مقدمة الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله الذي أرشدنا إلى معالم الشريعة ومعارج اليقين ونور قلوبنا بزبدة من لوامع تمهيد قواعد الدين ووفقنا التحصيل حاصل القوانين الممهدة لايضاح مدارك شرعه المبين والصلاة والسلام على من اصطفاه واختاره على العالمين محمد وآله الطيبين الطاهرين إلى يوم الدين أما بعد فيقول المفتقر إلى رحمة ربه الكريم محمد حسين بن محمد رحيم غفر الله ذنوبهما وحشرهما مع محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين إنه لما ساعدني سواعد التوفيقات الإلهية والتأييدات الربانية على السلوك في المسالك العلمية وتحصيل المعارف الدينية من العقلية والنقلية ورأيت أن أكثرها قد رأوا أجلها خطرا بعد العلم الموسوم بعلم الكلام علم الفقه المتكفل لبيان الاحكام الكاشف عن معضلات مسائل الحلال والحرام ووجدت مسائله مستمدة من علم الأصول مستندة إليه في الرد والقبول ولم أجد فيه من علمائنا الصالحين من المتقدمين والمتأخرين رضوان الله عليهم أجمعين ولا غيرهم من الفحول والمحققين مصنفات يشفي العليل ويروي الغليل مع ما أكثروا فيه من التصنيف والتأليف وأوردوا فيها من التوجيه والترنيف فكم من تحقيق مقام تركوه وتوضيح مرام أهملوه صرفت جهدي في تصنيف كتاب يحتوي على معظم تحقيقاته ويشتمل على جل مهماته وفتح مغلقاته فأوردت فيه تحقيقات بلغ إليها نظري و ذكرت فيه تنبيهات عثر عليها فكري مما لم يسبقني إليها أحد غيري وحررتها بعبارات وافية وبيانات شافية محترزا عن الاطناب الممل و الاختصار المخل موردا لما أورده من الرد والايراد مبينا لما فيه من وجه ضعف أو فساد وحيث التمسني عند أخذي في تصنيف هذا الكتاب بعض الأصحاب من أخلائي المؤمنين وأصدقائي الصالحين أن أتعرض في طي تحريره لمناقشات تتجه عندي على كتاب القوانين وهو المصنف المحقق المدقق الفاضل الكامل التقي الصفي من فضلائنا المعاصرين أجبت ملتمسه بإنجاح مسؤوله وأسعفت مرامه بنيل مأموله فتعرضت لما خطر ببالي الفاتر وأوردت لما ورد في فكري القاصر معبرا عنه ببعض المعاصرين وبالفاضل المعاصر ناقلا لكلامه غالبا بالمعنى موردا له بعبارة وجيزة أوفي ومع ذلك فالناظر إذا أقدم ميدان الرقم لا يتمالك عنان القلم فاعذروني إن أكثرت عن الرد والايراد أو صرحت بالضعف والفساد ولا ترموا على ذلك بالشنع فإن الحق أحق بأن يبدي فيتبع وسميته بالفصول الغروية في الأصول الفقهية وسلكت في ترتيبه مسلك المتأخرين لأنه أقرب إلى طباع الناظرين ورتبته على مقدمة ومقالات وخاتمة و المسؤول من الله الملك الوهاب أن يعصمني فيه من الزلل و يرشدني إلى الصواب ويجعله خالصا لوجهه الكريم فإنه على من رجاه عطوف رحيم أما المقدمة ففي تعريف العلم وبيان موضوعه وذكر نبذة من مباديه اللغوية وربما يذكر فيها بعض مباحث المقاصد استطرادا وأما وجه الحاجة إليه فسيأتي بيانه في محله إن شاء الله تعالى القول في تعريفه لأصول الفقه معنيان تركيبي إضافي وأفرادي علمي وقد جرى دأب القوم بالبحث عن حده بالاعتبارين وظاهر مقالة كثير منهم يؤذن بدعوى التطابق بين المعنيين وبه صرح بعضهم مع احتمال أن يكون الغرض من إيراد المعنى الأول بيان المناسبة المصححة للنقل في الثاني فأما معناه التركيبي، فبيانه مبني على بيان أجزائه فنقول الأصول جمع الأصل وهو في اللغة ما يبتني عليه الشئ صرح به جماعة من علماء الأصول وكان هذا مراد من فسره بأسفل الشئ ومن فسره بالقاعدة التي لو توهمت مرتفعة لارتفع الشئ بارتفاعها وقد يطلق ويراد به معنى السابق فيؤخذ تارة باعتبار الحقيقة كقولك أصل الانسان التراب وأصل الخزف الطين يعنى حقيقته السابقة و أخرى باعتبار الأحوال والصفات كقولك هذا في الأصل بغدادي و هذا الأسود كان في الأصل أبيض يعنى في السابق وليس مبنيا على المعنى السابق إذ لا يفهم منه هنا معنى البناء أصلا وإن كان حاصلا في قسمه الأول فهو إما حقيقة بالاشتراك أو مجاز لوجود العلاقة و في الاصطلاح يطلق غالبا على أحد المعاني الأربعة وهو الراجح و الاستصحاب والقاعدة والدليل والمناسب من معانيه للمقام إما المعنى اللغوي أو الأخيران من معانيه الاصطلاحية كما سيتضح لك إن شاء الله والفقه في اللغة الفهم صرح به الجوهري وغيره وفسره الرازي بفهم غرض المتكلم من كلامه واحترز به عن فهم غيره وفهمه بغير كلامه وفسره بعضهم بفهم الأشياء الدقيقة واحترز به عن فهم غيرها والمعروف هو الأول ثم الفهم هو الادراك وكأن هذا مراد من فسره بأنه هيئة للنفس بها يتحقق معاني ما تحس وقيل هو جودة الذهن من حيث استعداده لاكتساب
صفحہ 1
المطالب والآراء وكأن هذا مراد من فسره بسرعة الانتقال من المبادي إلى المطالب نعم فرق بين ظاهر كل واحد من الحدين وظاهر الاخر من حيث إن أحدهما ظاهر في الفعلي والاخر في الثاني و ضعف الأول بعدم صدق الفهيم على البليد مع صدق المدرك عليه و الثاني بشيوع استعماله في مطلق الادراك ويمكن الجواب عن الأول على الأول بالتزام النقل في لفظ الفهيم أو بأنه صيغة مبالغة كعليم فلا ينافي عدم إطلاقه على مطلق المدرك وأما في الاصطلاح فله تعريفات عديدة أشهرها أنه العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية فالعلم يطلق على معان عديدة منها الادراك المطلق وهذا الاطلاق وإن كان متداولا عند أهل الميزان بل هو حقيقة في عرفهم إلا أنه مجاز باعتبار العرف واللغة ومنها التصديق أعني الاعتقاد سوأ اعتبر فيه الأمور الثلاثة من الجزم والثبات والمطابقة أو لم تعتبر كلا أو بعضا وإطلاق العلم على ما يشتمل على الجميع حقيقة لغة وعرفا كمجازية إطلاقه على ما ينتفي فيه الامر الأول وفي إطلاقه على البواقي وجهان وقد نص كثير منهم على مجازيته وهو الظاهر ومنها الملكة وهي الهيئة الراسخة الناشئة عن الممارسة فيما أضيف إليه الملكة أو مطلقا أو مطلق التهيؤ والأول أظهر وإطلاقه عليها وإن كان مجازا لغة لكنه حقيقة في مصطلح أرباب العلوم بالغلبة أو النقل كما هو الظاهر وإليه يرشد ظاهر كلماتهم ومنها التصور وإطلاقه عليه مبني على أخذه بمعنى الادراك ومنها المسائل وهي القضايا أو المحمولات المنتسبة وإليه يرجع قولهم فلان يعلم النحو أي مسائله وهل هو مجاز مطلقا من باب تسمية المعلوم ولو بالقوة باسم العلم تمسكا بأصالة عدم الاشتراك أو حقيقة عرفية عامة أو خاصة نظرا إلى شيوع إطلاقه فيه عليها وجهان والاحكام تطلق أيضا على معان عديدة على خطابات الشرع المتعلقة بأفعال المكلفين وهذا معناه المصطلح عليه عند القوم على ما سيأتي وعلى التصديقات مطلقا أو مع المنع من النقيض والظاهر أن هذا المعنى بالاعتبار الأخير ثابت لها بحسب اللغة والعرف واستعمالها فيها شائع في العلوم لا سيما علم الميزان لكنهم كثيرا ما يستعملونه في التصديق بالمعنى الأعم و على المسائل وعلى النسب الحكمية والظاهر أن إطلاقها على هذين المعنيين مجاز في المعنى السابق بعلاقة المجاورة أو الحلول وعلى الأحكام الخمسة التكليفية وعلى مطلق الاحكام أعني الأعم من التكليفية والوضعية وإطلاقها على هذا المعنى متداول في عرف المتشرعة وإطلاقها على الخمسة التكليفية راجع إليه فإن فسر العلم بالادراك جاز حمل الاحكام على النسب والمسائل وعلى مطلق الاحكام أيضا إن اعتبرت من حيث انتسابها إلى موضوعاتها إلا أنه يستلزم استدراك قيد الشرعية على ما هو الظاهر من اختصاصها بهذا المعنى بالشرعية دون الأعم منها ومن غيرها والأظهر في هذه الصور أن يجعل الظرف متعلقا بالمتعلق المقدر أي الادراك المتعلق بالنسب أو المسائل أو الاحكام ولا يصح حملها حينئذ على التصديقات إذ ليس إدراكها فقها إلا أن يراد بها تصديقات الشارع لكنه مع بعده لا يختص بمن يرى صحتها وظاهر الاصطلاح لا يساعد عليه ولا على الأحكام الخمسة لانتقاض عكس الحد حينئذ بالأحكام الوضعية مع أنها داخلة في الفقه قطعا ومن التزم بخروجها منه و جعل ذكرها فيه على التبعية أو لأولها إلى الأحكام التكليفية فقد أتى بتعسف بين ولا على الخطابات سواء أريد به توجيه الكلام نحو الغير لظهور أن العلم بهذا الامر النسبي ليس فقها ولا مستفادا من الأدلة أو أريد به نفس الكلام الموجه لوضوح أن مجرد العلم به لا يسمى فقها وللزوم اتحاد الدليل والمدلول حينئذ فإن من الأدلة الكتاب وهو من جملة الخطابات المذكورة وقد أجابت الأشاعرة عن هذا بجعل الاحكام عبارة عن الكلام النفسي والأدلة عبارة عن الكلام اللفظي فلا اتحاد وأورد عليه الفاضل المعاصر بعد بطلان الكلام النفسي في نفسه بأن الكتاب مثلا حينئذ كاشف عن المدعى لا مثبت للدعوى فلا يكون دليلا في الاصطلاح هذا كلامه فإن أراد أن الكلام النفسي حينئذ مطلوب إنشائي فلا يكون الكلام اللفظي دليلا عليه حيث يعتبر عندهم أن يكون المطلوب به خبريا ففيه أن المراد إنما هو العلم بالأحكام من حيث كونها ثابتة ومتحققة في نفس الامر أو عند الشارع بدليل أن المراد بالعلم إما التصديق أو الادراك التصديقي أو ملكتهما دون التصور أو ملكته كما سيتضح وجهه ولا ريب أنها بهذا الاعتبار من المطلوب الخبري وإن كانت من حيث ذواتها إنشاء وظاهر أن الأدلة إنما تعتبر أدلة لها بهذا الاعتبار فلا إشكال وإن أراد أن الخطابات النفسية مداليل للخطابات اللفظية فلا تكون أدلة عليها لان الألفاظ لا تثبت معانيها وإنما تكشف عنها عند العالم بالوضع على سبيل البداهة والضرورة ففيه أن الخطابات اللفظية لم تعتبر أدلة على الخطابات النفسية من حيث اقتضائها لتصورها وحضورها في نظر السامع بل من حيث التصديق بثبوتها عند المتكلم وإرادته لها وظاهر أن اللفظ يصح أن يكون دليلا على معناه بهذا الاعتبار بالمعنى المصطلح لتوقف دلالته عليه على تمهيد مقدمات عديدة ثم أجاب عن أصل الاشكال بجعل الاحكام عبارة عما علم ثبوته من الدين ضرورة بالاجمال والأدلة عبارة عن الخطابات التفصيلية قال فإنا نعلم أولا بالبديهة أن لشرب الخمر و أكل الربا أو نحو ذلك حكما أي خطابا من الخطابات من الاحكام ولا نعرفه بالتفصيل إلا من قوله تعالى حرمت عليكم الميتة وحرم الربا ونحو ذلك هذا كلامه وفيه ما لا يخفى فإن الخطابات التفصيلية ليست أدلة على الخطابات الاجمالية وذلك واضح على أن الخطابات الاجمالية كما اعترف به ثابتة بالضرورة والبداهة فلا تكون حاصلة عن الأدلة مع أن العلم بالخطابات الاجمالية لا يسمى في الاصطلاح فقها قطعا وإن أراد بها الاحكام الاجمالية من حيث التفصيل عاد المحذور فإن
صفحہ 2
الاجمال بهذا الاعتبار عين التفصيل وإن حمل العلم على التصديق جاز حمل الاحكام على النسب والمسائل وعلى مطلق الاحكام أيضا إن اعتبرت من حيث انتسابها إلى موضوعاتها ليصح تعلق التصديق بها و ما يقال هنا وفيما مر أن تفسير الاحكام بالنسب يوجب خروج العلم بحدود موضوعات الفقه عنه مع أن بيانها من وظيفته فضعيف لأنه إن أريد به لزوم خروج تصور حدود الموضوعات عنه أو تصورها بحدودها عنه فهذا مما لا ضير فيه بل مما يجب المحافظة عليه لئلا ينتقض طرد الحدية لان مسائل العلوم على ما تبين في محله لا تكون إلا تصديقات وتصور الموضوع من المبادي التصورية التي تبين في العلم إذ ليس لها موضع آخر تبين فيه فبيانها من وظيفة العلم بالعرض على أن ذلك خارج عن أصل الحد بناء على تفسير العلم بالتصديق وإن أريد لزوم خروج التصديق بصحة تلك الحدود و مقتضاها عنه فممنوع لأنها حينئذ يشتمل على النسبة بالوصف المذكور وهي أيضا داخلة فيه على الوجهين الأخيرين أما على الأول فلأنها بهذا الاعتبار تكون من المسائل وأما على الثاني فلأنها حينئذ تكون من جملة الأحكام الوضعية حيث إنها لا تنحصر عندنا في الخمسة المعروفة ولا يصح تفسير الاحكام حينئذ بالتصديقات ولا بالأحكام الخمسة ولا بالخطابات لما سبق وإن فسر العلم بالملكة جاز أن يراد بالأحكام التصديقات أو المسائل أو مطلق الاحكام على حد وما سبق ومن شنع على من فسر الاحكام بالتصديقات بأن الفقه ليس عبارة عن التصديق بالتصديقات فكأنه غفل عن تفسير العلم بهذا المعنى ولا يصح حينئذ أن يراد بها الخطابات ولا الأحكام الخمسة لما مر ولا النسب إذ ليس ملكتها فقها إلا أن تفسير الملكة بملكة التصديق أو الادراك بأن يراد بها التصديق أو الادراك بالملكة فيستقيم المعنى بهذا التكلف كما مر أو يتعسف فيجعل الظرف متعلقا بالمتعلق المقدر على أن تكون صفة للعلم ويعتبر تعلقها بالنسبة على وجه يتناول تعلقها بها بواسطة تعلقها بما يتعلق بها من التصديق و الوجهان إتيان على تقدير التفسير بالمسائل وبمطلق الاحكام أيضا إلا أنه لا تعسف فيهما لشيوع الاطلاق ثم تفسير أسماء العلوم بالملكة مما اشتهر في العبائر والألسنة لكن قد يناقش فيه بأن الملكات أمور بسيطة لا تقبل التبعيض و التجزئة وتقبل الضعف والشدة والمعهود من حال العلوم خلاف ذلك وجوابه أن أسماء العلوم كما تطلق على المسائل كذلك تطلق على الملكات وهي تتصف بتلك الصفات بالمعنى الثاني دون الأول وكأن المعترض اعتبر التعريف بالملكة للعلم بمعنى المسائل فأورد عليه بذلك فتأمل وفي المقام كلام ستقف عليه ولا يصح أن يراد بالعلم التصور إذ ليس الفقه عبارة عنه ولا المسائل لعدم استقامة المعنى من غير تعسف والشرعية أما مأخوذة من الشرع بمعنى الشارع سواء فسر به تعالى أو بالنبي صلى الله عليه وآله أو من الشرع بمعنى الطريقة المنتسبة إليه نسبة الاحكام إلى الشرع بالمعنى الأول من باب نسبة الأثر إلى المؤثر ولو تقريبا وبالمعنى الثاني من باب نسبة الشئ إلى متعلقه أو وصفه أو نسبة الجز إلى الكل لان اللام فيها للعموم الافرادي ولا يلزم منه نسبة الشئ إلى