل منه ﵀ إشارة إلى أن كل عمل أو قول لا يراد به وجه الله فهو لغو وباطل لا ثمرة له ولا فائدة فيه لا في الدنيا ولا في الآخرة مثل الذى يصلي رياء وسمعة من حيث لم يقصد بصلاته طاعة الله بفعل ما أوجبه عليه فإن صلاته لا تنفعه ولا تنهاه عن الفحشاء والمنكر لأن هذا من ثمرتها - وإن تردد فاعلها عن المساجد - وكمن يريد - باسم المجاهد وببطاقته - أن يكون مجاهدا له من الحقوق ما للمجاهدين في سبيل الله، ولم تكن له نية الجهاد في سيل الله، أو لم يجاهد
1 / 17
أصلا فحشر نفسه في زمرة المجاهدين بالرغم مما وضحه القرآن وبينه رسول الله ﷺ بفصيح العبارة فهو مجاهد - بالسيف - وبالرغم على الإسلام والقرآن والرسول ﷺ وفي الوقت نفسه رأيناه لم يستجب لما طلبه منه الإسلام بفعل ما فرضه عليه وترك ما نهاه عنه من الاستقامة على شرعه بتحليل حلاله وتحريم حرامه، والقيام بواجباته والكف عن منهياته فهو تارك للواجبات - كالصلاة مثلا - منتهك للمحرمات - كشرب الخمر مثلا - فكيف يعقل أو يتصور متصور أنه من المجاهدين في سبيل الله، وهذا محال تصوره في الإسلام، ومن قال غير هذا فهو جاهل بالإسلام، ولم يفهم أحكام الإسلام أو سولت له نفسه الافتراء على الله الكذب إذ شتان بين الجهاد والقتال! و«إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون».
هذا هو الحق والصواب حب من حب وكره وكره، وما سواه غش في الإسلام والنبي ﷺ قال (من غشنا فليس منا) ولا ينبغي لمن لا يفهم أحكام الإسلام أن يقحم نفسه بين العلماء - ولو لقبه العامة بالشيخ - لأنه يكتسب بذلك إثما، ويكون سبة وعارا على الشريعة الإسلامية وكارثة تنزل بها وعرضة لمسخ الله إلى شر مخلوقاته، فقد كثر أدعياء العلم حتى صاروا يتكلمون في كل شيء، ولو فيما لا يعرفون، كما سمعناهم يتكلمون فيما ليس لهم به علم قال جرير:
وابن اللبون إذا ما لز في قرن ... لم يستطع صولة البزل القعانيس
1 / 18
ولمنزلة حديث عمر المتقدم (إنما الأعمال بالنيات الخ) ولمكانته عند من عرفوا منزلته في التشريع الإسلامي قال الإمام عبد الرحمن بن مهدي - المتقدم الذكر - لو صنفت كتابا فيه أبواب لجعلت حديث عمر هذا في كل باب من أبوابه.
أما الإمام مسلم ﵀ فقد أورده في كتاب الجهاد من صحيحه، وكأنه أراد بعمله هذا أن يشير إلى أن البعض ممن يدعون الجهاد - ولم تكن لهم نية فيه - لا نصيب لهم في ثمراته ولهذا نبههم إلى أن النية في العمل هي روحه ومخه، وبدونها فهو جسد ميت بلا روح.
وكلمة - إنما - تفيد الحصر كما قال جمهور علماء العربية والأصول وغيرهم حيث قالوا أن لفظة إنما موضوعة للحصر فتثبت المذكور هنا - وهو قبول الأعمال والجزاء عليها إذا عملت مصحوبة بالنية، وتنفي ما سواها، فكأنه قال إن الأعمال تحسب وتقبل ويجازى عليها فاعلها إذا كانت بنية ولا تحسب ولا تقبل ولا جزاء عليها إذا تجردت منها، مثل سائر العبادات والطاعات جميعها كما مر، وتفصيل هذا في كتب الفقه والحديث.
وبناء على ما جاء في هذا الحديث فإن الرسول ﷺ بين لأمته أنواعا ثلاثة ممن هاجروا من مكة إلى المدينة تاركين مكة أرض الشرك - في ذلك الوقت - إلى المدينة أرض الإسلام وهم:
أ - مهاجر هاجر بنية وقصد تقوية حزب الله ونصره
1 / 19
وتأييد رسول الله ﷺ، وعلى هذه النية غالب الصحابة رضوان الله عنهم أجمعين.
