ومن الفتوة بذل النصيحة للإخوان والعلم بنقصان نفسه في ترك ما ينصحهم به. سمعت محمد بن الحسن الخشاب يقول: حدثنا أحمد بن محمد بن صالح، حدثنا محمد بن عبدون، حدثنا بدر المغازلي، قال: قلت لبشر الحافي: أيش تقول في المقام ببغداد؟ فقال: إن سرك أن تموت مسلمًا فلا تقم بها، فقلت: فأنت بها مقيم. فقال: إن العبد إذا ضيع أمر الله، لقيه شر ملقى، وإني أخاف أني ضيعت أمر الله فألقى شر ملقى.
ومن الفتوة قبول ما يسمعه من كلام الحكماء، وإن لم يفهم، لتوصله بركات ذلك إلى محل الفهم منه وفيه. سمعت أبا العباس بن الخشاب يقول: سمعت محمد بن عبد الله الفرغاني يقول: سمعت الجنيد ﵏ يقول: كنت أجلس إلى شيوخ بضع عشرة سنة، وهم يتكلمون في هذا العلم. وما كنت أفهم ما يقولون، ولا كنت أنكر عليهم. وكانت فائدتي منهم من جمعة إلى جمعة أن أجي فأسمع ما يقولون، وعندي أنه حق، وإن لم يكن ما أفهم، ولم أبد بالإنكار عليهم، فما مضت تلك المدة حتى إذا أجروا مسألة جاءوني إلى البيت، فسألوني، وقالوا: جرت مسألة كيت كيت، فأحببنا أن تسمعه، أو نحوه من الكلام.
1 / 31