فصول من الفلسفة الصينية
فصول من الفلسفة الصينية: مع النص الكامل لكتاب الحوار لكونفوشيوس وكتاب منشيوس
اصناف
وقد بنى منشيوس نظريته في الطبيعة الإنسانية انطلاقا من نقده للنظرية الأولى التي قال بها الفيلسوف كاو تزو
Kao Tzu
الذي عاصر منشيوس، وكان لفلسفته رواج في ذلك الوقت. ومفاد نظرية كاو تزو هو أن الطبيعة الأصلية للإنسان تحتوي على ميلين فقط: وهما الشهية إلى الطعام والشهية إلى الجنس. وبما أن هذين الميلين فطريان عنده لا مكتسبان، فمعنى ذلك أنه لا شر فيهما ولا خير، وإنما انصياغ لما تفرضه الفطرة.
لم ينكر منشيوس وجود هذين الميلين، وإنما أنكر أن يكون هذان الميلان هما كل الطبيعة الإنسانية؛ لأن هذه الطبيعة تتكون من طبيعتين؛ واحدة حيوانية يتشارك بها مع بقية أحياء الأرض، وتتألف من الميل إلى الطعام والميل إلى الجنس. وطبيعة إنسانية ينفرد بها ولا يمتلكها الحيوان، وهي التي يعنيها عندما يتحدث عن الطبيعة الأصلية للإنسان، وهي مصدر الخير عنده. أما الطبيعة الحيوانية فعلى الرغم من أنها ليست طيبة ولا خبيثة، إلا أنها يمكن أن تكون مصدرا للشرور إذا لم يراقبها المرء ويتحكم بها. وقد قدم منشيوس في دفاعه عن هذه النظرية عددا من الحجج، لعل أهمها ما أورده في الباب الثالث من كتابه، الفصل 6، حيث يقول: «كل البشر يتمتعون بقلب رحيم ومتعاطف يأسى لعذابات الآخرين ... وما أعنيه بقولي هذا يشرحه المثال التالي: لو أن أي إنسان رأى فجأة طفلا رضيعا على وشك السقوط في بئر (وهو يزحف نحوها)، سيتحرك في داخله شعور بالجزع والتعاطف، لا طلبا للشكر والعرفان من أبوي الطفل، ولا طمعا في مديح جيرانه وأقربائه، ولا لنفوره من سماع صراخ الطفل.
ومن هنا يمكن القول بأن الذي لا يمتلك قلبا رحيما متعاطفا ليس بإنسان، وكذلك من لا يمتلك الشعور بالخجل، ومن لا يمتلك التواضع والكياسة، ومن لا يميز بين الصح والخطأ.
إن التعاطف هو (بذرة أو) بداية المرءوة
1
والخجل هو بداية الصلاح (الاستقامة)،
2
والتواضع هو بداية قواعد الأدب والمعاملات،
نامعلوم صفحہ