أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم
وجه بارز في أسرة ابن عبد الحكم الذين كانوا من المؤرخين والفقهاء والمحدثين وأئمة المذهب في مصر في القرنين الثاني والثالث الهجريين وكانت لهم شهرة ونفوذ كبيرين وعلى أيديهم رئاسة المالكية في مصر.
ولد ابن عبد الحكم في الفسطاط حوالي سنة ١٨٧ هـ، وترعرع في مصر بآدابها وتقاليدها. أخذ الفقه والحديث عن أبيه وعن العديد من العلماء أمثال يونس بن يحيى، وأبي زرعة وهب الله بن راشد، وشعيب بن ليث، وليث بن سعد، وغيرهم.
لقد وثق عبد الرحمن ونقل عنه الحديث الكثير من الحفاظ والرواة أمثال أبي الحاتم الرازي، والنسائي، وإبراهيم بن يوسف الهنجاني، وعلي بن الحسن بن القديد.
وقعت أسرته في عهد المتوكل في بقعة المشاكل والصعوبات. والاضطرابات التي حدثت بعد ثورة علي بن عبد العزيز الجروي في مصر نالت من عبد الرحمن حيث زُجّ في السجن وصودرت أمواله ولاقى ألوان التعذيب وقُتل أخوه حتى أطلق سراحه بأمر أبي عثمان في سنة ٢٣٧ هـ. أما الفترة ما بعد خلاصه من السجن وحتى وفاته التي طالت عشرين سنة فلا توجد معلومات حولها.
اتصاله بالحكام وحصوله على أسناد الحكومة وأسرارها وكذا الاستماع إلى أخبار وروايات الصحابة والتابعين الذين كانوا قد جاؤوا إلى مصر، مهّدت له أرضية التوجه إلى التاريخ حتى كتب مما حصل عليه من معلومات كتاب «فتوح مصر وأخبارها» وهو أقدم كتاب مدون في تاريخ العهد الإسلامي بمصر.
نامعلوم صفحہ
مقدمة
بسم الله الرّحمن الرّحيم بعتبر كتاب فتوح مصر والمغرب لابن عبد الحكم أهم ما قدمه لمدرسة مصر. فقد استطاع أن يجمع أطراف الرواية التاريخية فى مدرسة يزيد بن أبى حبيب (ت ١٢٨ هـ) وغيرها ويسجلها جميعا فى مجموعة من الأخبار المنسقة.
ويختلف عنوان هذا الكتاب عند الكتاب القدماء اختلافا يكشف عما يحوى من موضوعات. فقد أوجز بعضهم فسماه «فتوح مصر» وأطال بعضهم فجعله «فتوح مصر وأخبارها» وأسهب فريق ثالث فقال: «فتوح مصر والمغرب والأندلس» «١» . وسماه المسعودى (ت ٣٤٥ هـ) وهو ينقل عنه «فتوح مصر والإسكندرية والمغرب والأندلس وأخبارها» «٢» .
وكل هذه العناوين صادقة كما يظهر من الوصف الآتى:
فقد قسم ابن عبد الحكم كتابه إلى سبعة أجزاء: الأول فى فضائل مصر وتاريخها قبل الإسلام. والثانى يتناول الفتح الإسلامى. والثالث يشرح الخطط ونزول العرب فى مصر. والرابع الإدارة المصرية على عهد عمرو بن العاص. والخامس فتح إفريقيا والأندلس.
هذا وقد اقتصر الأستاذ عبد المنعم عامر على هذه الأجزاء فى الجزء الذي حققه وأصدره، وسماها «القسم التاريخى» وهى تسمية لا يتفق معه فيها الدكتور حسين نصار لأنها توحى كما قال بأن الجزءين التاليين ليسا من التاريخ.
وقصر ابن عبد الحكم الجزء السادس على قضاة مصر حتى عصره. وجعل السابع عن الصحابة الذين وفدوا إلى مصر والأحاديث التى رويت عنهم.
1 / 5
والكتاب أقدم كتاب مصرى يعالج الأمور التى عالجها، ولا مثيل له فيما وصل إلينا من كتب التاريخ الإسلامى، فاضطر جميع من أتى بعده إلى الاعتماد عليه. تقول دائرة المعارف الإسلامية: «وقد استفاد المؤرخون المتقدمون إلى حد بعيد من كتاب ابن عبد الحكم، واعتمدت عليه المؤلفات المتأخرة كذلك. فأكثر كتاب حسن المحاضرة للسيوطى مأخوذ من كتاب ابن عبد الحكم، كما أخذ عنه المقريزى كثيرا من فصول كتابه. ونقل ياقوت كذلك معظم ما كتبه عن وصف مصر نقلا حرفيا عن هذا الكتاب» .
والحق أن ابن عبد الحكم رسم الطريق لمن أتى بعده من المؤرخين للتأليف فى النواحى المختلفة من التاريخ المصرى. فقد شغل كل جزء من أجزائه كتبا تاريخية مستقلة ومفصلة بعد.