نفسه حيث إن المنسوب داخل في المنسوب إليه لتغاير الاعتبارين ثم على تقدير تفسيره بأحد الوجهين الأخيرين فالمراد به شرعنا كما هو الظاهر المتبادر دون سائر الشرائع إذ لا يسمى من علم فروع شرع اليهود أو النصارى عن أدلتها فقيها من حيث علمه بها ويشكل الحد بناء على تفسيره بالمعنى الأول ولا مناص عنه إلا بحمل الاحكام على الاحكام المعهودة إجمالا أو على الاحكام الفعلية أي الثابتة في هذه الملة كما هو الظاهر من إطلاقها ويؤيده إضافة الأدلة إن جعلت المعهد و كيف كان فالمراد بها هنا ما كان للشرع مدخل فيه سواء استقل بإثباته العقل أولا والمراد بالفرعية المسائل المعروفة التي دونت مهماتها في الكتب المعهودة وربما تفسر بما يتعلق بكيفية العمل بلا واسطة والظاهر أن المراد بالموصولة إما العلم الشرعي أو العلم بالحكم الشرعي بمعانيها التي اعتبرناها في الحد كما يقتضيه ظاهر المقام لا مطلقهما أو مطلق أحدهما أو مطلق الشئ لئلا يتضح فساد طرده على بعض الوجوه الآتية فإن كل ما يتعلق بكيفية العمل بلا واسطة لا يكون فرعيا قطعا فيجوز أن يراد بها التصديق الشرعي أو الادراك الشرعي أو المسائل الشرعية أو نسبها أو مطلق الاحكام أو ملكة أحد هذه الأمور أو التصديق بأحد الثلاثة المتأخرة من الأولين و الأنسب بالمقام أن يراد بها الحكم الشرعي بمعانيه المعتبرة في الحد بقرينة وقوعها حدا لوصفه ويجوز أن يراد بكيفية العمل هيئته و خصوصيته فيكون في اعتبارها تنبيه على أن الأحكام الشرعية لا تتعلق بالعمل من حيث كونه عملا ما لم يعتبر معه خصوصية وأن يراد بها مطلق الاحكام فإنها كيفيات جعلية طارئة عليه فإن فسرت بالمعنى الأول جاز أن يراد بالموصولة جميع المعاني المتقدمة على تعسف في بعضها وإن فسرت بالمعنى الثاني لم يجز أن يراد بها المسائل و لا مطلق الاحكام وصح إرادة بقية المعاني على ما مر وبعضهم ترك قيد الكيفية نظرا إلى أن الحد يتم بدونها وعلى تقديره يصح أن يراد بالموصولة جميع المعاني المتقدمة مما عدا التصديق والادراك والملكة وربما أمكن اعتبارها بتعسف كما مر ثم لا يذهب عليك أن بعض هذه الوجوه يبتني على إرجاع التفسير إلى الفرع دون الفرعية كما يظهر بالتأمل وينبغي أن يراد بالعمل فعل المكلف ولو قوة كما هو الظاهر لئلا ينتقض على بعض الوجوه المتقدمة بقول الحكيم و المتكلم بامتناع صدور القبح منه تعالى أو أنه يمتنع منه إظهار المعجزة على يد الكاذب وأنه تعالى مختار في أفعاله حكيم في صنعه وكذا لو اعتبر ذلك بالنسبة إلى خصوصيات الافعال بل ينبغي أن يخص بالمكلف الانساني لئلا ينتقض على بعض الوجوه المتقدمة بنحو قوله تعالى لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وسجد الملائكة يدخلون وقالت الملائكة وبمؤدى مثل قوله تعالى وإذ قلنا للملائكة
صفحہ 3
ومع ذلك يتجه على طرده بنحو قال موسى وقال فرعون وقال نسوة فإنها تشتمل على نسب أو أحكام شرعية متعلقة بفعل المكلف ابتدأ ولا مدفع له إلا بأن يفسر الموصولة أو الكيفية بمطلق الاحكام أو يراد بالشرعية ما من شأنها أن تكون مأخوذة من الشارع من حيث كونه شارعا كما هو الظاهر ونمنع تحقق الحيثية في المذكورات فيندفع نقوض المذكورة وكذا يندفع النقض بمسألة الجبر و الاختيار نعم يبقى الاشكال على عكسه بخروج كثير من الأحكام الوضعية التي لا تعلق لها أولا بكيفية العمل عنه كمباحث النجاسات و المطهرات والمواريث فإن قولهم كذا وكذا نجس أو مطهر أو يرث كذا من كذا أحكام وضعية لا تعلق لها بالعمل ابتدأ بل بواسطة أحكام أخر وعلى طرده بدخول مباحث أصل البراءة وأصل الإباحة فيه ويمكن دفع الأخير بأن المراد تعلقه به تعلق المسائل بموضوعاتها وليس للمسألتين المذكورتين تعلق بالعمل كذلك وفيه تعسف ومع ذلك يبقى الاشكال بمثل مسألة التأسي وينبغي أن يراد بالعمل ما يتناول العمل الوجودي والعدمي ليدخل فيه مثل وجوب الترك أو استحبابه أو حرمته أو كراهته أو إباحته وإن دخلت فيه باعتبار حرمة الفعل أو كراهته حيث يستلزم أو وجوبه أو استحبابه أو إباحته أيضا وكذا مثل شرطية الترك أو مانعيته وإن دخلت باعتبار اللازم من مانعية الفعل وشرطيته ثم إن أريد به ما يختص صدوره بالجوارح انتقض عكس الحد بمباحث النية وإن أريد به ما يتناول عمل القلب انتقض طرده بالأحكام التكليفية الأصولية والأدلة جمع دليل وهو في اللغة المرشد وعرف في الاصطلاح بما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مجهول خبري فباعتبار الامكان دخل فيه الأدلة المتعددة والذي لم ينظر فيه فإنها تتصف بإمكان التوصل وإن لم يقع وينبغي أن يراد به الامكان العادي ليخرج الأدلة المسبوقة بالضرورة فإنها لا تسمى دليلا اصطلاحا والنظر ترتيب أمور معلومة للتأدي إلى مجهول وقد يعرف بأنه ملاحظة المعقول للتأدي إلى مجهول وهو أولى إن جوزنا التعريف بالمفرد كالخاصة وحدها والمراد بالنظر فيه ما يعم النظر في نفسه وصفاته و أحواله فدخل المفرد كالعالم والمركب إذا أخذ بدون الترتيب و يخرج عنه المقدمات المرتبة إذا اعتبرت مرتبة لاستحالة النظر فيها و المراد بصحيحه ما اشتمل على شرائط المادة والصورة وقيد به لعدم العبرة بالنظر الفاسد وإن حصل التوصل به اتفاقا وخرج بالمجهول الخبري الموصل إلى مجهول تصوري فإنه لا يسمى دليلا بل معرفا وهذا التعريف لا يتناول الامارة وبعضهم أخرجها بقوله إلى العلم بالمجهول وكيف كان فالمراد بها هنا الأدلة الأربعة من الكتاب والسنة والاجماع والعقل واعتبارها أدلة صحيحة بالاصطلاحين لان المراد بالمدلول عليه الاحكام في الجملة ظاهرية كانت أو واقعية وربما أمكن تخصيصها على الأول بالثاني لكن يكون الوصف حينئذ باعتبار الغالب فإنها قد لا تقيد الاعتقاد بالواقع أصلا ثم هذا الحد أوفق بالمقام من تحديد بعضهم كالعلامة له بما يفيد معرفة العلم بشئ آخر إيجابا أو سلبا فإنه بظاهره إنما ينطبق على المقدمات المرتبة لظهور أن ما عداها لا يفيد العلم وهذا لا ينطبق على موضوع هذا العلم لأنه عبارة عن نفس المفردات كيف وجملة من طرق النظر فيها إنما يعرف في هذا العلم فلا يمكن اعتبارها فيه نعم ما ذكره معنى آخر للدليل مباين لما ذكرناه وهو المعنى الشائع في غير المقام مع أن قوله إيجابا أو سلبا احتراز عن المعرف ولا حاجة إليه لخروجه بقيد العلم فإن المفهوم منه التصديق وهو لا يستفاد إلا من التصديق على أن هذا الحد بإطلاقه يتناول الدليل الفاسد فإنه قد يفيد العلم بشئ آخر والظاهر أنه لا يسمى دليلا في الاصطلاح إلا مجازا وأيضا لا يتناول الأدلة المتعددة إلا أن يتعسف بحمل الإفادة فيه على ما يتناول شأنية الإفادة إذا تقرر هذا فنقول العلم جنس إن فسر بالملكة على ما نراه من أن الملكات كيفيات مختلفة بالنوع و الحقيقة لا بمجرد النسبة والإضافة أو فسر بالادراك وقلنا بأن حقائق العلوم تابعة لحقائق معلوماتها كما يراه و بعضهم وبمنزلة الجنس أيضا إن فسر بالتصديق مطلقا أو بالادراك إن جعلنا التصور والتصديق من أصنافه لأنهما حينئذ نوع لما يندرج تحتهما من العلوم والادراكات المختلفة باختلاف أقسام المعلومات وتلك العلوم أصناف بالنسبة إليه وإن كانا جنسا بالنسبة إلى ما يندرج تحتهما من المراتب المختلفة بالشدة والضعف على ما هو التحقيق في كل عرض يكون كذلك ويخرج بتقييده بالأحكام العلم بالذوات والصفات على ما ذكره جماعة وهو بظاهره يقتضي حمل الاحكام على النسب وقد صرح به بعضهم فيكون المراد بالعلم الادراك دون الملكة لما مر من أنه لا يتم حينئذ إلا بتكلف ودون التصديق لان التصديق لا يتعلق بغير النسبة فيكون قيد الاحكام على تقديره توضيحيا ولو أريد بالأحكام المسائل أو مطلق الاحكام بالاعتبار المتقدم أمكن توجيه الاحتراز بها عن الصفات بأخذها مجردة عن النسبة لكن لا يلائمها الاقتصار عليها في الاحتراز لخروج العلم بالنسبة على الأول والعلم بما عداه مطلق الاحكام على الثاني ومن أردف الصفات بالافعال فقد أراد بها ما يغايرها ويجوز أن يحمل الاحكام على التصديقات أيضا فيتعين حمل العلم على الملكة كما عرفت ويتوقف صحة الاحتراز المذكور بظاهره على تفسيرها بمجرد التهيؤ والاستعداد وينبغي حينئذ أن تؤخذ الصفات منتسبة كما يرشد إليه تمثيل بعضهم ويعتبر الاحتراز بالنسبة إلى الامرين لتحقق الاحتراز عن النسبة أيضا حيث إنها تخرج بالتقييد بها أيضا و الوجه في عدم ذكرها مستقلا عدم كونها مستقلة بالعلم والادراك ثم إن فسر العلم بالملكة كان التقييد بالأحكام مطلقا احترازا عن ملكة غيرها وإن فسرت
صفحہ 4
الاحكام بمطلق الاحكام كانت مخرجة من العلم مطلقا للعلم بما عداها من الاحكام التي ليست شرعية فيكون قيد الشرعية حينئذ مستدركا ويخرج بقيد الشرعية على تقدير حمل الاحكام على غير الاحكام غيرها كالعقلية المحضة وبقيد الفرعية الأصولية وبقولنا عن أدلتها علم الله وعلم الملائكة والنبي صلى الله عليه وآله والأئمة والفرعية الضرورية إذ ليس شئ منها مستفادا من الأدلة كذا قالوا أقول وهذا الاحتراز إنما يصح إذا حمل العلم على غير الملكة من التصديق أو الادراك وفسرا بالمعنى الأعم لا بمعناه المصطلح عليه عند أهل الميزان وأما إذا حمل على الملكة كما صرحوا به فإن فسرت بمجرد التهيؤ و الاستعداد كان علمه تعالى خارجا عن أصل الحد وكذا إذا حمل على التصديق أو الادراك وفسرا بالمعنى المصطلح عليه عند أهل الميزان لأنهم يعنون بهما ما يختص بالحصول وكذلك علم الملائكة على ما يراه الفلاسفة وإن اعتبر معه أن يكون ناشئا عن الممارسة والمزاولة كان علم الأنبياء والأئمة والملائكة والعلم بالأحكام الضرورية خارجا عنه أيضا وعلى التقديرين لا يكون هذا القيد احترازا عن الجميع اللهم إلا أن يحمل العلم على الأعم من التهيؤ والعلم الفعلي وهو بعيد جدا لا يساعد عليه كلماتهم ثم الوجه في الاحتراز بهذا القيد عن الفرعية الضرورية مطلقا غير واضح لان عدم استفادتها عن الأدلة كما عللوا به إنما يوجب بظاهره فساد الحد حيث يقتضي أن يكون العلم بجميع الاحكام عن الأدلة بناء على حملها على العموم كما هو الظاهر مع أنه ليس كذلك ولا مخلص عنه إلا بأن يقال أخذ هذا القيد في الحد قرينة على أن المراد بالأحكام خصوص الاحكام النظرية فتكون الضرورية خارجة عنها بقيد الاحكام لكنهم اعتبروا الاحتراز عنها فيه دونها نظرا إلى أن الدلالة المذكورة لما كانت بالقرينة فهي إنما تتم عند ذكرها فأسندوا الاحتراز إلى القيد مراعاة لهذا الاعتبار ثم إذا فسر العلم بما يدخل فيه بعض تلك العلوم أو كلها صح الاحتراز عنها بهذا القيد سواء جعل الظرف لغوا متعلقا بالعلم كما هو الظاهر بحمله على التصديق أو الادراك دون الملكة إذ الملكة لا تكون عن الأدلة بل عن الممارسة والمزاولة ووجه الاحتراز حينئذ أن تلك العلوم غير مستفادة من الدليل أما علمه تعالى فظاهر وأما علم الملائكة والنبي صلى الله عليه وآله والأئمة فلأنهم يستفيدون الاحكام من الوحي والالهام لا من النظر والاجتهاد كما يقول به المخالفون في الأئمة ويقول به بعضهم في النبي صلى الله عليه وآله أيضا وأما ما يستفاد من بعض الاخبار من أنهم عليهم السلام يستفيدون بعض الأحكام من الكتاب والسنة فغير مناف لذلك لان استفادتهم لها منها ليس على سبيل النظر والفكر بل على سبيل الضرورة والبداهة و الذي يقتضيه الحد أن يكون العلم بها عن الأدلة من حيث كونها أدلة كما هو الظاهر من التعليق على الوصف فإن قلت قد شاع إطلاق الفقيه عليهم عليهم السلام في الاخبار فكيف يصح الاحتراز عنه في الحد قلت كلامنا هنا في الفقه بحسب معناه المصطلح عليه في عرفنا و إطلاق الفقيه عليهم عليهم السلام إنما هو بحسب عرفهم أو متعلقا بالأحكام بحملها على التصديقات لا غير فيكون العلم حينئذ بمعنى الملكة لا غير سواء فسرت بمطلق التهيؤ أو بما يكون عن الممارسة لكن الاحتراز بها إنما يصح على الوجه الأول ووجهه حينئذ أن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة والملائكة لا يوجد فيهم تهيؤ التصديق عن الدليل لا لقصورهم بل لعلو رتبتهم عليهم السلام حتى إنهم متى هموا بحكم علموه من غير توسط الاستدلال وكذلك الاحكام الضرورية فإن الفقيه متهيئ للعلم بها عن الضرورة لا عن الدليل أو جعل مستقرا صفة أو حالا للعلم أو للأحكام وما يقال من أن الظروف في حكم النكرة فلا يصلح وصفا للمعارف فليس بمرضي على إطلاقه لان الموصوف إذا لم يكن مدلوله أمرا بعينه كما في المقام جاز وصفه بالنكرة وإن كان معرفا لفظيا على ما صرح به غير واحد منهم كصاحب الكشاف حيث جعل غير المغضوب صفة للموصول معللا بأنه لا توقيت فيهم وجملة يحمل صفة للحمار وجملة لا يستطيعون صفة للمستضعفين إلى غير ذلك ووجه الاحتراز حينئذ أما على الوجهين الأولين فظاهر لان العلوم المذكورة ليست حاصلة عن الأدلة كما هو قضية ظاهر الوصفية والحالية وأما على الوجهين الأخيرين فلان تعليق الحكم على الوصف يشعر بقيد الحيثية التعليلية فيخرج به تلك العلوم فإنه وإن صدق عليها أنها علم بالأحكام الحاصلة عن الأدلة أو حال كونها حاصلة عنها لكنه ليس علما بها من حيث كونها حاصلة عن الأدلة لكن يشكل البناء على هذا في الاحتراز عن علم المقلد بالقيد الآتي كما سنشير إليه وكذا إذا جعل الظرف مرتبطا بالشرعية أو بالفرعية على بعد فيه سواء جعل متعلقا بهما أو صفة لهما أو حالا عنهما ووجه الاحتراز به على هذه الوجوه ما مر في الوجهين الأخيرين لا يقال لا نسلم خروج علمه تعالى على تقدير دخوله بالقيد المذكور لأنه لما كان علمه تعالى بالأشياء على الوجه الأتم لزم أن يعلمها بعللها إذا كانت معللة أو يقال لما كان علمه تعالى الأشياء لعلمه بذاته الذي هو سبب العلم بمعلولاته فعلمه يكون عن الدليل فلا يخرج عن الحد بالقيد المذكور لأنا نقول بعد المساعدة على الدعوى في المقامين أن ذلك لا يسمى دليلا بحسب الاصطلاح كما مر فإن قلت لا نسلم خروج الاحكام الضرورية بهذا القيد إذ المراد بكونها ضرورية أن العلم بصدورها عن الرسول صلى الله عليه وآله ضروري لا أن العلم بكونها أحكاما صحيحة حقة متلقاة من الوحي ضروري كيف وهو مبني على إثبات الرسالة وهو يتوقف على إثبات المرسل وعدله و حكمته وغير ذلك من الأمور النظرية التي ذكرت في محلها والفقه إنما هو العلم بالأحكام بهذا الاعتبار فتكون بأسرها نظرية لابتنائها على أمور نظرية قلت أما أولا فلا نسلم أن العلم بصدق الرسول نظري بل من الضروريات التي قياساتها معها كما زعمه بعضهم وسننبه عليه في مسألة الحسن والقبح إن شاء الله تعالى ولهذا نراه يحصل للبله والصبيان ونحوهم ممن ليس لهم قوة النظر و الاكتساب نعم من سبق ذهنه بشبهة يكون العلم المذكور عنده نظريا فالاشكال المذكور لو تم فإنما يتجه بالنسبة إليه دون غيره وأما ثانيا فلنا أن نختار أن المراد بالأحكام الشرعية الاحكام التي صدرت
