فصول من الفلسفة الصينية
فصول من الفلسفة الصينية: مع النص الكامل لكتاب الحوار لكونفوشيوس وكتاب منشيوس
اصناف
الحكيم بلا عيوب لأنه يعيها (الفصل 71).
إن الفيلسوف الصيني من خلال تعبيره عن أفكاره بأسلوب الحكم، والأقوال المأثورة، وضرب الأمثلة، يعوض عن الإسهاب والتفصيل الذي يميز النثر بالإيحاء الذي يميز الشعر. وبما أن الإيحاء والإسهاب لا يجتمعان، فإنه كلما نحا التعبير نحو الإسهاب قلت إيحاءاته، وكلما نحا نحو الإيحاء قل إسهابه، وهذا هو سر جاذبية الفلسفة الصينية. ربما قام أحد الباحثين بجمع كل الأفكار التي يتضمنها كتاب التاو تي تشينغ، وأسهب في شرحها والتعليق عليها في كتاب من ثلاثمئة صفحة. إن مثل هذا الكتاب قد يساعد القارئ العادي على فهم التاو تي تشينغ، ولكنه لن يكون بديلا عنه بحال من الأحوال. وقد يرى القارئ الحصيف أن التاو تي تشينغ هو الذي يشرح هذا الكتاب وليس العكس.
خلفيات الفلسفة الصينية
الصين بلد قاري، وبالنسبة للصينيين القدماء كانت الصين هي العالم. وقد عبرت لغتهم عن ذلك عندما جعلت كلمة الصين مرادفة لكلمة العالم، أو لتعبير «كل ما تحت السماء». وقبل افتتاح طريق الحرير التجاري خلال فترة حكم أسرة هان (206ق.م.-220م)، لم يكن من عادة الصينيين مغادرة بلادهم أو ركوب البحر. وكلمة البحر لم ترد عند كونفوشيوس (551-479 ق.م.) سوى مرة واحدة، وكذلك الأمر عند منشيوس (372-289ق.م.)، ولم نسمع عن مفكر صيني ركب البحر واطلع على أحوال البلدان البعيدة، على عكس المفكرين الإغريق الذين طالما تنقلوا بين الجزر اليونانية، وركبوا البحر إلى مصر وسورية وإيران وآسيا الصغرى.
في هذا البلد القاري كانت الحياة الاقتصادية تقوم على الزراعة، وكانت نسبة العاملين في الزراعة حتى أواسط القرن العشرين نحو 80٪؛ أي إن الزراعة كانت المصدر الأساسي لثروة الأمة. أما التجارة فلم تتعد التبادلات في أسواق المدن، ولم تشكل التجارة الخارجية عبر البحار والطرق الدولية بعد أن نشط طريق الحرير سوى نسبة ضئيلة لا يعتد بها من ثروة الأمة. وقد انعكس ذلك على الآراء الاقتصادية والاجتماعية للمفكرين الصينيين الذين ميزوا بين الجذور التي هي الزراعة، والأغصان التي هي التجارة؛ لأن وظيفة الزراعة الإنتاج، أما وظيفة التجارة فالتبادل، والتبادل لا يتم قبل أن يكون هنالك إنتاج؛ ولذلك فقد اعتبر التجار بمثابة الشريحة الأدنى بين شرائح المجتمع، أما الشريحة الأعلى فهم أصحاب الأراضي، يليهم المزارعون فالحرفيون. وقد كان أصحاب الأراضي بما تتيح لهم طبيعة حياتهم أهل ثقافة، وعلى الرغم من أنهم لم يكونوا يباشرون الزراعة بأنفسهم، إلا أن أقدارهم وحظوظهم كانت مرتبطة بغلة الأرض كما هو حال المزارعين؛ ولهذا فقد كان المزارعون وسادتهم يتشاركون النظرة نفسها إلى العالم، وفلسفة الحياة نفسها. ولكن بما أن علم السادة قد أعطاهم القدرة على التعبير عن مشاعر المزارع الذي لا يملك أدوات التعبير، فقد تجلت نظرة المزارع إلى العالم وفلسفته في الحياة في ما أنتجه المثقفون من فلسفة وأدب وفن.
التاوية والكونفوشية (اتفاق واختلاف)
لدينا من القرن الثالث قبل الميلاد كتاب يتضمن عرضا وافيا وموجزا للمدارس الفلسفية الصينية. ورد في أحد فصوله وصف لطبيعة الناس الذين يعملون في الجذور ؛ أي المزارعين، والناس الذين يعملون في الفروع (أو الأغصان)؛ أي التجار؛ فالمزارع حسن الطوية وبسيط وساذج، ولديه براءة الأطفال؛ ولذلك فهو مطيع وغيري. وبما أن ممتلكاته وأدوات عمله ثقيلة وصعبة النقل، فإنه لا يفكر بترك موطنه إذا تعرض لخطر خارجي. أما التاجر فخبيث وغادر وأناني؛ ولذلك فهو غير مطيع. وبما أن أدوات عمله خفيفة وسهلة الحمل، فإنه يترك موطنه إذا تعرض لخطر خارجي. ثم يخلص الكاتب إلى نتيجة مفادها أن الزراعة أكثر أهمية لاقتصاد المجتمع من التجارة، وأن نمط حياة المزارع يعلو على نمط حياة التاجر.
وفي الحقيقة فإننا لواجدون في هذا التقدير العالي للزراعة وللحياة الزراعية أصول الاتجاهين الرئيسيين في الفلسفة الصينية؛ وهما التاوية والكونفوشية، سواء في اتفاقهما أم اختلافهما.
في الفلسفتين هنالك مبدأ مشترك ناجم عما يراه المزارع من حركة الشمس والقمر وتبدل الفصول، مفاده أن السير في أي مجال (سواء في الطبيعة أم الإنسان) إلى أقصى مدى، سيؤدي إلى حركة عكوسية نحو نقطة المبتدى، ويتحول الشيء إلى نقيضه. هذا ما نجده في التاو تي تشينغ، وفي التفسيرات الكونفوشية لكتاب التغيرات كما تبدت في ملاحقه.
نقرأ في التاو تي تشينغ:
نامعلوم صفحہ