فالفضل الخاص بفضائل مصر صار كتابا كاملا عند ابن الكندى وابن زولاق.
والفصل الخاص بالخطط صار كتابا مستقلا عند القضاعى والمقريزى. والفصل الخاص بالقضاة أفرد له الكندى وابن حجر كتابين. والفصل الخاص بالصحابة صار كتابا عند محمد بن الربيع الجيزى والسيوطى «١» .
وكان المنهج الذي اتبعه ابن عبد الحكم فى تأليفه هو نفس المنهج الذي كان متبعا لدى مدرسة مصر فى القرن الثالث الهجرى. وهو المعروف بطريقة الإسناد التى جرى عليها رواة الحديث «ومع ذلك ظلت نظرية نقد الرواية التاريخية نفسها أمرا لا يعرفه ابن عبد الحكم، كما لم يعرفه معاصروه من مؤرخى القرن الثالث الهجرى» مما ترتب عليه تسرب بعض الأساطير فى بعض فصول كتابه وخاصة ما يتعلق منها بتاريخ مصر القديم «٢» .
أهم موارد ابن عبد الحكم فى فتوح مصر
أما مصادره فيما يتعلق بتاريخ مصر وأخبارها فقد اعتمد على مجموعة من
1 / 6
مؤرخى مصر دون أن يذكر مؤلفاتهم، الأمر الذي جعل بعض الباحثين يزعم أن مؤلف ابن عبد الحكم جمع عن طرق الرواية الشفوية «١» . وهو أمر بعيد الاحتمال، فتاريخ مصر الإسلامية المبكر كتبت فيه مؤلفات لكل من: يزيد بن أبى حبيب، وعبيد الله بن أبى جعفر، وابن لهيعة والليث، وعثمان بن صالح، وابن عفير، ويحيى بن بكير.
وظلت مؤلفاتهم موجودة بعد ابن عبد الحكم لدى مؤرخى مصر يقتبسون منها.
وقد اعتمد على هذه المؤلفات الخاصة بتاريخ مصر وأخبارها المؤرخ المصرى ابن الكندى فى بداية النصف الثانى من القرن الرابع الهجرى. ونقل عن نسخة منها فى كتابه عن مصر وأخبارها، المعروف بفضائل مصر «٢» .
ومهما يكن من أمر فقد أفاد ابن عبد الحكم من كتاب فى تاريخ مصر ليزيد بن أبى حبيب (ت ١٢٨ هـ) فقد أشار إلى ابن أبى حبيب فى بعض الاقتباسات الخاصة بأقباط مصر من السحرة فى عهد فرعون وإيمان جماعة كبيرة منهم فى ساعة واحدة «٣» .
وكذلك إلى بعض عادات القبط بمصر قبل دخول الإسلام إليها «٤» .
كما أشار إلى ابن أبى حبيب كذلك بمناسبة وصول كتاب الرسول الكريم إلى المقوقس، وكيف أن المقوقس ضم هذا الكتاب إلى صدره، وقال: «هذا زمان يخرج فيه النبي الذي نجد نعته وصفته فى كتاب الله «٥»» ... إلخ.
أما عبيد الله بن أبى جعفر (ت ١٣٥ هـ) فقد أشار إليه ابن عبد الحكم أثناء الحديث عن فتح مصر. وذلك بمناسبة ما عرضه عمرو على الخليفة عمر فى أن يأذن له بالمسير إلى مصر لفتحها لتكون قوة للمسلمين وعونا، باعتبارها أكثر الأرض أموالا، وكيف أن الخليفة تخوف فى البداية وكره ذلك. ولم يزل عمرو يعظم أمر مصر للخليفة حتى وافقه على فتحها «٦» .
1 / 7
كما أفاد ابن عبد الحكم من تاريخ ابن لهيعة (ت ١٧٤ هـ)، فقد أشار إلى ابن لهيعة بمناسبة الحديث عن بناء الإسكندرية والإسكندر ذو القرنين «١» .
وكذلك بمناسبة الحديث عن الفتح الثانى للإسكندرية وهزيمة الروم. وكيف أن الخليفة عثمان أراد أن يكون عمرو بن العاص على الحرب، وعبد الله بن سعد على الخراج، وأن عمر ارفض ذلك «٢» .
ويأتى بعد ذلك ذكر الليث (ت ١٧٥ هـ) الذي أشار إليه ابن عبد الحكم بمناسبة ما كتبه الخليفة عمر لعمرو بن العاص حين استبطأ عمر الخراج من قبل عمرو «٣» .
وكذلك أفاد من ابن هشام (ت ٢١٣ هـ) فقد أشار إليه بمناسبة الحديث عن وصية رسول الله بالقبط «٤» . وكذلك بمناسبة الحديث عن ظفر العمالقة بمصر «٥» .
والحديث عن بناء الإسكندرية «٦» . وكتاب رسول الله إلى المقوقس «٧» . ومن شهد فتح مصر من الأنصار «٨» . وغير ذلك.