صفحہ 5
عن النبي صلى الله عليه وآله على أنها شرعية عنده والقيد الأخير لاخراج أحكامه العادية فإن الشرع كما يطلق عليه تعالى كذلك يطلق على النبي صلى الله عليه وآله أيضا ويلغى قيد الحيثية المستفادة من الوصف مقيسة إلى الواقع لئلا يعود الاشكال أو نقول المراد بالشرعية ما يسمى عرفا شرعية أو نقول نظرية القيد لا يستلزم نظرية المقيد وكيف كان فلا ريب في أن من الاحكام بهذا الاعتبار ما هو ضروري لا حاجة إلى اعتبار كونها حقة مستفادة من الوحي لأنها من لوازمها إذا أخذت الاعتبارين الأولين نعم يشكل حينئذ بأن العلم بالأحكام بهذا الاعتبار مما يصح حصوله لمن لا يقول بالرسالة حتى العلم بالظاهرية منها إذا علم من الضرورة حكم الرسول صلى الله عليه وآله بأصولها وطرقها مع أن مثل هذا لا يسمى فقها في الاصطلاح اللهم إلا أن يقال هذا فرض لا يكاد يقع والحدود التي تورد في مثل هذا المقام إنما يحافظ عليها بحسب الوقوع دون الامكان أو يقال بأن المراد بالعلم ما يعتد به في إطلاق اسم العلم عليه عرفا كما سيأتي فيخرج العلم المذكور لعدم إطلاق الاسم عليه وأما ثالثا فلنا أن نجعل إضافة الأدلة للعهد فيصح الاحتراز بها عن العلم بتلك الاحكام لأنها على تقدير كونها نظرية لا يكون العلم بها مستفادا عن تلك الأدلة بل عن أدلة غيرها وهذا أوفق بالمقام لسلامة عكس الحد على تقديره من خروج العلم بالمسائل الاجماعية على ما يراه المتأخرون في الاجماع من أنه الانفاق الكاشف بطريق الحدس ومن خروج علم بعض رواتنا الفقهاء كزرارة لكثير من الاحكام بطريق السماع المفيد للعلم بالحكم بطريق الضرورة غالبا هذا وينبغي أن يراد بالأدلة ما يعم الأدلة الأربعة وغيرها لئلا يرد على عكسه النقض بعلم البعض لبعض الاحكام عن مثل الشهرة والقياس فإنه يعد بالنسبة إليها فقيها قطعا ولا يندفع برجوع حجيتهما إلى أحد الأدلة لان ذلك دليل الدليل والمعتبر هو الدليل وإلا لانحصرت في العقل لرجوع حجية غيره إليه ولا يرد على طرده النقض بعدم علم كثير منهم لشئ من الاحكام عن بعضها إما لعدم مسيس حاجته إليه أو لكونه ممن ينكره كمن يمنع وقوع الاجماع أو الاطلاع عليه أو ينكر حجيته كمن يمنع حجية الكتاب أو العقل وذلك لتحقق الملكة عنده بناء على تفسير العلم بها أو بما يعمها ويخرج بقيد التفصيلية علم المقلد بالأحكام فإنه مأخوذ من دليل إجمالي مركب من صغرى وجدانية وكبرى اتفاقية مطرد في جميع المسائل وهو هذا ما أفتى به المفتي وكل ما أفتى به المفتي فهو حكم الله في حقي فينتج المطلوب وهذا الاحتراز مبني على أن يكون الظرف لغوا متعلقا بالعلم أو بالأحكام أو مستقرا للعلم صفة له أو حالا عنه بناء على ما هو الظاهر المتبادر وأما إذا جعل مستقرا للأحكام أو لإحدى صفتيها فلا يتم الاحتراز وإن اعتبر قيد الحيثية إذ يصدق على علم المقلد أنه علم بالأحكام الشرعية الفرعية الحاصلة أو حال حصولها عن الأدلة عند المفتي من حيث كونها كذلك إلا أن يقال المتبادر حصوله عند العالم حال علمه بها فيخرج وفيه تعسف لا يقال اختلاف الأصغر بحسب اختلاف فتاوى المفتي في كل واقعة يوجب اختلاف الدليل وتعدده عنده فيكون للمقلد أيضا أدلة تفصيلية أو يقال علم المقلد أيضا مأخوذ عن الأدلة التفصيلية كعلم المفتي إلا أنه من دون واسطة وعلم المقلد بواسطة أو يقال هذا الدليل إنما يفيده وجوب العمل بمقتضى ما أفتى به المفتي و لا يقتضي علمه بالحكم الشرعي فلا حاجة إلى إخراجه بالقيد المذكور لأنا نقول أما الأول فمدفوع بأن مجرد هذا الاختلاف لا يقتضي أن يصدق عليها أنها أدلة تفصيلية بل لا معنى للدليل الاجمالي إلا ما يكون فيه مثل هذا الاختلاف وقد يجاوب بأن إضافة الأدلة للعهد و المراد بها الأدلة الأربعة فيخرج علم المقلد إذ ليس منها ويكون قيد التفصيلية حينئذ توضيحية أما الثاني فمدفوع بأن ظاهر الحد أن يكون العلم مستفادا من الأدلة بدون واسطة وأما الثالث فمدفوع بأن الدليل إذا اقتضى وجوب العمل بشئ في حق المكلف اقتضى علمه أيضا بأن ذلك حكم الله في حقه قطعا وقد أغرب الفاضل المعاصر حيث التزم بالاشكال الأخير ووجه الحد بأن قيد التفصيلية لاخراج العلم بالأحكام الاجمالية فإنها مستندة إلى الأدلة الاجمالية من ضرورة أو عموم آية أو سنة وهي أدلة إجمالية لا تفصيلية والعلم الاجمالي المستفاد منها لا يسمى فقها بل الفقه معرفة تلك الأحكام الاجمالية عن الأدلة التفصيلية ثم تعجب من غفلة الفحول عن ذلك وفساده ظاهر مما مر فإن العلم بالأحكام الاجمالية لا يسمى في الاصطلاح فقها قطعا مع أن العلم الاجمالي كما اعترف به مستند إلى الضرورة فكيف يستند إلى الأدلة الاجمالية أو التفصيلية وعد الضرورة من جملة الأدلة يؤذن بغفلته عما ذكروه في معنى الدليل مع أنه قد اعترف قبل ذلك به حيث التزم بخروج الضروريات عن حد الفقه معللا بأن العلم المستند إلى الضرورة لا يعد في العرف علما حاصلا عن الدليل وهنا قد التزم بدخولها في ذلك وأخرجها بقيد التفصيلية فبين كلاميه تدافع واضح هذا فإن قلت إذا كان علم المقلد مستفادا من دليل إجمالي لكان خارجا بقيد الأدلة فلا حاجة إلى قيد التفصيلية قلت لما كان الدليل المذكور كما مر ينحل إلى دلائل عديدة لم يكتفوا في إخراجه بقيد الأدلة بل اعتبروا معها قيد التفصيلية ليتضح الاحتراز ثم لهم على المقام إشكالان أحدهما أن العلم ظاهر في اليقين والاحكام ظاهرة في الاحكام الواقعية وظاهر أن الفقيه لا يحصل له في معظم المسائل إلا الظن بالحكم الواقعي فكيف أطلق لفظ العلم وهذا الاشكال ظاهر الورود على ما هو الصواب من القول بالتخطئة وأما على القول بالتصويب فإن كان القائلون به قاطعين بمذهبهم فلا ورود له عليهم وإلا اتجه
صفحہ 6
عليهم أيضا وقد أجيب عنه بوجهين أحدهما بارتكاب التأويل في لفظ العلم فحملوه تارة على الظن وأخرى على الأعم منه ومن اليقين أعني الطرف الراجح وكلاهما مردود أما أولا فبأن إطلاق العلم على كل من المعنيين مجاز ولا قرينة عليه ومجرد الشهرة كما ادعي لا يصلح لها فلا يصح أن يرتكب سيما في الحدود وأما ثانيا فبأن بعض الأدلة ربما لا يفيد الظن بالواقع أيضا كأصالة البراءة و الاستصحاب المعمول في نفي التكليف أو إثباته مع أن الاحكام المثبتة بهما من الفقه قطعا وأما ثالثا فلان الظن أو الاعتقاد الراجح كثيرا ما لا يتعلق بما هو الحكم الواقعي لتطرق الخطأ إلى غير العلم و لو أريد بالحكم الواقعي ما هو كذلك في ظن المعتقد لزم التصرف في الحكم أيضا وهو كما سيأتي مغن عن التصرف في العلم و أما رابعا فبأنه قد يحصل الظن بالأحكام لمن ظن بصدق الرسول صلى الله عليه وآله مع أنه لا يسمى فقها كما عرفت ويمكن دفع هذا بما مر على أن استدلال الفقيه قد ينتهي إلى القطع بالحكم فيلزم على الأول أن يكون خارجا من الفقه والتزامه كما وقع من البعض مما لا يلتفت إليه وقد يجاب بأن المراد العلم بوجوب العمل أو العلم بمدلول الدليل وليس بشئ لأنه إن أريد أن المراد بالحكم ما يجب العمل به أو مدلول الدليل رجع إلى المعنى الآتي إذ لا نعني بالحكم الظاهري إلا ذلك فلا وجه لذكرهما في مقابلته وإن أريد أن ذلك مدلول لفظ العلم كما صرح به الفاضل المعاصر وهو الظاهر من كلام غيره فلا بد أن يكون المراد أن لفظ العلم مستعمل في المقيد لا في المجموع لعدم العلاقة فيتجه عليه أن هذا التأويل مع ما فيه من التعسف في لفظ العلم وفي متعلق الظرف لا يغني عن التصرف في الاحكام المغني عن هذا التعسف فيكون تكلفا مستدركا ثم العلاقة على هذين التقديرين علاقة الاطلاق والتقييد كما هو الظاهر لا علاقة المشابهة كما زعمه المعاصر المذكور حيث ذكر أن العلم حينئذ استعارة للظن بمشابهة وجوب العمل به وهو كما ترى لان من فسر العلم بأحد هذين التفسيرين أراد به ما يقابل الظن لا الظن مع أن وجوب العمل بالحكم المظنون أو كونه مدلول الدليل أمر معلوم لا مظنون فلا يستقيم إرادة الظن بالعلم الثاني بالتزام التصرف في الاحكام بحملها على الأعم من الواقعية والظاهرية أعني الاحكام الفعلية ولا ريب في أن الفقيه عالم بها بهذا الاعتبار و ينبغي أن ينزل عليه ما أجاب به العلامة من أن ظنية الطريق لا تنافي علية الحكم فلا يرد عليه ما قيل من أنه يبتني على التصويب لان ذلك إنما يتجه إذا أراد بها الاحكام الواقعية لا مطلق الاحكام وتوضيح ذلك أنه قد تفرد عندنا أن لله تعالى في كل واقعة حكما معينا لولا عروض المانع وهو جهل المكلف به لكان عليه أن يعمل على حسبه و هذا هو المعبر عنه بالحكم الواقعي ثم المجتهد إنما يجب عليه أن يصرف سعيه في طلبه ويبذل مجهوده في إدراكه وبعد السعي والكد إن أصابه وإن لم يصبه فالذي أدى إليه دليله وبلغ إليه نظره هو حكم الله في حقه بمعنى أنه الذي يجب عليه أن يعمل به ويبنى على حسبه فينتظم عنده في كل حكم مقدمتان صغريهما وجدانية وهي هذا ما أدى إليه نظري وكبريهما اتفاقية وهي كل ما أدى إليه نظري فهو حكم الله في حقي فينتج أن هذا حكم الله تعالى في حقه وحيث كانت المقدمتان قطعيتين كانت النتيجة أيضا قطعية فيكون الفقيه قاطعا بالأحكام جازما بها وقد أورد على هذا الجواب بأن علم الفقيه على هذا التقدير يكون مأخوذا من دليل إجمالي لا من الأدلة التفصيلية كما يقتضيه الحد وأجيب عنه بوجهين الأول أن الظرف متعلق بمقدر صفة للأحكام ويعتبر الحيثية ليخرج علمه تعالى وعلم الملائكة والنبي صلى الله عليه وآله والأئمة وعلم المقلد و الضروريات وقد مر بما فيه الثاني أن الملحوظ في قوله هذا ما أدى إليه نظري هو تلك الأدلة التفصيلية فتكون هي مأخوذة فيه فيصدق أن علمه حاصل عنها وفيه نظر لان الأدلة التفصيلية إنما تلاحظ فيها على وجه التصور لا التصديق وقد تقرر في محله أن التصديق لا يكون حاصلا من التصور بل من التصديق ويمكن الجواب بأن المراد بكونه حاصلا عنها مجرد كونها معتبرة في حصوله وإن لم تكن كاسبة له وفيه تعسف أقول والأولى حينئذ أن يغير ذلك الدليل الاجمالي ويجعل دليلا على قطعية الأدلة عنده و ذلك بأن يقال الفقيه قاطع بالأحكام عن أدلتها المعهودة للاجماع على حجية تلك الأدلة في حقه فينتظم عنده في كل دليل مقدمتان من صغرى وجدانية ومن هذا الدليل مما أدى نظري إلى كونه حجة و كبرى اتفاقية وهي كلما يكون كذلك فهو حجة في حقي فينتج أن الدليل المذكور حجة في حقه فينتظم له في الاحكام أدلة متعددة كقوله حكم كذا مما دل عليه ظاهر الكتاب وكلما دل عليه ظاهر الكتاب فهو ثابت أو دل عليه الخبر الصحيح وكلما دل عليه الخبر الصحيح فهو ثابت وعلى هذا القياس فيندفع الاشكال لان علمه حينئذ مأخوذ من الأدلة التفصيلية وإن رجع إثبات حجيتها أو حجية بعضها إلى دليل إجمالي فيصدق عليه الحد بهذا الاعتبار لكن يتجه الاشكال حينئذ بدخول علم المقلد إذ على هذا البيان يمكن أن يجعل فتاوى المفتي له أدلة تفصيلية ويقرر الدليل الاجمالي على وجه يكون دليلا على حجيتها ووجه التفصي عنه إما بأن يقال مثل ذلك لا يسمى أدلة تفصيلية عرفا لان مرجعها إلى دليل إجمالي وإن اختلف فيه مصداق طرفي الصغرى أو باعتبار العهد في الأدلة كما مر أو بأن يعتبر تعدد الأدلة بحسب النوع ويجعل قيد التفصيلية للتوضيح أو يحمل المجموع على ذلك لظهوره فيه فيخرج علم المقلد إذ أدلته نوع واحد وهو فتوى المفتي وإن تعددت أو تعددوا لكن لا يستقيم حينئذ طرد الحد إلا على تقدير المنع من التجزي مطلقا واعلم أن ما مر غاية توجيه المقام وهو عندي بعد غير مصحح لطرد الحد لان العلم المذكور قد يحصل لمن ليس له أهلية الفتوى نظرا إلى زعمه ذلك بنفسه كما تراه في بعض أبناء زماننا فإن التباس حاله عليه وقطعه بأن له أهلية الفتوى يوجبه قطعه بالأحكام و
صفحہ 7
