وكان قوي النفس، جريئا مؤثرا في سامعيه شديدا عليهم، يلقب من يعظهم أحيانا بالثيران والحمير، وكان قليل الدرس فيما يظهر، ولكن ثورة نفسه واعتقاده أنه ملهم كانا يسحران من يلقاه.
وقد وصفه الأستاذ نكلسون المستشرق الإنكليزي في مقدمة كتابه الذي سماه «قصائد مختارة» من ديوان شمس تبريز، وبين مشابهته سقراط في ثورته وقوته، وأن كلا منهما وجد من يعبر عن آرائه الخشنة بكلام بليغ رقيق.
ذلكم إجمال ما يروى عن هذا الصوفي العجيب الذي نقل جلال الدين من مدرس يعلم العلوم الدينية إلى صوفي منقطع للرياضة الصوفية، ونظم الشعر وسماع الموسيقى.
جاء شمس الدين إلى قونية ونزل في خان شكرريز، ويقال: إن شيخه ركن الدين أرسله إلى جلال الدين ليدخله في الطريق الصوفي.
وتروى قصص عن اللقاء الأول بين جلال وشمس، يراد بها تمثيل ما بين علماء الظاهر والصوفية من خلاف، وتبيين سرعة تحول جلال الدين من هؤلاء إلى هؤلاء. وتأثير شمس في جلال ونفوذه إلى سرائره وتمكنه في قلبه لا يحتاج إلى بيان؛ فأشعار جلال الدين في المثنوي وفي ديوانه الذي سماه ديوان شمس تبريز، فياضة بالحب والإجلال والمبالغة في إعظام شمس والإعجاب به، ولكن لا أحسب جلالا تحول طفرة واحدة من العلماء إلى الصوفية؛ فقد نشأ في بيت تصوف، وأخذ عن شيوخ الصوفية، ودل شعره على استعداد لها وميل إليها؛ فلم يكن لقاء شمس إياه إلا إثارة للشوق الذي في نفسه، وتأجيجا للنار التي في فؤاده.
أخذ جلال الدين يهجر درسه ويأنس إلى التبريزي، ويخلو به ويسايره في المتنزهات، ورأى تلاميذ جلال الدين أن هذا الضيف العجيب أخذ يستبد بأستاذهم، ويصرفه عن سبيله، ويحيد به عن سنن العلماء؛ فثاروا بهذا الدرويش، واضطروه إلى أن يهرب من قونية إلى تبريز، ولكن جلال الدين لم يصبر عنه، فذهب إليه وأرجعه إلى قونية، ويقال: إنه خرج إلى دمشق أيضا، فأرسل جلال الدين ولده فرجع به إلى قونية.
ثم تقع ثورة يختفي بعدها التبريزي وتنقطع أخباره، وتختلف الأحاديث في أمره، فيقال: إن شرطة السلطان قتلته، ويقال: قتله بعض تلاميذ جلال الدين، وشارك في قتله علاء الدين بن جلال الدين. ويقال: إن سلطان ولد الابن الثاني لجلال تقصى أخباره حتى أخرج جثته من بئر ودفنها.
وفي قونية اليوم مزار لشمس الدين مشيد عليه قبة عالية، وكانت وفاة التبريزي فيما يظهر سنة 645.
5
شغل جلال بالرياضة وشغف باستماع الموسيقى والغناء ونظم الأشعار وإنشادها، وردد اسم شمس الدين في كثير منها، ونظم الكتاب المثنوي، واجتمع إليه المريدون فراضهم على طريقته التي عرفت من بعد باسم المولوية.
نامعلوم صفحہ