أما عثمان بن صالح (ت ٢١٩ هـ) فقد أشار إليه ابن عبد الحكم كثيرا، ويبدو أن أغلب الروايات فى كتاب ابن عبد الحكم كانت فى كتاب لعثمان فى الفتوح أيضا.
كما أفاد ابن عبد الحكم من تاريخ ابن عفير (ت ٢٢٦ هـ)، وقد أشار إلى ابن عفير أثناء الحديث عن فتح مصر، وذلك بمناسبة وجود عبد الله بن سعد على ميمنة جيش عمرو بن العاص منذ توجه من قيسارية إلى أن فرغ من حربه «٩» .
كذلك أفاد ابن عبد الحكم من كتاب فى تاريخ مصر ليحيى بن بكير (ت ٢٣١ هـ) .
1 / 8
وعلى الرغم من أن ابن الكندى لم يذكر كتاب يحيى فى تاريخ مصر بين مصادره فى كتاب فضائل مصر، فإنه يبدو أن كتاب يحيى كان معروفا لدى مؤرخى مصر فى هذه الفترة. وعلى رأسهم ابن عبد الحكم الذي يصرح باستخدامه كتابا ليحيى فى التاريخ، قال: إنه أعطاه إياه «١» .
وكيفما كان الأمر فقد استطاع ابن عبد الحكم أن يجمع أطراف الرواية التاريخية لدى المؤرخين السابقين ويسجلها فى مجموعة من الأخبار المنسقة.
ويعد صنيعه هذا أهم ما قدمه لمدرسة مصر وقتئذ ولمن بعده من المؤرخين حتى السيوطى.
هذا وقد كان العلامة تورى قام بتحقيق كتاب فتوح مصر سنة ١٩٢٢ م واعتمد على المخطوطات الآتية:
١- نسخة المتحف البريطانى بلندن رقم ٥٢٠ (شرقيات ٦) وتاريخ نسخها يعود إلى القرن السادس الهجرى. وقد رمز إليها بالحرف A.
٢- نسخة المكتبة الأهلية بباريس رقم ١٦٨٦. وتاريخ نسخها يعود إلى سنة ٥٨٥ هـ.
وقد رمز إليها بالحرف B.
٣- نسخة المكتبة الأهلية بباريس رقم ١٦٨٧، نسخت سنة ٧٧٦ هـ. وقد رمز إليها بالحرف C.
٤- نسخة ليدن رقم ٧٠٥، نسخت سنة ٩٧٣ هـ. وقد رمز إليها بالحرف D.
وقد بذل العلامة تورى جهدا عظيما فى صبر وأناة، مع دأب ومثابرة، ووشى حواشى الكتاب بمقابلات للنسخ دقيقة وتعليقات مستفيضة مفيدة. وستظل هذه النشرة من أمثل المطبوعات العربية وأدقها.
وفى سنة ١٩٦١، أصدر الأستاذ عبد المنعم عامر المجلد الأول من هذا الكتاب.
وهى طبعة يشيع فى معظمها التصحيف والتحريف كما لا تخلو من سقط فى كثير من صفحاتها- أشرت إليه فى موضعه من طبعتنا هذه.
1 / 9
وسوف أترك الحديث عن طبعة الأستاذ عبد المنعم- للدكتور حسين نصار وهو من العلماء الأفاضل مؤلف وباحث ومحقق. فقد قارن بين طبعتى تورى وعامر مشيدا بالكتاب الذي أصدره تورى بأنه يمتاز بجمال الطبع ودقته. على حين خلا كتاب الأستاذ عبد المنعم عامر من ذلك خلوا تاما «١» .
ثم يستطرد الدكتور حسين نصار قائلا ويبرز التناقض جليا حين ينسى المحقق أن يلبس رداء النقد حيث يجب أن يلبسه. فقد أكثر ابن عبد الحكم من الاقتباس عن السيرة النبوية لابن هشام. والمنهج العلمى للتحقيق يلزمه عندئذ أن يرجع إلى السيرة ويقارن بين النصوص فيها وفى فتوح مصر.
وجميع ما ذكره ابن عبد الحكم موجود فعلا فيها. ولو كان المحقق فعل ذلك، لبرأ من سقطة وقع فيها. فقد جاء فى ص ٢٤٠ من الفتوح: «حدثنا عبد الملك بن هشام قال: حدثنا زياد بن عبد الله عن محمد بن إسحاق قال: عتبة بن غزوان بن جابر ابن وهب.. حليف بنى وائل بن مناف»، والذي فى السيرة ١: ٣٤٧، ٢: ٤، ٣٣٦ حليف بنى نوفل بن عبد مناف. وليس لعبد مناف ابن اسمه وائل.