وتعذره فيها الامتناع التكليف بما فوق العلم إلا أن المطلعين على حاله من أهل الصنعة لا يعدون فقيها أ لا ترى أن الجاهل بعلم النحو الخابط في معظم مسائله مثلا لا يعد نحويا عند أهل صناعة النحو وإن زعم أنه عالم بها متقن لمباحثها ولا مدفع لهذا الاشكال إلا بأن يحمل العلم على مطلق العلم المعتد به في إطلاق اسم العلم عرفا فيخرج مثل ذلك لعدم صدق الاسم عليه ولا يخلو من تعسف وإنما اعتبرنا الاطلاق في العلم لئلا يلزم استدراك قيود الحد وهذا الاشكال كما ترى سار في سائر معاني العلم ويندفع بالتوجيه المذكور و يندفع به أيضا بعض الاشكالات السابقة والآتية الثاني أن المراد بالأحكام إما كلها بحمل اللام فيها على الاستغراق أو بعضها بحملها على الجنس أو العهد الذهني دون الخارجي لعدم احتماله إذ ليس هناك قدر معين معهود مع مشاركته لأخويه في الاشكال أما الأعم من الكل والبعض كما يحتمله الحمل على الجنس فمشارك للأخير في الاشكال فإن كان الأول لم ينعكس لخروج علم أكثر الفقهاء بل كلهم عنه إذ ليسوا عالمين بجميع الاحكام فإن الفروع لا تقف على حد وإن كان الثاني لم يطرد لدخول علم المقلد فيه إذا تمكن من معرفة بعض الأحكام عن الأدلة وقد أجيب عنه تارة بأنا نختار البعض ويطرد الحد أما على القول بتجزي الاجتهاد فظاهر لان العلم المذكور داخل فيه وأما على القول بعدمه فلانتفاء العلم بالبعض حينئذ حقيقة فإن فرض البعض على هذا التقدير لا ينفك عن فرض الكل وهذا إنما يستقيم إذا حمل العلم على اليقين كما هو الظاهر إذ على القول بعدم التجزي لا قطع بأن مؤدى ظنه حكم الله تعالى في حقه فلا ينتظم عنده قياس يوجب علمه بالحكم الظاهري وأما إذا حملناه على الظن أو على الاعتقاد الراجح فلا يتجه الجواب المذكور لتحقق العلم بهذا المعنى عنده قطعا وإنكار بعضهم له نظرا إلى أن المتجزي حيث لم يحط بالكل يجوز تجويزا مساويا أن يوجد دليل يقتضي خلاف ما يقتضيه الدليل الذي عثر عليه فمكابرة بينة وسيأتي تفصيل الكلام فيه في محله إن شاء الله تعالى ثم أقول لا ريب في أن المقلد قد يؤدي اجتهاده إلى القطع بالحكم ولا ينبغي أن يرتاب في حجيته وإن لم نقل بحجية ظنه فيلزم على الحمل المذكور أن يكون علمه فقها مطلقا والتزام صدقه عليه هنا وفيما سبق مطلقا وإذا كانت ثلاثة محافظة على أقل الجمع كما أشار إليه بعضهم تعسف ظاهر لا سيما إذا كان قوله بالتجزي مبنيا على التقليد وأخرى بأنا نختار الكل وينعكس الحد لان المراد بالعلم الملكة والتهيؤ والفقيه له ملكة العلم بجميع المسائل وإن لم يكن عالما بها بالفعل وأما تردد الفقهاء في بعض الأحكام فإنما هو تردد في مقام الاجتهاد لا الفتوى والحكم نعم يلزم على هذا التقدير خروج علم المتجزي على القول بالتجزي فنلتزم بأن الحد مبني على مذهب المانعين منه أو نقول بأن علمه لا يسمى في العرف فقها وإن قلنا بوجوب العمل به لا يقال إذا تعذر الإحاطة بجميع المسائل تعذر تحصيل ملكتها أيضا لان الملكة هي القوة القريبة من الفعل فإذا امتنع الفعل امتنع القوة القريبة منه لأنا نقول المراد بملكة الكل القوة التي يقتدر صاحبها على تحصيل كل حكم يرد عليه أو تحصيل الجميع و لو لم يكن على وجه الجمع بقي الكلام في صحة تفسير العلم بالملكة فنقول قد تداول بينهم في هذا الفن وغيره تفسير أسامي العلوم بالملكات والذي يظهر لنا بالتتبع في موارد استعمالاتهم أن تلك الأسامي ليست أسماء بإزاء ملكات العلوم فقط كما هو الظاهر من كلماتهم بل يعتبر مع ذلك اطلاع صاحبها على كثير من مسائلها أ لا ترى أن الجاهل بمعظم مسائل المنطق مثلا ربما يحصل له بمزاولة بعض العلوم النظرية قريحة يتمكن بها من تحصيل جميع مسائله بأدنى مراجعة إلى الكتب المدونة فيه مع أنه لا يسمى بذلك منطقيا قطعا وكذلك لا يصدق المنطقي على العالم بكثير من مسائل المنطق إذا قصر نظره عن تحصيل البواقي فإذا تحقق اعتبار الامرين في التسمية من الملكة والاطلاع على كثير من المسائل بحيث يعتد بها عرفا فلك أن تقول بأن أسماء العلوم موضوعة بإزاء الملكة الحاصلة للعالم بكثير من مسائل العلم أو لعلم صاحب الملكة بتلك المسائل أو لهما معا والوجوه الثلاثة محتملة لكن فرض حصول الملكة في المقام بدون العلم بكثير من المسائل لا يخلو من بعد لا يقال لا سبيل إلى تلك الوجوه لأنها رد إلى الجهالة إذ لا حد لكثير من مسائل العلم وأيضا إن كان المعتبر فيه العلم الفعلي لم يصدق على الغافل والنائم ونحوهما إذ ليسوا عالمين بها بالفعل نعم لهم استعداد بحيث لو تنبهوا وتأملوا علموا وإن كان المراد التهيؤ والاستعداد رجع إلى المعنى الأول لأنا نقول أما الجهالة فهي مرتفعة بالرد إلى العرف وأما المراد من الاحتمالين فهو الاحتمال الأول و لا ينافيه الغفلة لقيام التصديق بالنفس وحصوله لها ثم الكلام الذي أوردناه مبني على تفسير الملكة بالتهيؤ والاستعداد والقوة القريبة كما نص عليه بعضهم وأما إذا فسرت بالقوة الناشئة عن الممارسة في العلم الذي حصلت فيه كما هو الظاهر فلا حاجة إلى القيد المذكور إذ لا ينفك الملكة بهذا المعنى عن العلم بكثير من المسائل عادة لكن يبقى الكلام في العكس ثم على المقام إشكال آخر وهو أن قوة الشئ تنافي فعليته فإن بينهما نسبة التقابل على ما تحقق في محله فعلم الفقيه ببعض الاحكام بالفعل يوجب زوال القوة عنه بالنسبة إليها ما دام عالما بها وإن غفل عنها فلا يصدق حينئذ أن له ملكة الجميع بل البعض خاصة ويمكن دفعه بأن المراد ملكة العلم تحصيلا أو إبقاء ملكة تحصيله ولو على تقدير زواله بالنسيان وشبهه أو بحمل العلم على الأعم من الادراك بالقوة والادراك بالفعل فيستقيم عكس الحد لحصول أحد الامرين في الفقيه بالنسبة إلى الجميع لكنه مجاز غير معروف فيمكن القدح في الحد باعتباره لعدم القرينة عليه أو بحمل القوة المفسر بها الملكة على
صفحہ 8
ما يتناول قوة التذكر أيضا أو يختص بها ويندفع الاشكال لان الفقيه حال تذكره لبعض الاحكام له قوة التذكر لها ولو بحسب زمان آخر لكن يلزم حينئذ أن لا يكون فقيها باعتبار تذكره لها كما يلزم أن لا يكون فقيها على الأول باعتبار خصوص أحد الامرين ولا غرو في التزام ذلك وإذا تبين لك الحال في الجزءين الماديين فلنبحث عن الجز الصوري فنقول أولا قد ذكروا أن إضافة اسم المعنى تدل على اختصاص المضاف بالمضاف إليه باعتبار الصفة التي تدل عليها وأرادوا باسم المعنى المعنى المصطلح عليه عند النحاة أعني ما دل على معنى قام بغيره فإن هذا هو المفهوم من إطلاقه في مثل المقام فيتناول المصدر أيضا وزعم المحقق الشريف أن المراد به ما دل على شئ باعتبار معنى وحاصله المشتق وما في معناه ورد على من فسره بالمعنى الأول بأنه متناول للمصدر ولا يدل إضافته على الاختصاص باعتبار المعنى الذي عنى بالمضاف بل باعتبار معنى آخر فإن إضافة الدق مثلا إلى الثوب لا يفيد الاختصاص باعتبار الدق بل باعتبار التعلق وهو خارج عن مدلوله بخلاف إضافة الكاتب إلى القاضي فإنها تفيد الاختصاص باعتبار الكاتبية وهو مما دل عليه المضاف وفيه نظر لأنه إن اعتبر الاختصاص من حيث الوجود كما هو الظاهر من إطلاق الاختصاص صح دخول المصادر في الحكم المذكور ولا حاجة إلى اعتبار التعلق وإلا لم يستقم اعتبار الاختصاص في المشتقات أيضا إذ لا معنى لاختصاص الكاتبية بزيد ما لم تؤخذ باعتبار الوجود وإنما اعتبروا قيد الاعتبار تنبيها على أن الاختصاص المستفاد من هذه الإضافة ليس إلا بحسب الصفة المأخوذة في المضاف فإن قولك هذا مكتوب زيد يدل على اختصاصه به من حيث المكتوبية دون الملموسية والمنظورية ونحوهما وخصوا هذا الحكم باسم المعنى لما ذكروا من أن إضافة اسم العين تدل على اختصاص المضاف بالمضاف إليه مطلقا أي لا باعتبار صفة داخلة في المضاف وإن كان الاختصاص يستلزم أن يكون باعتبار بعض صفاته كما في قولك دار زيد فإنه يفيد اختصاص الدار بزيد باعتبار الملكية أو السكنى لكن هاتان الصفتان خارجتان عن مفهوم الدار ثم هل تستند هذه الدلالة إلى الوضع أو إلى ظهور الإضافة عند الاطلاق وجهان أظهرهما الثاني والذي يظهر من كلماتهم هو الأول إذا عرفت هذا فاعلم أن الأصول هنا إما من الأصل بمعنى المبني عليه الشئ كما مر في معناه اللغوي أو بمعنى الدليل كما مر في معناه الاصطلاحي وعلى التقديرين فهي من أسماء المعاني فيفيد إضافتها إلى الفقه اختصاصها به من حيث كونها دليلا أو مبنيا عليها وحينئذ فمعنى أصول الفقه الأدلة المخصوصة بالفقه أو الأمور التي يبتني عليها الفقه فقط وبهذا الاعتبار يخرج مثل النحو و الصرف والمنطق مما يبتني عليه الفقه ويعد من أدلته لعدم اختصاصها به في ذلك كذا قالوا وفيه نظر لان كثيرا من مسائل هذا العلم مما يستدل بها في علمي أصول الدين والأخلاق بل قد يستدل فيه به فكيف يتم دعوى الاختصاص اللهم إلا أن يقال لما كان لعلم الفقه مزيد حاجة إلى هذا العلم بل هو الغرض الداعي إلى تدوينه نزل ذلك منزلة الاختصاص تسامحا وعبر عنه بالإضافة الظاهرة في الاختصاص توسعا وربما يخرج ما عدا هذا العلم عن الحد معللا بأن المراد ما يستند إليه الفقه استنادا قريبا لأنه المتبادر فيختص بمسائل الفن وفيه تحكم ظاهر ولك أن تفسر الأصول بمعنى القواعد وإن لم أقف على من يذكره فإن مسائل هذا الفن قواعد للفقه ثم الكلام في الإضافة والاختصاص ما مر وعندي أن حملها عليها أوفق بالمقام لسلامته عن أكثر الاشكالات الآتية وكأنهم تركوه نظرا إلى ظهور الإضافة حينئذ في البيانية فيدل على خلاف المقصود ثم على المقام إشكالات ينبغي التنبيه عليها الأول أن الأصول إن فسرت بالأدلة لم تتناول جميع مسائل الفن كمباحث الاجتهاد وإن فسرت بالمبني عليها دخل فيها علم الرجال لابتناء الفقه عليه أيضا الثاني أن أصول الفقه بالمعنى الإضافي يتناول موضوع هذا الفن أعني الأدلة الأربعة بكل من التفسيرين لابتناء الفقه عليها وكونها أدلة له وقد تقرر في محله أن موضوع كل علم خارج عنه لا يقال قيد الاجمال ملحوظ في الأصول فيخرج عنها تلك الأدلة لكونها تفصيلية لأنا نقول هذا حمل لا شاهد عليه من اللفظ فلا يلتفت إليه و ما استند إليه بعضهم من أن التفصيل مأخوذ في حد المضاف إليه و ليس مستند التفصيل إلا الأدلة الاجمالية فمدفوع بأن تفاصيل الفقه كما تستند إلى الأدلة الاجمالية كذلك تستند إلى الأدلة التفصيلية بلا فرق ومجرد أخذ الثاني في حده مما لا يصلح قرينة على إرادة الأول مما أضيف إليه مع أن من الأدلة الأربعة ما هي أدلة إجمالية فيلزم دخولها فيه على التأويل المذكور الثالث أن معناه الإضافي لا ينطبق على معناه العلمي لان الأول على ما مر نفس المسائل والثاني على ما سيأتي هو العلم بها والعلم بالشئ يغاير الشئ ولو بحسب الاعتبار و قد أجيب عنه بتقدير مضاف في الأول أي علم أصول الفقه وفيه تعسف إذ المقصود مطابقة معنى هذا الاسم باعتبار الإضافة لمعناه باعتبار العلمية واعتبار التقدير مخل بذلك فالوجه أن يجاب بأن هذا الاسم كأسامي سائر العلوم موضوع تارة بإزاء نفس المسائل و أخرى بإزاء العلم بها على ما يرشد إليه تتبع موارد استعماله فمعناه الإضافي منطبق على معناه العلمي بالاعتبار الأول ولا حاجة إلى التقدير المذكور هذا ملخص القول في معناه الإضافي وأما معناه العلمي وهو المراد به هنا فالظاهر أنه لاحق للمضاف مقيدا بما أضيف إليه كما نقول به في بعض الألفاظ المضافة كمأ العنب وماء الرمان مع احتمال أن يكون لاحقا للمجموع المركب كما هو الظاهر منهم وإليه ينظر وصفنا له بالافرادي في مبدأ التعريف وكيف كان فقد ذكروا له تعريفات عديدة أظهرها أنه العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية فالعلم جنس أو بمنزلته على ما مر والمراد به إما الملكة أو الادراك أو التصديق اليقيني بحمل القواعد على
صفحہ 9
الظاهرية أو الأعم منه ومن الظني أعني مطلق الاعتقاد بحملها على الواقعية والكل محتمل ويعرف وجهها بالمقايسة إلى ما مر والمراد بالقواعد القضايا الكلية فيخرج بالتقييد بها العلم بغيرها من القضايا الشخصية وغير القضايا من التصورات مطلقا وفسرها بعضهم بالأمور الكلية فتشمل القضايا وغيرها وهو بعيد لعدم مساعدة الاستعمال عليه وإذا فسر العلم بغير الملكة ينبغي أن يحمل اللام فيها على الاستغراق العرفي لئلا يرد النقض بما لو جهل الأصولي بعض المسائل النادرة منها ويخرج بهذا القيد العلم بالجزئيات وبقولنا الممهدة إلى الفرعية العلم بالقواعد الممهدة لغير الاستنباط كالكلام أو لاستنباط غير الاحكام كمباحث التصورات من علم المنطق فإنها ممهدة لاستنباط التصورات النظرية من التصورات الضرورية ولو فسر القواعد بالأمور الكلية خرج معها الحدود أيضا أو للأحكام الغير الشرعية كبعض العلوم الرياضية الممهدة لاستنباط الاحكام النجومية أو الشرعية الغير الفرعية كبعض قواعد الكلام المقررة لاستنباط بعض مباحث الأصول كقبح إظهار المعجزة على يد الكاذب وقبح الكذب فإنهما ممهدان للعلم بصدق الرسول وامتناع الخلف في مواعيده تعالى وقولنا عن أدلتها التفصيلية متعلق بالاستنباط و زعم بعضهم أنه لا حاجة إليه بعد انحصار طرق الاستنباط فيها وفيه أن الأحكام الشرعية قد تستنبط من الأدلة الاجمالية كما في حق المقلد فلو ترك القيد لدخل فيه مبحث التقليد وقد صرحوا بخروجه منه و أنه إنما يذكر استطرادا ويؤيده خروجه عن معناه الإضافي اللهم إلا أن يمنع صدق الاستنباط عليه ثم على طرد الحد إشكالات الأول أنه يتناول النحو والصرف وغيرها مما يستنبط منه الاحكام وجوابه أن اللام للاختصاص فيخرج تلك العلوم لأنها ليست ممهدة لخصوص ذلك نعم يتجه الاشكال على حد من قال إنه العلم بالقواعد التي يستنبط منها الأحكام الشرعية الفرعية والاعتذار عنه بأن الوصف يفيد الاختصاص مما لا يصغى إليه ثم الكلام في الاختصاص ما مر الثاني أن جميع القواعد الفقهية داخلة في الحد إذ يستنبط منها أحكام فروع كثيرة لا يقال مفاد الحد أن مجموع تلك الأحكام مستنبطة عن مجموع تلك القواعد فلا تدخل القواعد الفقهية في تلك القواعد الممهدة وإلا لكان المستنبط بعض تلك الأحكام لأنا نقول غاية ما في الباب أن يكون تلك القواعد داخلة في الجمعين ولا بأس به مع اختلاف الاعتبارين وهذا الاشكال ظاهر الورود على التعريف الثاني ويحتاج في