ب - ومهاجر هاجر بنية وقصد كسب الدنيا والمال، لأن من كان يتعامل معهم من المؤمنين في مكة هاجروا إلى المدينة فلحق بهم من أجل فائدته الدنيوية، فلم يسعه المقام بعدهم في مكة فلحق بهم لنيل مكاسب دنيوية لا تعود فائدتها إلا عليه وكان يغزو معهم لينال نصيبه من الغنيمة.
ج - ومهاجر آخر خطب امرأة ليتزوج بها تدعى (أم قيس) فأبت أن تتزوجه ما دام في مكة، إلا إذا هاجر إلى المدينة فأجابها إلى شرطها وهاجر إلى المدينة من أجل الزواج بها وجاء في الروايات عن الصحابة أن هذا المهاجر كان يعرف باسم (مهاجر أم قيس) فهذان الصنفان الأخيران من المهاجرين لم يكونا من المهاجرين لله لما بينا من انعدام النية في هجرتهما فلم يفوزا بثواب الهجرة إذ الهجرة في الشرع هي الخروج من أرض الكفر إلى أرض الإسلام وفي وقتنا الحاضر انعكست هذه المعاني فصارت الهجرة تطلق على من هاجر من أرض الإسلام إلى أرض الكفر لمقاصد سياسية وغيرها.
جاء في الحكم المأثورة (لو نفع علم بلا عمل لما ذم الله سبحانه أحبار وعلماء أهل الكتاب) و(لو نفع عمل بلا إخلاص لما ذم الله سبحانه المنافقين).
نسأل الله العالم بالنيات أن يجعل نياتنا في أعمالنا وأقوالنا خالصة له من كل شائبة تفسدها وتحبطها، ونرجوه أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم آمين.
1 / 20
تقديم:
العقيدة
العقيدة هي قوة عظيمة تحتل مكان الإحساس من الإنسان فتهب لصاحبها الإيمان بما يعتقده وشدة المقاومة لكل ما لا يتفق مع ما مالت إليه تلك العقيدة وارتضته لنفسها وهذا لتأييد ما عقد عليه صاحبها عزمه واختياره وتحول بينه وبين الضعف والخور والذوبان في كل طارئء جديد، وهذه الصفة إحدى مميزاتها قال الشاعر المفلق الحطيئة:
أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البناء...وإن عاهدوا أوفوا وإن عاقدوا شدوا
فالعقيدة مأخوذة من العقد بمعنى اللي يقول القائل عقدت الحبل فهو معقود فهذا في الحسيات وأما في المعنويات فمعناها التعهد والالتزام ومن هذا جاءت عقدة النكاح والبيع والشراء وغير ذلك من العهود والعقود والالتزامات والعقد - بالكسر - هو الخيط ينظم فيه الخرز واللؤلؤ وغيرهما.
1 / 21
قال علماء اللغة العربية - في مادتها - عقد يعقد - بالكسر - عقدا وعقودا معناه التزم بالعهد والعقد فيجب عليه الوفاء بما التزمه وعقده وتقول تعاقد القوم على كذا بمعني تعاهدوا والتزموا به، ومنه قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود). قيل في تفسيرها هي العهود، وقيل هي الفرائض التي التزموها وتحملوها بعقيدة التوحيد والإسلام.
والعقيدة هي الحكم الذي لا يقبل الشك في نظر معتقده كما قال الجوهري.
وفى الدين ما يتصف به الاعتقاد دون العمل، كعقيدة وجود الله ﷿، واعتقد كذا بقلبه آمن به وصدق، واعتقد الأمر صدقه وعقد عليه قلبه وضميره وتدين به واتخذه دينا فأصحاب العقيدة هم من كانت لهم عقيدة عقدوا عليها قلوبهم فصارت أرواحهم ونفوسهم وحياتهم مبذولة بسخاء في سبيل عقيدتهم فهم قد اشتروا بها - العقيدة - ما اعتقدوه - ودفعوها فداء وثمنا لها - وهي الغالية - في سبيل بقائهم على عقيدتهم التي اعتقدوها وعقدوا عليها حياتهم ورضوا بما دفعوه فيها، وذلك بثباتهم عليها وتمسكهم بها من غير أن يلزمهم بها أحد أو يجبرهم عليها مجبر، وهذا هو الإيمان بالعقيدة.
وهذه فصول جمعتها من ملف حياة أبطال العقيدة الإسلامية الذين ظهروا مع ظهور دين الله الإسلام الخالد
1 / 22