ولو رجع للسيرة لما سقط من العبارة التالية من ص ٥ ص ١٣ من الفتوح وأتممته من السيرة ١: ٧ ووضعته بين قوسين: «صهرهم أن رسول الله ﷺ تسرر فيهم، ونسبهم أن أم إسماعيل (النبي ﷺ منهم. قال ابن وهب فأخبرنى ابن لهيعة أن أم إسماعيل) هاجر من أم العرب، قرية كانت أمام الفرما من مصر» .
ولو تمسك برداء النقد التاريخى فى الكتاب كله لما وقع فى الخطأ الظاهر التالى.
جاء فى ص ٦٥ س ٢ وهو يذكر من بعثهم رسول الله ﷺ إلى الملوك: «فبعث حاطب ابن أبى بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية، وشجاع بن وهب الأسدى إلى كسرى.
وبعد «!» دحية بن خليفة إلى قيصر» .
والعبارة غير صحيحة، إذ حدث بها سقط شوهها، وصوابها: «فبعث حاطب بن أبى بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية، وشجاع بن وهب الأسدى (إلى الحارث بن
1 / 10
أبى شمر الغسانى، وعبد الله بن أبى حذافة السهمى) إلى كسرى. وبعث دحية..» (سيرة ابن هشام ٤: ٢٥٤، جوامع السيرة لابن حزم ٢٩) «١» .
ويستطرد الدكتور حسين نصار فيقول: «وطبيعى أن يبرأ متن الكتاب من العيوب، بعد أن لقى من عناية المستشرقين. ولكن رداءة الطبع أخلت بمواضع منه وأدخلت عليها ما برئت منه النسخة الأوربية. فقد أشرت سابقا إلى سقوط عبارات من المتن، وسقطت منه كلمات أيضا. مثال ذلك ما ورد فى ص ٥٧ س ١٧: «فلما دفعوا رسول الله ﷺ..»، وصوابه: «فلما دفعوا إلى رسول الله ﷺ..» وما ورد فى ص ٦٤ س ٧: «لما كانت سنة مهاجرة رسول الله ﷺ، ورجع رسول الله ﷺ من الحديبية..» . والصواب: «لما كانت سنة ست من مهاجرة..» .
وما ورد فى ص ١١٨ س ٩: «ومضى عمرو ومن معه فى طلب من هرب من الروم فى البحر إلى الإسكندرية» . «والصواب: «ومضى عمرو ومن معه فى طلب من هرب من الروم فى البر، فرجع من كان هرب من الروم فى البحر إلى الإسكندرية» .
وما ورد فى ص ٢١٢ س ٩: «وعلى ذلك لمقدس من الجبل إلى البحر» .
والصواب: «وعلى ذلك إنه لمقدس من الجبل إلى البحر» «٢» .
وكل هذه العبارات وغيرها برئت من السقط فى الطبعة الأوربية.
ووقع تصحيف فى كثير من أسماء الأعلام، وأرجح أن كثيرا منه ربما كان من المطبعة، ولذلك لن ألح عليه، ولكنى سأعطى بعض الأمثلة. جاء فى صفحة ط من المقدمة. السطر الأخير: على بن عبد العزيز الجداوى. والصواب: الجروى، نسبة إلى بنى جرى.
وفى ص س ١٨: بجير بن ذاخر المعافرى، بالجيم. والصواب بالحاء، كما جاء فى المشتبه للذهبى ٤٧.
وفى ص ٧٤ س ٦: البراء بن عازب، بفتح الزاى. والصواب كسرها.
وفى ص ٨٣ س ٣ من أسفل: سعيد بن عفير بفتح العين. والصواب ضمها.
1 / 11
وفى ص ٩٤ س ٤: شبيم بن بيتان، بضم الشين وبالباء، وتكرر وروده بهذه الصورة فى ١٥٨، ١٦١ والصواب كسر الشين وبالياء كما فى تهذيب التهذيب لابن حجر.
وفى ص ١٢٦ س ٨: أبو بصرة الغفارى واسمه جميل بن بصرة، بالجيم.
والصواب بالحاء، كما فى كتب الصحابة.
كذلك وقع تصحيف فى المتن فى مواضع متعددة، أشير إلى مجموعة منها. جاء فى ص ٤ س ٥ فى الوصية بالقبط: «لا تأكلوهم أكل الحضر» وفسر المحقق الحضر بأنه الذي يتحين طعام الناس حتى يحضره» وأرجح أن الصواب «لا تأكلوهم أكل الخضر» أى النبات الغض.
وفى السطر الأخير من ص ١٠ عن كنعان بن حام «وهو الذي حيل به فى الزجر فى الفلك» ولا معنى لها. وأظن أن الصواب ما فى الطبعة الأوربية: وهو الذي حبل به فى الرجز فى الفلك، أى فى أثناء العذاب والمحنة.
وفى ص ٦٦ س ١٠: «إلى ما يدعو محمد؟» . والصواب: إلى م، أو إلا م، لأن ما الاستفهامية يجب حذف ألفها إذا جرت، وتبقى فتحة الميم.