توجيهه على التعريف الأول إلى نوع تعسف والجواب أن تلك القواعد ليست ممهدة في الفقه للاستنباط بل الغرض من بيانها فيه معرفتها لا نفسها واستنباط الفروع منها مما لا ينافيه الثالث أن الحد صادق على علمه تعالى وعلم الملائكة والأنبياء والأئمة عليهم السلام بتلك القواعد مع أن شيئا منها لا يسمى في العرف أصولا بدليل عدم صدق وصف الأصولي هناك ويمكن دفعه بالتزام حمل العلم على الملكة الناشئة عن الممارسة مع أنه على تقدير حمله على الادراك فالظاهر منه العلم الحصولي فلا يتوجه النقض بالأول ولو أريد بالاستنباط استنباط العالم بها اندفع النقض بجميع موارده القول في موضوعه موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية والمراد بالعرض الذاتي ما يعرض الشئ لذاته لا بواسطة في العروض سواء احتاج إلى واسطة في الثبوت ولو إلى مباين أعم أو لا أما الأول فكالأحوال الاعرابية الطارية على الكلمة والكلام بواسطة الوضع وهو أمر مباين للفظ وإن كان له نوع تعلق به أعم وبحسب الوجود لتحققه في النقوش وغيرها أيضا و كالأحكام الشرعية الطارية على أفعال المكلفين باعتبار وعلى الأدلة باعتبار بواسطة جعل الشارع وخطابه وهو أمر مباين للأفعال والأدلة و إن كان له نوع تعلق بهما وأعم من كل منهما لتحققه في الأخرى وأما الثاني فكالحاجة اللاحقة للممكن المبحوث عنه في فن المعقول فإنها يتصف بها من حيث الذات على ما هو التحقيق و كالأحوال الطارية على الاشكال كمعادلة زوايا الثلاث لقائمتين المبحوث عنها في علم الهندسة فإن لحوق تلك الأحوال لموضوعاتها مستندة إلى ذواتها وكذلك الأحوال اللاحقة للعدد المبحوث عنها في علم الحساب وأما ما يعرض للشئ بواسطة في العروض مطلقا ويعبر عنه بالعرض الغريب كالسرعة والشدة اللاحقتين للجسم بواسطة الحركة والبياض فلا يبحث عنه في علم يكون موضوعه ذلك الشئ بل في علم يكون موضوعه ذلك العرض لان تلك الصفات في الحقيقة إنما لاحقة له وإن لحقت غيره بواسطته نعم قد يكون موضوع العلم عبارة عن عدة أمور نزلت منزلة أمر واحد لما بينها من الارتباط و المناسبة من حيث الغاية كموضوع هذا العلم في وجه فيبحث عن كل بحسب ما يعرض له بدون واسطة في العروض وإن عرض للاخر بالواسطة أو لم يعرض له أصلا إذ ليس البحث عنه فيه بهذا الاعتبار هذا ما يساعد عليه النظر الصحيح و المشهور أن المراد بالعرض الذاتي الذي يبحث عنه في العلم هو ما يعرض للشئ لذاته أو لأمر يساويه وأن ما يعرض للشئ بواسطة أمر مباين كالحرارة العارضة للماء بواسطة النار أو أعم كالحركة بالإرادة العارضة للانسان باعتبار جزئه الأعم وهو الحيوان أو أخص كالتعجب اللاحق للحيوان بواسطة كونه ناطقا فهو من الاعراض الغريبة التي لا يبحث عنها في العلم أقول إن أرادوا بقولهم العرض الذاتي ما يعرض للشئ لذاته أو لأمر يساويه أن يكون العارض عارضا لنفس الذات أو لأمر يساويها أي بلا واسطة غير الذات وغير المساوي فهذا مع عدم مساعدة كلامهم عليه كما يظهر من عدهم لما لا يبحث عنه في العلم وأمثلتهم لها مردود بما عرفت من أن مباحث العلم لا تكون إلا من القسم الأول أعني العوارض اللاحقة
صفحہ 10
لذات الموضوع دون ما يعرض له بواسطة أمر ولو مساو فإنه ليس في الحقيقة من عوارض الموضوع بل من عوارض ما يساويه فاللازم أن يبحث عنه في علم يكون موضوعه ذلك المساوي وإن أرادوا أن يكون العروض معلولا للذات أو للامر المساوي كالزوجية اللاحقة للأربعة المستندة إلى ذاتها وكقوة الضحك المستندة إلى قوة التعجب المساوية للانسان فهو فاسد أما أولا فلانه بظاهره يوجب أن يكون كل مبحث من مباحث العلم متناولا لجميع جزئيات موضوعه لامتناع تخلف المعلول عن العلة وهذا مما لا يكاد ينطبق على شئ من العلوم وأما ثانيا فلان العوارض المحمولة في كثير من العلوم إنما تلحق لموضوعاتها بواسطة أمور مباينة كما في علم اللغة والنحو و الصرف وتوابعها وعلم الفقه والأصول والطب أ لا ترى أن اختصاص كل لفظ بالدلالة على معنى واختصاص كل معرب بنوع من الاعراب واختصاص كل صيغة بمادة إنما يلحق الألفاظ بواسطة وضع الواضع وتخصيصه وهو أمر مباين لها وكذلك إنما تعرض الاحكام لفعل المكلف ويعرض الحجية للكتاب والسنة مثلا بواسطة حكم الشارع ووضعه وهو أمر مباين لهما وأما ما سبق إلى بعض الأوهام من أن لواحق الشئ لا تستند إلى ما يباينه وتعسف في عروض الحرارة على الماء بواسطة النار بأنها غير مستندة إلى نفس النار بل إلى مماستها وهي من عوارض الماء فليس مما يصغى إليه و منشأ عدم الفرق بين المقتضي والشرط هذا فإن قلت ليس موضوع النحو مطلق الكلمة والكلام بل هما من حيث الاعراب والبناء و كذلك ليس موضوع الفقه مطلق أفعال المكلفين بل هي من حيث الاقتضاء والتخيير مثلا فالاحكام لاحقة لها بهذا الاعتبار بالذات وعلى قياسه الكلام في موضوع سائر العلوم قلت إن أردت أن الموضوع نفس الحيثية فخطأ أو المركب فكذلك أو بشرط الحيثية يلزم منه أن يكون اللحوق مستندا إلى المشروط مع انتفاء الفائدة في تقييده بها وأما ما اشتهر من أن تمايز العلوم بتمايز الموضوعات وتمايز الموضوعات بتمايز الحيثيات فمما لم نقف له على وجه لان موضوع أحد العلمين أن تميز بنفسه عن موضوع الاخر فالتمايز بين العلمين حاصل بنفس الموضوع ولا حاجة إلى اعتبار الحيثية و إن اشترك فاعتبارها لا يوجب التمايز أ لا ترى أن اللفظ العربي الذي هو موضوع لعلوم العربية إذا أخذ من حيث الاعراب والبناء مثلا كما هو المعروف في الكتب النحوية لم يوجب اختصاصه بعلم النحو لأنه حال تقيده بهذا الاعتبار يعرض له أيضا أحوال الأبنية ويلحقه أحكام الفصاحة والبلاغة وغيرها لظهور أن لا منافاة بينها فيصح أن يقع مقيدا بهذه الحيثية موضوعا لتلك العلوم وكذا إذا اعتبر مقيدا بسائر الحيثيات وإن اعتبرت الحيثية تعليلية لم يستقم المعنى كما لا يخفى فالتحقيق في المقام أن يقال تمايز العلوم إما بتمايز الموضوعات كتمايز علم النحو عن علم المنطق وتمايزهما عن علم الفقه أو بتمايز حيثيات البحث كتمايز علم النحو عن علم الصرف و تمايزهما عن علم المعاني فإن هذه العلوم وإن اشتركت في كونها باحثة عن أحوال اللفظ العربي إلا أن البحث في الأول من حيث الاعراب والبناء وفي الثاني من حيث الأبنية وفي الثالث من حيث الفصاحة والبلاغة فهم وإن أصابوا في اعتبار الحيثية للتمايز بين العلوم لكنهم أخطئوا في أخذها قيدا للموضوع والصواب أخذها قيدا للبحث وهي عند التحقيق عنوان إجمالي للمسائل التي تقرر في العلم ولك أن تتعسف في كلماتهم بحيث ترجع إلى ما ذكرناه إذا تقرر هذا فنقول لما كان البحث في هذا العلم عن الأدلة الأربعة أعني الكتاب والسنة والاجماع ودليل العقل وعن الاجتهاد وعن التعادل والتراجيح من حيث استنباط الأحكام الشرعية منها نظر بعضهم إلى ظاهر ذلك فجعل موضوعه هذه الأمور الثلاثة وبعضهم أدرج الثالث في الأول نظرا إلى أن البحث عن التعادل والتراجيح راجع في الحقيقة إلى البحث عن دلالة الأدلة وتعيين ما هو الحجة منها عند التعارض وذهب بعض المحققين إلى أن موضوعه الأدلة الأربعة وأن سائر المباحث راجعة إلى بيان أحوالها وذلك لان البحث عن الأدلة أما من حيث دلالتها في نفسها وهو الامر الأول أو من حيث دلالتها باعتبار التعارض وهو الامر الثالث أو من حيث الاستنباط وهو الامر الثاني وهذا أولى بالضبط إلا أن إرجاع مباحث الاجتهاد إلى بيان أحوال الأدلة لا يخلو من تعسف وأما التقليد فمباحثه خارجة عن مباحث الفن وإن التزموا بذكرها استطرادا كما مر ولو جعلنا ذكرها فيه بالأصالة أمكن إدراجه في الاجتهاد على التغليب فإن قلت أكثر مباحث الفن باحثة عن أحوال غير الأدلة كمباحث الأمر والنهي والعام والخاص و المطلق والمقيد وكالمباحث التي يبحث فيها عن حجية الكتاب و خبر الواحد وكالمباحث التي يبحث فيها عن عدم حجية القياس و الاستحسان أما القسم الأول فلان مباحثها عامة كعموم مباحث النحو و الصرف واللغة ولا اختصاص لها بالأدلة وأما القسم الثاني فلان البحث فيها ليس عن الأدلة إذ كونها أدلة إنما تعرف بتلك المباحث و أما القسم الثالث فلان البحث فيها ليس عن الدليل بل عما ليس بدليل قلت أما المباحث الأول فإنما يبحث عنها باعتبار وقوعها في الكتاب والسنة فعند التحقيق ليس موضوع مباحثهم مطلق تلك الأمور بل المقيد منها بالوقوع في الكتاب والسنة ولا يقدح في ذلك بيانهم لوضعه اللغوي والعرفي إذ المقصود بيان مداليل تلك الألفاظ بأي وجه كان لا يقال يجوز أن يكون بحثهم في الفن عن هذه الأمور عن مطلقها ولا يلزم الاشكال لان مطلقها جز من الكتاب و السنة كما أن المقيد منها جز منهما أو لان المطلق جز من المقيد و المقيد جز من الموضوع فيكون المطلق أيضا جز منه لان جز الجز وقد علم أن موضوع مسائل الفن قد يكون بعض أجزاء الموضوع لأنا
صفحہ 11
نقول إنما يبحث في العلم عن أجزاء الموضوع وجزئياته من حيث كونهما أجزاء أو جزئيات له ليصح رجوع تلك المباحث إلى البحث عن الموضوع ومن هنا يتبين أن بحث علماء المعاني مثلا عن وضع الأمر والنهي يمايز بحث علماء الأصول عنه من حيث تمايز الموضوعين لان علماء المعاني يبحثون عن الأمر والنهي المطلقين والأصولي إنما يبحث عنهما من حيث كونهما مقيدين وإن أهملوا التصريح بالحيثية تعويلا على الظهور وعلى هذا القياس بحثهم عن أدوات العموم والمفاهيم وما أشبه ذلك فإن المطلق المأخوذ بوصف إطلاقه يغاير المقيد المأخوذ بوصف تقييده وإن كان هناك تمايز باعتبار تمايز حيثية البحث أيضا وبعد اعتبار الحيثية المذكورة فيها يرجع الموضوع في تلك المباحث إلى ما ذكرناه ثم كون الأمور المذكورة جز من الكتاب والسنة إنما يصح إذا جعل الكتاب عبارة عن مجموع الألفاظ المدلول عليها بما بين الدفتين والسنة عبارة عن مجموع الاخبار المنقولة وأما إذا جعل الكتاب عبارة عن القول المنزل للاعجاز والسنة عبارة عن قول المعصوم أو ما قام مقامه كانت تلك الأمور جزئيات له قطعا وأما ما ذكر من أن المطلق جز من المقيد فليس بسديد بل التحقيق أنه نفسه وإن غايره في وصف اعتبار التقييد معه وعدمه نعم لو اعتبر التقيد جز من المقيد كان جز منه كما ذكر هذا وأما بحثهم عن حجية الكتاب وخبر الواحد فهو بحث عن الأدلة لان المراد بها ذات الأدلة لا هي مع وصف كونها أدلة فكونها أدلة من أحوالها اللاحقة لها فينبغي أن يبحث عنها أيضا وأما بحثهم عن عدم حجية القياس والاستحسان ونحوهما فيمكن أن يلتزم بأنه استطرادي تتميما للمباحث أو يقال المقصود من نفي كونها أدلة بيان انحصار الأدلة في البواقي فيرجع إلى البحث عن أحوالها أو أن المراد بالأدلة ما يكون دليلا ولو عند البعض أو ما يحتمل عند علماء الاسلام ولو بعضهم أن يكون دليلا فيدخل فيها وفيه تعسف فإن قيل المسائل التي تذكر في الأدلة العقلية هي بنفسها أدلة عقلية فيلزم أن يكون الموضوع من المسائل قلنا الدليل العقلي عبارة عن المفردات العقلية كالاستصحاب وأصل البراءة والمسائل عبارة عن إثبات حجيتها ووجوب العمل بها فلا محذور القول في المبادي اللغوية تقسيم اللفظ الموضوع إما أن يتحد في الاعتبار أو لا وعلى التقديرين إما أن يتحد المعنى الموضوع له أو لا فإن اتحد اللفظ وتعدد المعنى فإن تعدد الوضع فمشترك وإن كانت الأوضاع ابتدائية بأن لم يلاحظ في بعضها مناسبة للاخر ولا عدمها وإلا فإن لوحظ في الثاني مناسبة للأول فمنقول تعييني أو تعيني والثاني مسبوق بالتجوز إن لم يكن النقل من المطلق إلى المقيد أو من العام إلى الخاص وإلا فمرتجل وقد يترك القيد الأخير في حد المشترك فيتناول المرتجل وقد يقتصر فيه على مجرد تعدد الوضع فيتناول المنقول أيضا وهذا أقرب إلى الاعتبار إلا أن المعروف هو الأول وإن لم يتعدد الوضع فالوضع عام و الموضوع له خاص وإن تعدد اللفظ واتحد المعنى وكانت الدلالة من جهة واحدة فالألفاظ مترادفة وإن تعددا فمتباينة وقد يجتمع بعض هذه الأقسام مع البعض ويفرق بالحيثية ثم اللفظ إن لم يقبل نفس تصور معناه الشركة فجزئي وإلا فكلي متواط إن تساوت فيه الافراد وإلا فمشكك والتواطي والتشكيك يعتبران تارة بالقياس إلى صدق المعنى وتحققه وأخرى بالقياس إلى الدلالة وصدق اللفظ ومرجع التشكيك في الأول إلى الاختلاف في الشدة والضعف و يقابله التواطي بالاعتبار الأول ويستند في الثاني تارة إلى الاختلاف السابق لكنه لا يطرد في موارده فإنه لا ينصرف إطلاق السواد والبياض عرفا إلى أشد أفرادها وأخرى إلى غيره كالاختلاف في الأشهرية والأكملية والأوفقية بالإرادة ولو بحسب مقام التخاطب و يقابله التواطي بالاعتبار الثاني فاتضح أن النسبة بين الاعتبارين عموم من وجه والأوفق بمباحث الألفاظ هو الثاني ثم اللفظ إن استعمل فيما وضع له واعتبر من حيث إنه كذلك فحقيقة وإن استعمل في غيره لعلاقة فمجاز والحقيقة تنسب إلى ما ينسب إليه واضعها من حيث إنه واضعها إن لغة فلغوية أو عرفا فعرفية أو خاصة شرعية أو غيرها وإنما اعتبرنا الحيثية واحترازا عما لو وضع المتكلم الفقيه مثلا لفظا في الكلام أو الفقه فإنه بعد الاستعمال لا يعد حقيقة فقهية على الأول ولا كلامية على الثاني لانتفاء الحيثية وإن حصلت النسبة وما يقال من أن الحقيقة تنسب إلى واضعها فضعفه يعرف مما ذكرناه وكذلك المجاز ينسب إلى ما تنسب إليه حقيقته واعلم أن التقسيم إلى الكلي والجزئي إنما يلحق اللفظ باعتبار نفس معناه المطابقي في الذهن بقبول الصدق على كثيرين و عدمه وظاهر أن الوصف به كذلك يقتضي كون المعنى بحيث يمكن ملاحظة العقل إياه بنفسه وهذا إنما يجري في الأسماء التي تستقل بالدلالة على معانيها المطابقية دون الحروف لان مداليلها معان آلية يمتنع ملاحظة العقل إياها بنفسها وإن أمكن ملاحظتها بوجهها فصحة وصفها بالخصوصية والجزئية بهذا الاعتبار كما سيأتي في تقسيم الوضع وغيره لا ينافي ذلك ودون الافعال لاشتمالها على النسبة الاستنادية التي هي معنى حرفي ولهذا يمتنع الحمل عليها و دون الأسماء التي تتضمن معنى الحرف كأسماء الإشارة والضمائر و الموصولات فإن أسماء الإشارة موضوعة للذات المشار إليها وهو معنى ملحوظ في نفسه سواء اعتبر أمرا عاما أو خاصا مع الإشارة الحسية المأخوذة آلة لتعرف حال المشار إليه وكذلك الضمائر موضوعة للغائب أو المخاطب أو المتكلم مع صفة الغيبة أو الخطاب أو التكلم المأخوذة باعتبار كونها آلة لتعرف أحوال موصوفها وكذلك الموصولات تتضمن الإشارة إلى مداليلها المتعينة بصلاتها وهو معنى حرفي