وفى ص ١٧٣ س ٦: بجرف تبة. ولعل الصواب ما فى الطبعة الأوربية: بجرف ينة، وينة لقب أبى عبد الرحمن الحمراوى الذي شهد فتح مصر، ونسب إليه حمام ينة (القاموس المحيط) .
وفى السطر الأخير من ص ٢٤٨: «إن هذه الصلاة احتضرت» والصواب اختضرت» أى قطعت قبل تمامها، من الاختضار وهو الموت فى سن الشباب.
وفى ص ٢٥٤ س ٦: «فزعم بعض المشايخ أن منها سبع عشرة موضعا» والصواب مرضعا «١» .
وفى ص ١٥ يعلق على كلمة «مهيم» فيقول: «كذا فى الأصل. ولم أجد لهذا اللفظ معناه، ولعله لفظ سؤال عما حدث» . واللفظ موجود فى تاج العروس الذي قال عنه: كلمة استفهام أى ما حالك وما شأنك» .
1 / 12
وفى صفحة (د) من المقدمة: «والذي تجب الإشارة إليه أن ابن قديد لم يكن تلميذا لابن عبد الحكم، ولم يثبت أنه قد نقل عنه رواية شفوية..» مع أن كتاب الفتوح نفسه يذكر سند رواته أنه يرويه عنه، ولا مانع من ذلك، فابن عبد الحكم مات سنة ٢٥٧ هـ، وابن قديد ولد سنة ٢٢٩ ومات سنة ٣١٢، وإذن فقد تعاصرا ثمانية وعشرين سنة، وعاشا فى بلد واحد: مصر، واشتغلا بعلم واحد: التاريخ «١» .
قلت: وقد استدل الأستاذ عبد المنعم عامر فيما ذهب إليه من أنّ ابن قديد لم يكن تلميذا لابن عبد الحكم بقوله فى صفحة (ش) من المقدمة: «ويدل على هذا قول منسوب إلى عبد الرحمن بن عبد الحكم عن أبى الأسود النضر بن عبد الجبار، يرجع وقته تاريخيا إلى سنة ٢٣٧ هـ عند ما كان ابن قديد فى الثامنة من عمره، مما لا يستقيم معه أن يكون ابن قديد راوية فى مثل هذا العمر» .
ولست أدرى من أين أتى الأستاذ عبد المنعم بمعلوماته فى هذا الدليل. والدليل الذي أتى به أساسا واه. لأن النضر بن عبد الجبار أستاذ ابن عبد الحكم توفى سنة ٢١٩ هـ. أى قبل ولادة ابن قديد بعشر سنوات «٢» .
ومهما يكن من أمر فقد أشرت إلى كثير من السقط والتصحيف والتحريف فى طبعة الأستاذ عبد المنعم عند موضعها فى طبعتنا هذه.
وثمة طبعة أخرى لكتاب فتوح مصر، صدرت عن مؤسسة دار التعاون للطبع والنشر بالقاهرة سنة ١٩٧٤ بإشراف الأستاذ محمد صبيح، ويبدو أن هذه الطبعة منقولة عن النسخة الأوربية بعد حذف التعليقات والفهارس. ورغم أنها نقلت عن الطبعة الأوربية فقد ورد بها بعض السقط والتصحيف والتحريف الذي برئت منه الطبعة الأوربية. فقد وقع تصحيف وتحريف فى بعض الأسماء منه على سبيل المثال ما ورد ص ١٥ س ٢٦ عبد الله بن هبيرة السبلى. والصواب «السبائى» . وفى ص ٢٢ س ١٧ فأوحى إلى يوسف أن تحفر ثلاثة خليج. والصواب «خلج» . وفى ص ٦٠ س ٣٥ وحضهم على قتال عدوهم ورغبة فى الصبر. والصواب «ورغبهم فى الصبر» .
1 / 13
وربما اغتفرت هذه الأخطاء على أنها خطأ مطبعى. أما الأمر الذي لا يغتفر فى هذه الطبعة هو ما ذكره الأستاذ محمد صبيح فى صفحة المراجع عن نسخة خطية مصورة لكتاب فتوح مصر بمعهد المخطوطات بجامعة الدول العربية برقم ٣٦٢ تاريخ.
والحق أنى لم أعثر فى صفحات طبعته كلها على تعليق واحد أو مقارنة تنبىء عن أنه رجع إلى هذا المخطوط، ولو أنه استعان به حقيقة وقارن به لكان لطبعته شأن آخر.
ومهما يكن من أمر فسوف تظل النشرة الأوربية التى حققها العلامة تورى من أمثل المطبوعات العربية وأدقها.
ومن ثم اتخذتها أصلا فى التحقيق، باعتبارها النسخة التى نشرت نشرا علميا، على أساس المخطوطات المتنوعة التى وقعت للمستشرق تورى.
وأثبت فى حواشيها فروق النسخ التى رجع إليها تورى. وخاصة الفروق التى لها دلالة خاصة. وزدت عليها فرق النسخة التى حصلت عليها، مع ما عن لى من التعليق والشرح والتوضيح.
وقد رمزت لمخطوطة المتحف البريطانى رقم ٥٢٠ بالحرف (أ) .
ولمخطوطة باريس رقم ١٦٨٦ بالحرف (ب) .
ولمخطوطة باريس رقم ١٦٨٧ بالحرف (ج) .
ولمخطوطة ليدن رقم ٧٠٥ بالحرف (د) .
أما مخطوطة الحرم المكى التى حصلت عليها فقد رمزت إليها بالحرف (ك) ورقمها ١٦٩ تاريخ، وتقع فى ٢٥٢ ورقة، ومسطرتها ١٥ سطرا، فى كل سطر ١٢ كلمة. وقد كتبت بقلم نسخى نفيس سنة ٦٧٩ هـ.
1 / 14
غلاف نسخة الحرم المكي
1 / 15
بشر كثير من اصحاب رسول الله صلّي الله عليه وسلّم من المهاجرين الأوّلين اخره والحمد لله ربّ العالمين
وصلّي الله علي محمّد خاتم النّبيين وعلي اله الطّاهرين وسلّم
فرغ منه بالاسكندريه منتصف شوال سنة تسع وسبعين وستمه وكتب علي بن احمد الحسينى الغرّافي شاهدت على الاصل المنقول منه
بلغ السماع بجميع كتاب فتوح مصر والمغرب تاليف ابي القسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم ﵀ عليه بقراءة الشيخ الفقيه ابي محمّد عبد القادر بن عبد الله الرهاوي علي الشيخ الامام العالم الفقيه الحافظ شيخ الاسلام ابي طاهر احمد بن محمد بن احمد بن محمد بن ابراهيم السلفي الاصبهاني رضى الله عنه صاحبه الشيخ الفقيه ابو الفضل جعفر بن ابى الحسن بن ابى البركات الهمدانى والقاضى الاجل الفقيه المفضّل
الصفحة الأخيرة من نسخة الحرم المكي
1 / 17
[مقدمة ابن عبد الحكم]
بسم الله الرحمن الرحيم وبه أستعين. وصلّى الله على محمد نبيّه الكريم أخبرنا الشيخ الفقيه الإمام العالم الحافظ، أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم السّلفىّ الأصبهانىّ، قراءة عليه وأنا أسمع بثغر الإسكندرية حماه الله تعالى، قال: أخبرنا الشيخ أبو صادق مرشد بن يحيى بن القاسم بن علىّ المدينى بقراءتى عليه، قال: أخبرنا الشيخ أبو الحسن علىّ بن منير بن أحمد الخلّال فى كتابه سنة خمس وثلاثين وأربعمائة، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن الفرج القمّاح، أخبرنا أبو القاسم علىّ بن الحسن بن خلف بن قديد الأزدى «١»، حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم، حدثنا محمد بن إسماعيل الكعبىّ (٢، حدثنى أبى، عن حرملة بن عمران التجيبىّ، عن أبى قبيل، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: خلقت الدنيا على خمس صور: على صورة الطير؛ برأسه وصدره وجناحيه وذنبه، فالرأس مكّة والمدينة واليمن، والصدر الشأم ومصر، والجناح الأيمن العراق، وخلف العراق أمّة يقال لها واق وخلف واق أمة يقال لها واق واق، وخلف ذلك من الأمم ما لا يعلمه إلّا الله ﷿، والجناح الأيسر السند، وخلف السند الهند، وخلف الهند أمة يقال لها ناسك وخلف ناسك أمّة يقال لها منسك، وخلف ذلك من الأمم ما لا يعلمه إلّا الله ﷿، والذنب من ذات الحمام إلى مغرب الشمس، وشرّ ما فى الطير الذنب ٢) .
ذكر وصيّة رسول الله ﷺ بالقبط
«٣» (* حدثنا أشهب بن عبد العزيز وعبد الملك بن مسلمة قالا: حدثنا مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن ابن لكعب بن مالك، أن رسول الله ﷺ، قال: «إذا افتتحتم مصر
1 / 19
فاستوصوا بالقبط خيرا؛ فإن لهم ذمّة ورحما «١»» قال ابن شهاب: وكان يقال: إن أمّ إسماعيل بن إبراهيم ﵉ منهم*) .
حدثنا عبد الله بن صالح ومحمد بن رمح، قالا: حدثنا الليث بن سعد، عن ابن شهاب، عن ابن لكعب بن مالك، عن رسول الله ﷺ مثله.
(٢ قال الليث: قلت لابن شهاب: ما رحمهم؟ قال: إن أمّ إسماعيل منهم ٢) .
أخبرنا أبى عبد الله بن عبد الحكم وحامد بن يحيى، قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهرىّ أظنه عن ابن لكعب بن مالك، عن رسول الله ﷺ مثله.
(٣ حدثنا عبد الملك بن هشام، حدثنا زياد بن عبد الله البكّائىّ، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثنى محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهرىّ، أن عبد الرحمن ابن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصارىّ ثمّ السلمىّ، حدّثه عن رسول الله ﷺ مثله.