صفحہ 12
مر ويحتمل بعيدا أن يكون تقييد المذكور معتبرا في وضع هذه الأسماء على أن يكون خارجا من معانيها المطابقية مشخصا لها فتدخل في التقسيم المذكور فيكون دلالتها على تلك الأحوال بالالتزام وحينئذ فتكون من متحد المعنى لخروج القيد والتقييد عنه و إن اعتبرا فيه وما اشتهر بين النحاة من تعليل البناء فيها بتضمنها معاني الحروف فإنما يرشد إلى الوجه الأول وهو الظاهر من موارد الاستعمال هذا إنما يتم إذا قلنا بأن معاني الحروف معاني آلية كما هو التحقيق وأما إذا قلنا بأنها معان مستقلة كما يظهر من بعضهم فلا وجه لعدم طرد التقسيم إليها وإلى ما يتضمن معناها كما هو المعروف بينهم هذا وقد يقال في الأسماء المذكورة ما حاصله إنا إن قلنا بأنها موضوعة بالوضع العام لمعان خاصة أشبهت الحروف من حيث مناسبتها إياها في الوضع فلا بد أن لا تتصف بالكلية والجزئية و إنما يتصف بهما حينئذ كل واحد من مواردها الخاصة وإن قلنا بأن الموضوع له فيها أيضا عام فهو داخل في الكلي وفيه نظر فإن مشابهتها للحروف في كونها موضوعة للخصوصيات لا توجب خروجها عن التقسيم إذ ليس المانع من دخول الحروف فيه كونها موضوعة لمعان خاصة كيف والجزئيات بأسرها موضوعة لمعان خاصة مع أنها داخلة في التقسيم بل كونها موضوعة لمعان آلية غير مستقلة كما عرفت ثم قوله وإنما المتصف هو كل واحد من الموارد ينافي منعه السابق إذ ليس على ظاهر كلامه لتلك الألفاظ عند أصحاب هذا القول معنى سوى تلك الموارد الخاصة فاتصافها بالجزئية يوجب اتصاف ألفاظها بها فإن هذا التقسيم عندهم لاحق للفظ باعتبار ما يعرض لمعناه وأما الانقسام إلى الحقيقة والمجاز و المشترك والمترادف والمنقول وغير ذلك فمشترك بين الكل إذ لا يستدعي شئ منها كون المعنى ملحوظا في نفسه نعم حيث يبتني صحة المجاز على العلاقة وهي إنما يمكن مراعاتها في المعاني الحرفية إذا اعتبرت على الاستقلال لا جرم يكون التجوز فيها تبعيا لتبعيتها لمعانيها الاسمية كما في تنزيل ترتب الحزن والعداوة المترتبين على الالتقاط منزلة العلة الغائية الباعثة على الالتقاط أعني المحبة والتبني في قوله تعالى فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا وكذلك الافعال إذا تجوز فيها باعتبار معانيها الحديثة فإنها تتبع مراعاة العلاقة بالنسبة إلى معانيها المصدرية فيكون التجوز فيها أيضا تبعيا كما في قولك قتل زيد عمرا إذا أريد به الضرب الشديد وأما باعتبار معانيها الهيئة وهي بمنزلة الحروف وقس على ذلك بقية المشتقات وقد توهم بعض أهل البيان أن التجوز في الافعال والحروف تبع للتجوز في متعلقاتها كالفاعل في قولك نطقت الحال بكذا وذلك لأنه لما شبه الحال بالانسان أثبت لها بعض لوازمه و هو النطق وكالمجرور في الآية السابقة فإنه لما شبه العداوة و الحزن بالمحبة والتبني أثبت لهما بعض لوازمهما من العلية للالتقاط و منشأ هذا الوهم عدم الفرق بين التصرف في معاني الافعال و الحروف وبين التصرف في متعلقاتها مع أن التصرف فيها لا يوجب التجوز كما سننبه عليه في الاستعارة بالكناية وبالجملة فنحن لا نتحاشى عن جواز ما ذكره لكن نمنع قصر وجوه التصرف عليه هذا و أما ما يقال من أن الاعلام الشخصية لا تتصف بحقيقة ولا مجاز فهو بظاهره فاسد وقد يؤول بأن المراد لا تتصف بالحقيقة والمجاز اللغويين أي المختصين بلغة دون أخرى لئلا يلزم الاشكال في تقسيمها إلى لغوي وعرفي وإنما لم يختص الاعلام بلغة لعدم تغيرها باختلافها واعلم أن الحروف حيث كانت موضوعة بإزاء المفاهيم الملحوظ بها حال ما تعلقت به لا جرم كان معانيها الحقيقية معان خاصة مقيدة بمتعلقاتها الخاصة وتلك المعاني وإن كانت في حد أنفسها كلية إلا أن اعتبار تقيدها باللحاظ على الوجه الذي سبق يصيرها شخصية ممتنعة الصدق على الافراد المتكثرة فإن المهية متى اعتبرت بشرط التقييد بالوجود الذهني وهو المراد باللحاظ أو بالوجود الخارجي خرجت عن كونها كلية لا محالة فإنها من صفات المهية الموجودة في الذهن عند تجريد النظر عن وجودها فيه ولا يلزم مما قررنا أن يكون الحروف باعتبار كل واحد من معانيها من متكثري المعنى ذاتا نظرا إلى تعدد ما يعتريها من اللحاظ لان المسمى نفس المفهوم وهو لا يختلف في موارده وإن تعدد القيد المعتبر في لحوق الوضع له فإنه شرط خارج عن المسمى وليس بشطر داخل فيه فهي عند التحقيق موضوعة بإزاء المفاهيم المقيدة بأحد أفراد الوجود الذهني الآلي من غير أن يكون القيد أو التقييد داخلا فيكون و مداليلها جزئيات حقيقية متحدة في مواردها ذاتا ومتعددة تقييدا و قيدا نعم لو قلنا بأن التقييد داخل فيما يعتبر مقيدا كما يلوح من بعضهم لزم أن يكون الحروف باعتبار كل واحد من معانيها من متكثر المعنى ذاتا ومتعدد الحقيقة لكنه بمعزل عن التحقيق لا يقال علي هذا البيان لا يستقيم التقسيم بالنسبة إلى الاسم أيضا إذ لا يصح وصف الأسماء الموضوعة بإزاء معان كلية بالكلية لأنها إنما تكون أسماء باعتبار كون معانيها ملحوظ على الاستقلال والمفاهيم الكلية إذا أخذت باعتبار كونها ملحوظة موجودة في الذهن كانت جزئيات فإن الكلية إنما تعرض المفاهيم إذا جرد النظر عن وجوداتها الذهنية وهي بهذا الاعتبار تخرج عن كونها معان اسمية وإن اعتبر عروض الكلية لها ولو عند تجريد النظر عن وجوداتها الذهنية لزم جريان التقسيم في الحروف أيضا لأنها إذا جردت عن وجوداتها الذهنية التبعية صح وصفها بالكلية كالأسماء لأنا نقول الأسماء المستقلة في مداليلها موضوعة بإزاء معانيها من غير اعتبار لوجودها في الذهن فضلا عن اعتبار وجودها فيه على الاستقلال فالمراد بقولنا معاني الأسماء مستقلة بالمفهومية أنها مما يصح ملاحظتها من حيث كونها معاني لها على وجه الاستقلال لا أن تلك الملاحظة معتبرة فيها شطرا أو شرطا
صفحہ 13
ولهذا يصح ملاحظتها على وجه التبعية والالية أيضا أ لا ترى أن الوجود والعدم قد يلاحظان من حيث كونهما مفهومين وموجودين في الذهن فيحكم عليهما بالمفهومية والموجودية في الذهن وقد يلاحظان من حيث كونهما عنوانين لامرين خارجين عن نفس مفهومهما فيحكم عليهما بامتناع الوجود في الذهن أو الخارج مع أنهما من نوع الاسم على التقديرين وعلى هذا فيستقيم تقسيم ما استقل منها بالمفهومية إلى القسمين دون ما لم يستقل بها كالحروف بالبيان الذي سلف تحديد الحقيقة هي الكلمة المستعملة فيما وضعت له من حيث إنها كذلك فبقيد الاستعمال خرجت الكلمة المجردة عن الاستعمال فإنها لا تسمى حقيقة كما لا تسمى مجازا وبقولنا فيما وضعت له خرجت الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له وبقيد الحيثية خرج مثل لفظ الصلاة إذا استعملها المتشرع في الدعاء أو اللغوي في الأركان فإنه وإن صدق عليها حينئذ أنها كلمة مستعملة فيما وضعت له بالوضع اللغوي أو الشرعي إلا أن الاستعمال ليس من هذه الحيثية بل من حيث تحقق العلاقة بينها وبين معناها الشرعي أو اللغوي و أهمل بعض قيد الحيثية واعتبر بدله قوله في اصطلاح به التخاطب احترازا عما ذكر وهو لا يصحح طرد الحد بالنسبة إلى اللفظ المشترك في اصطلاح واحد إذا كان بين المعنيين علاقة التجوز وكذا إذا لم يكن بين المعنيين علاقة واستعمل في أحدهما باعتبار وضعه للاخر غلطا وإنما لم نتعرض له لبعد وقوعه جدا بخلاف المذكور منه كالأمر عند من يجعله مشتركا بين الوجوب والندب لغة وكالامكان في عرف أهل الميزان بناء على اشتراكه لفظا بين الامكان العام و الخاص فإنه إذا استعمل كل منهما باعتبار أحد معنييه في معناه الاخر مجازا صدق عليه الحد المذكور مع خروجه عن المحدود والمجاز هي الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له لعلاقة فخرج بقيد الاستعمال ما مر وبقولنا في غير ما وضعت له الكلمة المستعملة فيما وضعت له واللفظ المستعمل الغير الموضوع وإن استعمل في مثله وبقولنا العلاقة يخرج الكلام الغلط وإن اشتمل على علاقة لان المراد بها العلاقة المعتبرة وكذا يخرج به الموضوع إذا استعمل في مثله بدون الوضع أو اعتباره على ما سيأتي بيانه فإن الاستعمال حينئذ وإن كان العلاقة لكن لا لعلاقة بينه وبين المعنى الموضوع له كما هو المراد في الحد ويخرج أيضا مثل لفظ الصلاة إذا استعملها المتشرع في الأركان المخصوصة فإنها وإن كانت مستعملة في غير ما وضعت له بالنسبة إلى الوضع اللغوي لكن ليس استعمالها حينئذ لعلاقة وزاد بعضهم قوله مع قرينة مانعة عن إرادة الموضوع له ليخرج الكناية وهذا ضعيف لما سنحققه من أنها داخلة فيه أو في الحقيقة وليست قسما ثالثا واعلم أن اللام في الكلمة في الحدين قد ينزل على الاستغراق دون الجنس كما هو المتعارف في الحدود لان الحقيقة والمجاز عندهم متغايران بالمورد لا بمجرد الاعتبار كما يشهد به تصفح كلماتهم وما يقال من أن التعريف إنما يكون بالجنس لا بالافراد فإنما يسلم في الحدود الحقيقية دون اللفظية نعم على قول من جوز استعمال اللفظ في معناه الحقيقي والمجازي معا مع بقائهما على وصفهما يكون التغاير عنده في المورد المذكور اعتباريا فيحتاج إلى اعتبار قيد الحيثية في المجاز أيضا وأما في غيره فالتغاير عنده أيضا بحسب المورد ويمكن أن يجعل اللام فيها للجنس ويراد بالاستعمال الاستعمال الواحد الشخصي لما مر وكان هذا أظهر من الوجه السابق لكن يلزم على الوجهين أن يكون وضع اللفظين وضع المبهمات وهو كما ترى إلا أن يجعل الحدان لبيان ما يطلق عليه اللفظان وفيه تكلف بل التحقيق أن اللام في الكلمة والاستعمال للجنس كما هو الظاهر ولا ينافي ذلك كون المغايرة بينهما بالمورد لان الكلمة المقيدة بأحد صنفي الاستعمال صنف مغاير للمقيد منها بالآخر وقد يعرف الحقيقة والمجاز باستعمال الكلمة على الوجه المذكور ولا إشكال في حمل اللام حينئذ على الجنس فصل الوضع تعيين اللفظ للدلالة على المعنى بنفسه فالتعيين جنس يشمل جميع التعيينات والمراد به هنا ما يتناول التعيين عن قصد كما في المرتجل ويسمى هذا النوع من الوضع بالوضع التعييني وكما في المجاز على ما عليه الجمهور من أنه معين بإزاء معانيه المجازية بالتعيين النوعي والتعيين من غير قصد كما في المنقولات بالغلبة و يسمى هذا النوع من الوضع بالوضع التعيني وكما في المجاز على ما هو التحقيق عندنا من أن تعيين اللفظ لمعناه يستلزم تعيينه لما يناسبه بإحدى العلاقات وإن لم يقصد به ذلك وكذلك تعيين اللفظ لمثله على ما زعمه التفتازاني من أن دلالته غير ناشئة عن وضع قصدي بل عن الاتفاق والاصطلاح و أما على ما نراه من أنها ناشئة عن المناسبة الصورية بمعونة القرينة فليس فيه تعيين أصلا وخرج بتقييده باللفظ تعيين غيره ولو للدلالة كالخطوط والنصب فإنه ليس بالوضع المصطلح عليه هنا والمراد به ما يتناول الحرف الواحد و الهيئات كالحركة والسكون ولو بالتوسع في لفظه وخرج بقولنا للدلالة على معنى تعيين اللفظ للتركيب كما في الحروف الهجائية في وجه أو للاستعمال ولو لدلالة لان المراد بالدلالة فيه قوة الدلالة أعني صيرورة اللفظ بحيث يدل على المعنى عند الاستعمال لا الدلالة الفعلية فيختص بتعيين المستعمل إياه عند الاستعمال ولا الأعم فيتناوله ويتناول تعيينه السابق على الاستعمال فيلزم عدم مطابقة الحد للمحدود على الأول ودخول ما ليس منه فيه على الثاني ولك أن تقول الظاهر من كون التعيين للدلالة أعني الدلالة حال الاستعمال كونه بلا واسطة وحينئذ فيخرج التعيين للاستعمال والتعيين للوضع أيضا وقولنا بنفسه احترازا عن المجاز فإن فيه تعيينا للدلالة على المعنى لكن لا بنفسه بل بواسطة القرينة وما يقال من أنه لا حاجة إلى القيد المذكور لان التعيين ظاهر في التعيين التفصيلي و الذي في المجاز تعيين إجمالي فليس بشئ لان المراد بالتعيين هنا معناه الأعم وإلا لخرجت الأوضاع النوعية كوضع المشتق منه نعم يتجه أن يقال ليس التعيين في المجاز للدلالة لحصولها بالقرينة كما في
صفحہ 14