قال ابن إسحاق: فقلت لمحمد بن مسلم: ما الرحم التى ذكر رسول الله ﷺ لهم؟
فقال: كانت هاجر أمّ إسماعيل منهم ٣) .
حدثنا أبى عبد الله بن عبد الحكم، حدثنى رشدين بن سعد. وحدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا عبد الله بن وهب، عن حرملة بن عمران التجيبىّ، عن عبد الرحمن بن شماسة المهرىّ، قال سمعت أبا ذرّ يقول: قال رسول الله ﷺ: «إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمّة ورحما «٤» .
حدثنا سعيد بن ميسرة، عن إسحاق بن الفرات، عن ابن لهيعة، عن الأسود بن مالك الحميرى، عن بحير «٥» بن ذاخر المعافرى، عن عمرو بن العاص، عن عمر بن الخطّاب رضى الله عنهما، أن رسول الله ﷺ قال: «إن الله ﷿ سيفتح عليكم بعدى مصر، فاستوصوا بقبطها خيرا؛ فإن لكم منهم صهرا وذمة» .
1 / 20
حدثنا عبد الملك بن مسلمة، ويحيى بن عبد الله بن بكير، عن ابن لهيعة، عن ابن هبيرة، أن أبا سالم الجيشانىّ سفيان «١» بن هانئ، أخبره أن بعض أصحاب رسول الله ﷺ، أخبره أنه سمع رسول الله ﷺ، يقول: «إنكم ستكونون أجنادا وإن خير أجنادكم أهل الغرب منكم، فاتّقوا الله فى القبط، لا تأكلوهم أكل الخضر «٢»» .
حدثنا أبى، حدثنا إسماعيل بن عيّاش، عن عبد الرحمن بن زياد، عن مسلم بن يسار، أن رسول الله ﷺ، قال: «استوصوا بالقبط خيرا، فإنكم ستجدونهم نعم الأعوان على قتال عدوّكم «٣» .
حدثنا عبد الملك بن مسلمة، عن الليث وابن لهيعة. قال عبد الملك: وأخبرنا ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب، أن أبا سلمة بن عبد الرحمن حدثه، أن رسول الله ﷺ أوصى عند وفاته أن تخرج اليهود من جزيرة العرب وقال: الله
1 / 21
الله فى قبط مصر. فإنكم ستظهرون عليهم، ويكونون لكم عدّة وأعوانا فى سبيل الله «١» .
قال: وحدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن وهب، عن (* موسى بن أيّوب الغافقىّ، عن رجل من الزّبد «٢» أن رسول الله ﷺ مرض، فأغمى عليه ثم أفاق، فقال:
«استوصوا بالأدم الجعد» ثم أغمى عليه الثانية ثم أفاق، فقال مثل ذلك، قال: ثم أغمى عليه الثالثة فقال مثل ذلك، فقال القوم: لو سألنا رسول الله ﷺ من الأدم الجعد! فأفاق، فسألوه فقال: «قبط مصر؛ فإنهم أخوال وأصهار، وهم أعوانكم على عدوّكم، وأعوانكم على دينكم» قالوا: كيف يكونون أعواننا على «٣» ديننا يا رسول الله؟ قال: «يكفونكم أعمال الدنيا وتتفرّغون للعبادة؛ فالراضى بما يؤتى إليهم كالفاعل بهم، والكاره لما «٤» يؤتى إليهم من الظلم كالمتنزه عنهم*) .
(٥ حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن وهب، عن أبى هانئ الخولانىّ، عن أبى عبد الرحمن الحبلىّ وعمرو بن حريث وغيرهما، أن رسول الله ﷺ، قال: «إنكم ستقدمون على قوم جعد رءوسهم فاستوصوا بهم خيرا، فإنهم قوّة لكم وبلاغ إلى عدوّكم باذن الله تعالى- يعنى قبط مصر ٥) .
حدثنا أبو الأسود، حدثنا ابن لهيعة، عن أبى هانئ، أنه سمع الحبلىّ وعمرو بن حريث يحدّثان عن رسول الله ﷺ مثله.
(٦ حدثنا عبد الملك بن هشام، أخبرنا عبد الله بن وهب، عن ابن لهيعة، حدثنى عمر مولى غفرة، أن رسول الله ﷺ، قال: «الله الله فى أهل الذمّة، أهل المدرة السوداء، السحم الجعاد، فإن لهم نسبا وصهرا ٦) .
1 / 22
(١ قال عمر مولى غفرة: صهرهم أن رسول الله ﷺ تسرّر فيهم، ونسبهم أن أمّ إسماعيل النبي ﵊ منهم ١) .
قال ابن وهب: فأخبرنى ابن لهيعة أن (٢ أمّ إسماعيل هاجر من أمّ العرب قرية كانت أمام الفرما من مصر ٢) .
حدثنا عثمان بن صالح أخبرنا مروان القصّاص، قال (٣ صاهر إلى القبط من الأنبياء صلوات الله عليهم ثلاثة،: إبراهيم خليل الرحمن، ﵊ تسرّر هاجر، ويوسف ﵊ تزوّج بنت صاحب عين شمس، ورسول الله ﷺ تسرّر مارية.
حدثنا هانئ بن المتوكّل، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب أن قرية هاجر ياق التى عند أمّ دنين ٣) .
ودفنت هاجر حين توفّيت كما حدثنا ابن هشام، عن زياد بن عبد الله، عن ابن إسحاق فى الحجر «٤» .
قال ابن هشام تقول العرب هاجر وآجر، فيبدلون الألف من الهاء، كما قالوا:
هراق الماء وأراق الماء ونحوه «٥» .
ذكر بعض فضائل مصر
حدثنا عبد الله بن صالح عن ابن لهيعة عن بكر بن سوادة، وبكر بن عمرو
1 / 23
الخولانىّ، يرفعان الحديث إلى عبد الله بن عمرو، قال: (١ قبط مصر أكرم الأعاجم كلّها، وأسمحهم يدا، وأفضلهم عنصرا وأقربهم رحما بالعرب عامّة، وبقريش خاصّة، ومن أراد أن يذكر «٢» الفردوس، أو «٣» ينظر إلى مثلها فى الدنيا، فلينظر إلى أرض مصر حين تخضرّ زروعها «٤» وتنّور ثمارها ١) .
حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن عمرو المعافرىّ، عن كعب الأحبار، قال: من أراد أن ينظر إلى شبه الجنّة فلينظر إلى مصر إذا أخرفت، وقال غير أبى الأسود: إلى أرض مصر إذا أزهرت «٥» .
وقال غير ابن لهيعة: وكان منهم السحرة فآمنوا «٦» جميعا «٧» فى ساعة واحدة، ولا نعلم «٨» جماعة أسلمت فى ساعة واحدة أكثر من جماعة القبط.
قال: وكانوا كما حدثنا عثمان بن صالح، عن ابن لهيعة، عن عبد الله بن هبيرة السبئىّ ويزيد بن أبى حبيب المالكىّ، يزيد بعضهم على بعض فى الحديث، اثنى عشر ساحرا رؤساء وتحت يدى «٩» كلّ ساحر «١٠» منهم عشرون عريفا، تحت يدى كلّ عريف منهم ألف من السحرة، فكان جميع السحرة مائتى ألف وأربعين ألفا، ومائتين واثنين وخمسين إنسانا، بالرؤساء والعرفاء. فلما عاينوا ما عاينوا، أيقنوا أن ذلك من السماء، وأن السحر لا يقوم لأمر الله، فخرّ الرؤساء الاثنى عشر عند ذلك سجّدا فاتّبعهم العرفاء، واتّبع العرفاء من «١١» بقى، وقالوا: آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ، رَبِّ مُوسى وَهارُونَ «١٢» .
1 / 24
(١ حدثنا هانئ بن المتوكّل حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب، أن تبيعا قال:
فكانوا من أصحاب موسى صلوات الله عليه ١) ولم يفتتن منهم أحد مع من افتتن من بنى إسرائيل فى عبادة العجل.
حدثنا هانئ بن المتوكل حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب أن تبيعا كان يقول: ما آمن جماعة قطّ فى ساعة واحدة، مثل جماعة القبط.
حدثنا أبو صالح حدثنا الليث، عن يزيد بن أبى حبيب، أنه بلغه أن كعب (٢ الأحبار كان يقول: مثل قبط مصر كالغيضة، كلّما قطعت نبتت حتّى يخرّب الله بهم وبصناعتهم جزائر الروم ٢) .
(* وكانت مصر كما حدثنا عبد الله بن صالح وعثمان بن صالح، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب، عن عبد الرحمن بن شماسة المهرىّ، عن أبى رهم السماعىّ قناطر وجسورا بتقدير وتدبير، حتّى إنّ الماء ليجرى تحت منازلها وأقنيتها «٣» فيحبسونه كيف شاءوا ويرسلونه كيف شاءوا؛ فذلك قول الله ﷿ فيما حكى من قول فرعون:
أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ «٤»
، ولم يكن فى الأرض يومئذ ملك أعظم من ملك مصر*) .
(* وكانت الجنّات بحافتى النيل من أوّله إلى آخره فى الجانبين جميعا، ما بين أسوان إلى رشيد، وسبعة خلج: خليج الإسكندرية، وخليج سخا، وخليج دمياط، وخليج منف، وخليج الفيّوم، وخليج المنهى، وخليج سردوس؛ جنات متّصلة لا ينقطع منها شئ عن شىء، والزرع «٥» ما بين الجبلين، من أوّل مصر إلى آخرها ممّا يبلغه الماء، وكان جميع أرض مصر كلهّا تروى من ستّة عشر ذراعا لما قدّروا ودبّروا من قناطرها وخلجها
1 / 25