الغلط بل لصحة الاستعمال فلا حاجة إلى القيد المذكور ويمكن دفعه بأن اللفظ إذا أطلق وأقيم قرينة على عدم إرادة معناه الحقيقي كما في قولنا أسد يرمي ترددنا بين المعاني التي لم يوضع بإزائها اللفظ مما يوجد بينه وبين المعنى الحقيقي علاقة معتبرة كالشجاع وبين غيره كالأبخر والحساس والحيوان وغير ذلك فإذا لاحظنا تعيين الواضع تعين عندنا إرادة المعنى الأول فصح أن التعيين في المجاز أيضا للدلالة وفيه نظر لان التعيين يكون حينئذ لتعيين المراد لا الدلالة مع أنه قد لا يطرد والأظهر أن يراد بالدلالة الدلالة المعتبرة فيندفع الاشكال واعترض على عكس الحد بالمشترك فإن فهم المعنى منه يتوقف على القرينة وبالحرف فإنه معرف بما لا يدل على معنى في نفسه والجواب أما عن الأول فبأن فهم المعنى أعني ما وضع له اللفظ في المشترك لا يتوقف على القرينة ضرورة أن العالم بالوضع ينتقل بسماعه إلى معناه غاية الامر أن يتوقف تعيين المراد منه على القرينة وهذا على ما زعم مبني على القول بأن الدلالة لا تتوقف على الإرادة وسيأتي تفصيل الكلام فيه وأما عن الثاني فبأن الضمير في قولنا بنفسه راجع إلى اللفظ وفي قولهم في نفسه راجع إلى المعنى وهم أرادوا بهذا القيد أن معنى الحرف ليس ثابتا في نفسه وملحوظا لذاته بل هو آلة لملاحظة حال غيره وهذا المعنى لا ينافي أن يكون الدال نفس الحرف فإنه وإن اشترط في دلالته ذكر متعلقه نظرا إلى قصور معناه وعدم استقلال مفهومه لكنه يدل على المعنى عند ذكر متعلقه بنفسه بخلاف المجاز فإنه لا يدل على المعنى المجازي عند ذكر القرينة بنفسه بل بمعونة القرينة وبالجملة فالقصور ثابت في المقامين إلا أنه في المجاز من حيث اللفظ فصح أنه لا يدل بنفسه وفي الحرف من حيث المعنى فلا ينافي دلالته بنفسه وبهذا يسقط ما التزم به التفتازاني من أن صحة الحد متوقفة على القول بعدم اشتراط ذكر المتعلق في دلالة الحرف هذا والتحقيق في الجواب أن دلالة الحرف على معناه إنما تستدعي تصور معنى متعلقه ولو إجمالا على ما سيأتي تحقيقه وهو مما يحصل في النفس بسماع الحرف مع العلم بالوضع ولا حاجة إلى ذكره في اللفظ فصح أن الحرف يدل على المعنى بنفسه أي من غير حاجة إلى ضميمة وتوقفه على تصور متعلقه ولو إجمالا لا ينافي ذلك لأنه من قبل اللوازم البينة للمدلول فينتقل إليه عند تصور المعنى كما في الانتقال إلى البصر عند الانتقال إلى مدلول العمى بخلاف المجاز فإن مجرد لفظه لا يكفي في الدلالة ثم عندي على الحد إشكال آخر وهو أن المراد بالتعيين فيه إن كان التعيين القصدي لم ينعكس لخروج وضع المنقول بالغلبة منه وإن كان الأعم كما ذكرنا لم يطرد لدخول تعين المجاز المشهور بالشهرة فيه ولا سبيل إلى إخراجه بأن الشهرة قرينة عليه أو بأنه إذا قدر عدمها لم يكن للفظ دلالة عليه لأنا لا نعقل من القرينة إلا ما يوجب تعين المعنى والوضع التعييني أيضا كذلك مع أنه لا فارق بين التعين الناشئ من الشهرة في المنقول وبينه في المجاز المشهور فإدخال أحدهما في الحد يوجب دخول الاخر فيه واختلال الدلالة بتقدير عدمها لا ينافي كونها وضعا كيف والحال في جميع الأوضاع كذلك ومثل قرينة الشهرة ما لو نص المستعمل على إرادته للمعنى المجازي عند إطلاقه اللفظ والنقض به وارد على تقدير تخصيص التعيين بالقصدي أيضا ويمكن دفعه بأن المراد بالدلالة الدلالة المعتبرة كما مر وهي غير ناشئة هناك عن الشهرة أو تنصيص المستعمل فقط وفيه تكلف أو بالتزام عود الضمير في نفسه إلى التعيين دون اللفظ فيخرج التعيين المذكور فإنه لا يقتضي الدلالة المعتبرة بنفسه بل بضميمة الرخصة أو الوضع السابق وبهذا يظهر الفرق بينه وبين المنقول فإنه لا مدخل في دلالته على المعنى المنقول إليه لملاحظة وضعه السابق بل يكفي مجرد تعينه الناشئ من الغلبة وبهذا التوجيه يخرج سائر أنواع المجاز أيضا إذ لا يكفي في دلالتها مجرد تعيينها بل لا بد معه من نصب القرينة ويدخل فيه تعيين الحروف بالتوجيه السابق ويخرج به أيضا تعيين المستعمل اللفظ للدلالة فإنه لا يدل بمجرد تعيينه ذلك ولا حاجة إلى ما تكلفناه سابقا في إخراجه وكذلك يخرج به تعيين الواضع اللفظ للوضع للمعنى فإن مجرد ذلك التعيين لا يكفي في الدلالة ولا يخرج على الوجه السابق إذ يصدق على تعيين الشئ للملزوم أنه تعيين له للازمه المقصود منه أيضا إلا أن يرتكب التكلف المتقدم ومن هنا يظهر أن إرجاع الضمير إلى التعيين أولى من إرجاعه إلى اللفظ كما فعلوه ثم أقول ويمكن تقرير الاشكال بوجه آخر يطرد في جميع أنواع المجاز بحيث لا ينفع فيه التوجيه المذكور وذلك بأن يقال إن أرادوا بالحد أن يدل اللفظ مع قطع النظر عن ذلك التعيين فهو فاسد لان اللفظ الموضوع إذا قطع النظر عن وضعه وجرد عنه لا دلالة له على المعنى إما في الجملة أو مطلقا كما يشار إليه قولهم في تعريف الدلالة الوضعية بأنها فهم المعنى من اللفظ عند العالم بالوضع أي من حيث علمه بالوضع كما هو الظاهر من التعليق وإن أرادوا أن يدل مع قطع النظر عما عدا ذلك التعيين فهو منقوض بمثل المجاز المشهور فإنه لا حاجة في دلالته على معناه المجازي بعد ملاحظة تعيينه المنحل إلى تعيينين تعيين واضع المجاز أو واضع الحقيقة إياه بإزائه المحصل لصحة الاستعمال وتعيين الشهرة المحصل للدلالة إلى ملاحظة أمر آخر فهو أيضا تعيين للدلالة على المعنى بنفسه إذ لم يعتبر فيه أن يكون عن أمر واحد وهذا الاشكال متجه على البيان الأول أيضا ولا يجدي فيه الدفع السابق فالأظهر عندي أن يعرف الوضع بأنه تعيين اللفظ للمعنى على وجه يصحح الاستعمال من غير اعتماد على تعيينه لمعنى آخر فيخرج المجاز بأقسامه لاعتماد صحة الاستعمال فيها على تعيينه لمعنى آخر وكذلك يخرج تعيين اللفظ للوضع أو الاستعمال فإنه لا مدخل له في صحة الاستعمال وكذا تعين الحكاية للمحكي على ما هو المختار فإنه لا يسمى تعيينا وإن أريد به ما يعم غير القصدي يدخل فيه المنقول بالغلبة لان المراد بالتعيين ما يعم التعيين بالقصد و بدونه والأولى أن يراد أو تعينه لظهوره في القصدي وكذلك يدخل الحروف إما على التوجيه السابق أو مطلقا لان
صفحہ 15
عدم الاعتماد على تعيين آخر لذلك اللفظ فلا يقدح الاعتماد على تعيين آخر لغيره نعم ربما يشكل ذلك نادرا في صورة الاشتراك بين معناه ومعنى متعلقه حيث يحتاج حينئذ إلى ملاحظة وضعه الاخر إلا أن يدفع باعتبار الحيثية فتأمل فيه ثم الواضع أن لاحظ في وضعه أمرا جزئيا حقيقيا كان الموضوع له حينئذ أيضا جزئيا لا محالة فيكون الوضع خاصا والمعنى خاصا كما في الاعلام الشخصية ومنهم من أجاز أن يكون الموضوع له حينئذ عاما كما لو شاهدنا حيوانا فتوصلنا به إلى وضع اللفظ بإزاء نوعه وفيه أن الملحوظ في الوضع حينئذ إنما هو الكلي المنتزع من الجزئي دون نفس الجزئي والوضع أيضا بإزائه فيكون من القسم الآتي وإن لاحظ أمرا كليا فالوضع عام و حينئذ فإن وضع اللفظ بإزائه من غير اعتبار خصوصية معينة نوعية أو شخصية معه شطرا أو شرطا فالموضوع له عام كما في أسماء الأجناس وإن وضعه بإزائه مع اعتبارها فالموضوع له خاص لكونه جزئياته الحقيقية أو الإضافية كما في الاعلام الأجناس بناء على أنها موضوعة للأجناس من حيث تعيناتها الذهنية وكما في الحروف و أسماء الإشارة والضمائر والموصولات وغيرها مما يتضمن معاني الحروف فإن التحقيق أن الواضع لاحظ في وضعها معانيها الكلية و وضعها بإزائها باعتبار كونها آلة ومرآة لملاحظة حال متعلقاتها الخاصة فلاحظ في وضع من مثلا مفهوم الابتداء المطلق ووضعها بإزائه باعتبار كونه آلة ومرآة لملاحظة حال متعلقاتها الخاصة من السير والبصرة مثلا فيكون مداليلها خاصة لا محالة وكذلك لاحظ في وضع أسماء الإشارة مفهوم المشار إليه ووضعها بإزاء ذاته بضميمة الإشارة الخارجة المأخوذة آلة ومرآة لتعرف حال الذات فيكون معانيها جزئيات لا محالة لوضوح أن الماهية إذا أخذت مع تشخص لاحق لها كانت جزئية مع احتمال أن يكون قد لاحظ في وضع الحروف معانيها الكلية ووضعها بإزاء كل جزئي جزئي من جزئياتها المأخوذة آلة ومرآة لملاحظة حال متعلقاتها ولاحظ في وضع أسماء الإشارة مفهوم الذات المشار إليها ووضعها بإزاء كل جزئي من جزئياتها المأخوذة آلة ومرآة لملاحظة حال متعلقاتها ولاحظ في وضع أسماء الإشارة مفهوم الذات المشار إليها ووضعها بإزاء كل جزئي من خصوصيات الذات مع الإشارة المأخوذة آلة و مرآة لتعرف حال تلك الذات وعلى هذا القياس والفرق بين الاعتبارين أن الخصوصية مأخوذة في أحدهما باعتبارين وفي الاخر باعتبار واحد وهو أقرب لسلامته عن الاعتبار الزائد هذا على ما هو المختار وفاقا لجماعة من المحققين لان المتبادر منها ليس إلا المعاني الخاصة وأنها لا تستعمل إلا فيها ومنهم من أنكر ذلك وجعل الوضع في تلك الألفاظ بإزاء معانيها الكلية واشتهرت حكاية هذا القول عن المتقدمين واستدلوا لهم بأن أهل اللغة صرحوا بذلك حيث قالوا أنا للمتكلم ومن للابتداء إلى غير ذلك وأن أحدا لم يذكر تلك الألفاظ في متكثر المعنى حيث حصروها في المشترك والحقيقة و المجاز والمنقول والمرتجل وهي ليست بأحدها وأن وضعها للجزئيات يقتضي أوضاعا غير متناهية وهو محال والجواب أما عن الأول فبأن ما وقع في عبائرهم لبيان مدلول هذه الكلمات من لفظ المتكلم والابتداء ونظائرهما فمحمول على ما مر للقطع بأنها لم تستعمل في تلك المعاني قط وما يقال من أنها وضعت للمفاهيم الكلية ثم استعملت في الجزئيات بقرائن مقامية أو مقالية فكل من الوضع و الموضوع له فيها عام والمستعمل فيه خاص فمدفوع بأنه لو تم ذلك لوجد فيه خصائص المجاز من الانتقال إلى معانيها الجزئية بعد الانتقال إلى معانيها الكلية وملاحظة العلاقة والقرينة ولو إجمالا و ليس الامر فيها كذلك قطعا مع أنها لو كانت حقائق في تلك المفاهيم لجاز أن تستعمل فيها على الحقيقة وفساد التالي يقتضي بفساد المقدم وما قيل من أن ذلك لمنع من قبل الواضع فمما لا يقبله الاعتبار الصحيح وأما عن الثاني فبأن عدم ذكر المتقدمين إياها في متكثر المعنى مبني على طريقهم حيث لم يثبتوا هذا القسم فتبعهم المتأخرون في التقسيم تسامحا وأما عن الثالث فبأن وضعها للجزئيات إجمالي فلا يلزم تعدد الوضع فضلا من عدم تناهيه هذا ولو نزلت مقالتهم على أنها موضوعة لمفاهيمها المقيدة بالقيود المذكورة على أن يكون كل من القيد والتقييد خارجا عن المعنى معتبرا فيه وادعي كلية المفهوم والمعتبر كذلك استقام كلامهم و اندفع عنهم الاشكالات المذكورة وكان أبين من القول السابق ثم أقول ولقائل أن يقول كون هذه الألفاظ حقائق في الخصوصيات إنما يثبت به عموم الوضع بالمعنى المتقدم إذا قلنا بأن الواضع ليس هو الله تعالى حيث إنه ليس لغيره الإحاطة بجميع تلك الخصوصيات على التفصيل وإنما يحيط بها على الاجمال بملاحظة مفهوماتها الكلية فيلزم منه عموم الوضع حيث إن الملحوظ فيه معنى علم وإلا جاز أن تكون موضوعة بإزاء تلك الخصوصيات ابتدأ من غير ملاحظة لذلك المعنى العام فيه لإحاطة علمه تعالى بالجزئيات كإحاطته بكلياتها فتكون تلك الألفاظ على حد الألفاظ المشتركة في كونها موضوعة لآحادها وضعا ابتدائيا غاية ما في الباب أن يكون للآحاد التي تشترك فيها مع كثرتها وخروجها عن قوة ضبطنا قدر جامع يمكننا معرفة ما يحتاج إليه منها بالرجوع إليه بخلاف سائر المشتركات وهذا لا يصلح وجها لافرادها عن المشترك وجعلها قسما برأسها و جوابه أن اختصاص إفراد معنى عام بوضع اللفظ مع اطراده بالنسبة إليها يوجب ملاحظته في وضعه لها لظهور أن ليس ذلك مبنيا على مجرد الاتفاق وتبادرها منه من حيث كونها أفراد آلية يوجب أن يكون الحيثية مأخوذة في مدلوله لا مجرد كونها مأخوذة في عنوان الوضع فإذا ثبت أن مدلوله الافراد من حيث كونها أفرادا للعام ثبت القسم المذكور سواء كانت تلك الافراد ملحوظة عند الواضع تفصيلا أو إجمالا وظهر الفرق بينه وبين المشترك فإن المشترك إنما يوضع لمعانيه لا باعتبار معنى مشترك فيه وإن فرض وضعه بإزائها إجمالا بملاحظة عنوان لا تكون حيثية معتبرة في المعنى ككل واحد من هذه المعاني ومن هنا يتوجه مناقشة على تعريف المشترك حيث اعتبر فيه تعدد الوضع ولا
صفحہ 16
تعدد فيه هناك وحيث لم يثبت القسم المذكور كان الامر بالقياس إليه سهلا ثم اعلم أن اللفظ الموضوع إن عين من حيث الخصوصية فالوضع شخصي وهذا ظاهر وإلا فنوعي ومنه وضع أكثر صيغ المشتقات فإن التحقيق أن منها ما هو موضوع بالوضع الشخصي من الماضي والمضارع المجردين فإن اختلاف هيئاتهما في المواد المختلفة مع عدم قدر جامع بين ما اتفق منها فيها يوجب كونهما موضوعين بالوضع الشخصي وكون أفعال السجايا موضوعة على الضم على تقدير ثبوت الاطراد فيها لا يجدي في غيرها وغاية ما في الباب أن يقال عين الواضع مصادر كل باب ووضع كل واحد من كل جملة بهيئة معينة أو وضع كل هيئة معينة طارئة على كل واحد من آحاد كل جملة بإزاء معان معينة فلو سمي مثل ذلك وضعا نوعيا فلا مشاحة ومنها ما هو موضوع بالوضع النوعي كسائر صيغ الماضي و المضارع وجملة صيغ الامر واسم الفاعل والمفعول فإن التحقيق أن الواضع لاحظ كل نوع منها مما له قدر جامع بعنوان كلي وهو ذلك القدر الجامع ووضع كل واحد من خصوصياتها الملحوظة تفصيلا أو إجمالا على ما مر بإزاء معانيها المعهودة وعلى هذا فالمشتقات تدل على معانيها من الحدث والزمان والنسبة وغيرهما بوضع واحد شخصي أو نوعي هذا ما يساعد عليه التحقيق والمعروف بينهم أن مواد المشتقات أعني حروفها الأصلية موضوعة بالوضع الشخصي لمعانيها الحدثية وهيئاتها موضوعة بالوضع النوعي للمعاني الزائدة عليها من الزمان والنسبة أو غيرها بمعنى أنها موضوعة كذلك في كل مادة للمعنى اللاحق لمعناها من حيث الخصوصية ويشكل بأنهم إن أرادوا أن المواد موضوعة بوضع المصادر فمتضح الفساد لان هيئات المصادر معتبرة في وضعها لمعانيها قطعا وإن أرادوا أنها موضوعة للمعاني الحدثية بوضع آخر مشروط باقترانها بإحدى الهيئات المعتبرة لئلا يلزم جواز استعمالها بدونها فبعد بعده جدا كما لا يخفى على الأنظار السليمة مما لم نقف لهم فيه على دليل وغاية ما في الباب أن يقال لما كان كل من ألفاظ معاني المشتقات ومعانيها يشتمل على جزين يدور ثبوت كل جز من جزئي المعنى مدار ثبوت جز من جزئي اللفظ حصل هناك قدران مشتركان لفظا وقدران مشتركان معنى فالأولى أن يكون كل قدر مشترك من اللفظ موضوعا بإزاء كل قدر مشترك من المعنى وأنه لا بد في فهم معاني المشتقات من ملاحظة كل من المادة والهيئة وتعيينهما لينتقل من ملاحظة المادة إلى بعض المعنى ومن ملاحظة الهيئة إلى بعض آخر ولهذا قد يعرف إحداهما وينكر الأخرى فينتقل إلى أحد جزئي المعنى دون الاخر فلو كان المجموع موضوعا بوضع واحد لما حصل التفكيك في الفهم وكلا الوجهين ضعيف أما الأول فلان الأولوية المذكورة على تقدير ثبوتها ترجع إلى مجرد الاستحسان و هو لا ينهض حجة في مباحث الألفاظ ولا يصلح لمعارضة ما قدمناه من الاستبعاد وأما الثاني فلان تعيين كل من المادة والهيئة كما لا بد منه على الوجه الثاني لكونه تعيينا للموضوع كذلك لا بد منه على الوجه أيضا لكونه تعيينا لحدود الموضوع ولا نسلم أن فهم بعض المعنى يستند إلى جز اللفظ بل إلى كله لكن لا خفاء في أنا إذا علمنا أن صيغة معينة موضوعة بإزاء ما دل عليه مصدرها مع أمر آخر يشاركها فيه صيغة أخرى لا جرم ننتقل بالعلم بأحد الامرين إلى بعض المعنى وليس ذلك انتقالا من بعض اللفظ إلى بعض المعنى بل من كل اللفظ إلى بعض المعنى ومن هنا يتبين أيضا دفع ما عساه أن يستند إليه من أن كلا من جزئي المعنى يتبادر من كل من جزئي اللفظ و ذلك آية كونه موضوعا له وحقيقة فيه ووجه الدفع أنه إنما يتبادر من مجموع اللفظ الموضوع ولو بتعيين بعض حدوده بعض المعنى من حيث كونه في ضمن الكل الملحوظ ولو إجمالا وليس في ذلك شهادة على تعدد الوضع بل على وحدته وعلى هذا ينزل كلامنا حيث نتمسك بأن المتبادر من الهيئة كذا أو من المادة كذا هذا وربما أمكن أن يقال إن المشتقات وإن وضعت بموادها وهيئاتها بوضع واحد إلا أن قضية مشاركتهما فيما مر يوجب انحلال وضعها إلى وضعين وإن لم يتعلق قصد الواضع به ولا يخفى ما فيه من التعسف فصل هل الألفاظ موضوعة بإزاء معانيها من حيث هي أو من حيث كونها مرادة للافظها وجهان يدل على الأول بعد مساعدة التبادر عليه أمران الأول إطلاقهم بأن الوضع تعيين اللفظ للدلالة على المعنى من غير اعتبار حيثية و يمكن دفعه بأن الحيثية المذكورة إن اعتبرت داخلة في المعنى فاعتباره يغني عن اعتبارها لأنها حينئذ جزؤه وإن اعتبرت خارجة عنه فلا بد حينئذ من اعتباره مقيدا بها كما يدل عليه ظاهر معناه الأصلي فلا يصدق على المجرد عنها فلا حاجة إلى التصريح بالقيد الثاني أن الحيثية المذكورة أمر زائد على المعنى فالأصل عدم اعتبارها في الوضع ويضعفه أن الأصل المذكور من الأصول المثبتة ولا تعويل عليها حيث لا يساعدها دليل كما في أصالة عدم النقل ونحوه ويدل على الثاني تبادر المعاني منها عند الاستعمال من حيث كونها مرادة فتكون موضوعة لها بهذا الاعتبار مع أن الغرض من الوضع إنما هو إفادة المداليل واستفادتها بهذه الحيثية فلا بد من اعتبارها في الوضع لئلا ينتفي الغرض فيلغو الوضع ويمكن دفع هذين الوجهين بأن تبادر كون المعنى مرادا مستندا إلى ما هو الظاهر من الغرض الداعي إلى الاستعمال كتبادر اتباع الواضع بدليل تبادر المعنى وحده عند تجريد النظر عن ذلك وحينئذ فلا يلزم من عدم اعتبارها في الوضع عراؤه عن الفائدة على أنه يلزم على تقدير أن تكون الحيثية داخلة في المعنى أن يكون كل لفظ متضمنا معنى حرفيا وهو بعيد عن الاعتبار ثم إن قلنا بأنها موضوعة للمعاني من حيث كونها مرادة سواء اعتبرناها شرطا أو شطرا اتجه أن لا يكون للألفاظ معان حقيقية عند عدم إرادتها ضرورة أن الكل عدم عند عدم جزئه و المقيد من حيث كونه مقيدا عدم عند عدم قيده والظاهر أن ما حكي عن الشيخ الرئيس والمحقق الطوسي من مصيرهما إلى أن الدلالة
صفحہ 17
تتبع الإرادة ناظر إلى هذا وتحقيقه أن اختصاص الوضع بالمعنى الذي تعلق به إرادة اللفظ يوجب انتفائه عند انتفائه فتنتفي الدلالة المستندة إليه وأما ما يرى من سبق المعنى عند العلم بعدم الإرادة فيمكن دفعه على هذا التقدير بأن ذلك انتقال إلى ما يصلح له اللفظ من حيث العلم بالوضع وليس انتقالا إلى ما وضع له اللفظ بالاعتبار الذي وضع له والفرق بين الانتقالين هو الفرق بين الانتقال إلى الشئ بحقيقته والانتقال إليه بوجهه فصل الدلالة عقلية إن استقل بها العقل كدلالة اللفظ المسموع من وراء الجدار على وجود لافظه وطبعية إن كانت بمعونة الطبع كدلالة آخ على التزجر [التضجر] ومن هذا الباب دلالة أصوات الحيوانات عند أبناء نوعها ووضعية إن كانت بمعونة الوضع وهي إما غير لفظية كدلالة الخط على اللفظ أو لفظية كدلالة زيد على مسماه وعرفوا هذه الدلالة بأنها فهم المعنى من اللفظ عند إطلاقه بالنسبة إلى من هو عالم بالوضع وأورد عليه أولا بأن العلم بالوضع يتوقف على فهم المعنى ضرورة أن الأمور النسبية لا تعقل إلا بعد تعقل طرفيها فلو توقف فهم المعنى على العلم بالوضع كما هو ظاهر التعليق لزم الدور وجوابه أن العلم بالوضع إنما يتوقف على فهم المعنى ولو من غير لفظه و فهمه منه يتوقف على العلم بالوضع له فلا دور وثانيا بأن الفهم صفة السامع والدلالة صفة اللفظ فلا يصلح أحدهما تعريفا للاخر وأجيب بأن المصدر بمعنى المفعول أي مفهومية المعنى من اللفظ أي كون اللفظ بحيث يفهم منه المعنى غاية الامر أن يكون تعريفا باللازم ولا بأس به عند ظهور المراد وفي المقام أبحاث تركناها لقلة الجدوى في إيرادها وثالثا بأنه منتقض بدلالة زيد على لافظه بالنسبة إلى من كان عالما بوضعه وجوابه أن قيد الحيثية معتبر في التعريف والمعنى فهم المعنى بالنسبة إلى من هو عالم بالوضع من حيث إنه عالم به وظاهر أن الفهم هناك ليس من هذه الحيثية وقد تتحقق الدلالة على معنى واحد باعتبارين كدلالة أنا على المتكلم فيفرق باعتبار الجهتين ورابعا بأن تقييد الفهم بكونه عند العالم بالوضع يوجب فساد عكس الحد لان الدلالة قد تتحقق عند غير العالم بالوضع أيضا و لولا ذلك لما صح عد التبادر من علامات الوضع وإلا لكان دورا و جوابه أن المراد بالعلم بالوضع ما يتناول العلم الاجمالي والتفصيلي ولا نسلم أن الفهم في الصورة المذكورة ينفك عنهما وإنما المسلم انفكاكه عن أحدهما ولولا ذلك لما كان اللغات توقيفية أو نقول المراد بالوضع هنا الاختصاص دون التخصيص ولو بالغلبة وإن كان الفرق بينهما عند التحقيق اعتباريا فما يتوقف عليه الفهم هو العلم بالاختصاص المستفاد من المحاورات دون التخصيص وما يتوقف على الفهم هو العلم بالتخصيص دون الاختصاص فلا إشكال ويمكن أن تعرف الدلالة المذكورة بأنها إفادة اللفظ للمعنى بسبب الوضع وهو أولى من الحد السابق لسلامته عما فيه من التكلف وهي تنقسم إلى أقسام ثلاثة لان دلالة اللفظ إما أن تكون على تمام ما وضع له أو لا والثانية إما أن تكون على جزئه أو لا ويسمى الأولى إن كانت من حيث إن المدلول تمام الموضوع له مطابقة والثانية إن كانت من حيث إنه جزؤه تضمنية والثالثة إن كانت من حيث إنه خارج لازم له التزامية وحيث اعتبرنا في الحد قيد الحيثية التعليلية وتركناها في التقسيم استقام الحد وصار التقسيم عقليا وإنما اعتبرنا الحيثية تعليلية لا تقييدية إذ لا جدوى في اعتبارها إذ يصدق على الدلالة المقيدة بكونها دلالة اللفظ على تمام ما وضع له أنها مقيدة أيضا بكونها دلالة على جزئه أو لازمه حيث يكون جزا أو لازما أيضا لكنها لا تستند إلى الجميع بل إلى أحدها أو المجموع والمراد أن دلالة واحدة لا تستند إلى علل عديدة بل إما أن تستند إلى واحدة منها إذا اتحدت أو المجموع الملتئم من اثنين منها أو الثلاث إذا اجتمعت لان العلل متى اجتمعت صارت علة واحدة فيخرج عن كونها عللا متعددة وأما إذا قلنا بأنها معرفات أي علامات للمعاني فيجوز أن يجتمع عديد منها على معلول واحد فلا تصير علة واحدة بل يبقى على صفة تعددها ولك أن تقول العلامات علل إعدادية للعلم بالشئ فلا يجوز أن يستند العلم إلا إلى واحدة منها أو المجموع منه رحمه الله إلا إذا قلنا بأنها معرفات فيجوز تواردها على محل واحد أو أن العلل الحقيقية إذا تواردت صارت بمنزلة علة واحدة فنلتزم حينئذ بخروج مثل هذه الدلالة عن الحدود الثلاثة ولا بأس به مع دخولها في التقسيم لان الغرض تحديد الدلالات التي يصح الاستعمال بحسبها و الجمهور لما حاولوا الجمع بين التقسيم والتعريف فمنهم من اعتبر قيد الحيثية ومنهم من أهملها فأورد على تقسيم الأول بأن الحصر لا يكون حينئذ عقليا وأنه المقصود وربما تفصى بعضهم باعتبار قيد الحيثية في غير القسم الأخير وتركها فيه زعما منه أنه لا حاجة إليها في صحة التعريف بعد أخذها في القسمين الأولين وضعفه ظاهر لورود الاشكال عليه بصدق حده عليهما في الفرض الآتي وعلى التعريف الثاني بأنه ينتقض كل قسم بكل من قسيميه فيما لو كان اللفظ مشتركا بين الكل والجز واللازم أو بأحدهما فيما إذا كان مشتركا بين الكل والجز أو الملزوم واللازم وقد تفصى عنه بعض من أهمل قيد الحيثية بأن اللفظ لا يدل بذاته بل باعتبار الإرادة واللفظ حين يراد منه معناه المطابقي لا يراد منه معناه التضمني فهو يدل على معنى واحد لا غير وهذا الجواب حكاه العلامة عن المحقق الطوسي وهو يدل بظاهره على أنه جعل مورد القسمة دلالة اللفظ على تمام معناه المستعمل فيه لظهور أن مطلق الدلالة على المعنى لا تتوقف على إرادته كما سبق التنبيه عليه وأنه أراد بالإرادة والدلالة في قوله لا يراد معناه التضمني وقوله يدل على معنى واحد الإرادة والدلالة المستقلتين فيرجع كلامه في التقسيم إلى أن الدلالة الاستعمالية مطابقة إن كان المعنى تمام ما وضع له اللفظ و تضمن إن كان جزه والتزام إن كان خارجه اللازم له ولا خفاء في ورود الاشكال عليه أيضا لان المشترك المذكور إذا استعمل في أحد معنييه من الجز واللازم بالوضع أو العلامة صدق عليه أيضا حد الاخر نظرا إلى تحقق الإرادة مع ما فيه من الخروج عما هو المعروف عند القوم من أخذهم مورد القسمة مطلق الدلالة اللفظية الوضعية أعني الدلالة التي يكون لوضع اللفظ مدخل فيها حتى إنهم صرحوا بجواز اجتماع الدلالات الثلاث في إطلاق واحد كالانسان المستعمل في الحيوان الناطق فجعلوا دلالته على المركب بالمطابقة و على كل من جزيه بالتضمن وعلى لوازمه ككونه ضاحكا أو كاتبا بالالتزام و
صفحہ 18
المعاصر وجه الجواب بتوجيه آخر وأطال الكلام في تقريبه وملخص ما ذكره هو أن المراد بدلالة اللفظ على تمام ما وضع له في حد المطابقة دلالته عليه المطابقة لإرادة اللافظ الجارية على قانون الوضع وبدلالته على جز ما وضع له في حد التضمن دلالته عليه تبعا لدلالته على الكل مطابقة وبدلالته على الخارج اللازم في حد الالتزام دلالته عليه تبعا لدلالته على الملزوم مطابقة والدلالة المطابقية كما مر تتوقف على الإرادة وهي لا يتحقق في الاستعمال الواحد إلا بالنسبة إلى معنى واحد فلا تتصادق الحدود على دلالة واحدة وحيث كان في كلام المجيب ما لا يلائم ذلك تعسف في تأويله فحمل قوله لا يراد معناه التضمني على معنى لا يراد معناه التضمني الحاصل بسبب ذلك المطابقي بإرادة مستقلة مطابقية أخرى بالنظر إلى وضعه الاخر و حمل قوله فهو يدل على معنى واحد لا غير على معنى أنه لا يدل إلا على معنى مطابقي واحد ولا يخفى ما في هذا التأويل من التكلف في كلام المجيب والتمحل في تنزيل الحد إذ القيود التي اعتبرها مما لا يساعد عليها لفظ الحد ما لم يعتبر فيه قيد الحيثية ومعه يبطل دعوى عدم الحاجة إليها ولا يختص الاندفاع بالقول المذكور ثم المطابقة لا تستلزم التضمن لجواز بساطة المعنى ولا التزام إن اعتبر اللزوم فيه بالمعنى الأخص إذ كثيرا ما نتصور بعض المعاني ولا يخطر بالبال من تصوره تصور غيره وإن اعتبر بالمعنى الأعم استلزمه إذ لا أقل من أن يستلزم أنه ليس غيره والتضمن والالتزام يستلزمان المطابقة لامتناع تعقل الجز من حيث كونه جزا واللازم من حيث كونه لازما بدون تعقل الكل أو الملزوم ضرورة أن المضاف من حيث كونه مضافا لا يعقل بدون تعقل ما أضيف إليه و على المقام إشكال مشهور وهو أن الفعل موضوع للحدث والزمان و النسبة إلى فاعل معين فإذا ذكر مع فاعله دل على الأمور الثلاثة وهو معناه المطابقي وإذا لم يذكر معه دل على الحدث والزمان دون النسبة لامتناع تعقل النسبة الخاصة بدون تعقل طرفيها فيتحقق التضمن بدون المطابقة وهذا الاشكال وإن أورده في الفعل باعتبار دلالته التضمنية لكنه لا يختص به بل يجري في مثل الموصولات أيضا إذا استعملت بدون الصلة لأنها موضوعة للمعنى المتعين بالصلة من حيث كونه متعينا بها فيمتنع تعقله بدون تعقلها ولا بها بل يجري في الدلالة الالتزامية أيضا كذلك كدلالة ضرب بدون الفاعل على الايلام وأجيب عنه بوجوه الأول أن الدلالة عبارة عن التفات النفس إلى المعنى من حيث كونه مرادا اللافظ فهي متأخرة عن تذكر الوضع لتوقفها عليه وهو متأخر عن تذكر طرفيه من اللفظ و المعنى لكونه نسبة بينهما والسامع ينتقل إلى المعنى تارة من حيث تذكر الوضع وأخرى من حيث كونه مقصود اللافظ من حيث اقتضاء الوضع له والدلالة هي الانتقال بالاعتبار الثاني دون الأول وحينئذ فالسامع عند سماع الفعل بدون الفاعل لا ينتقل إلى بعض المعنى من حيث أنه مراد حتى يتحقق التضمن بدون المطابقة بل إنما يتذكر الوضع فيتصور بعض المعنى وليس ذلك من دلالة اللفظ حتى يتجه الاشكال وفيه نظر لان هذا المجيب إن بنى على أن اللفظ موضوع للمعنى من حيث كونه مرادا كانت حيثية الإرادة معتبرة في المعنى الموضوع له وهو واحد طرفي النسبة فلا بد من الانتقال إليها قبل تذكر الوضع أيضا على ما يقتضيه التعليل فيكون الانتقال إلى المعنى قبل تذكر الوضع كالانتقال إليه بعده في كونه مأخوذا من حيث الإرادة فيكون دلالة على ظاهر ما اعترف به حيث فسرها بالانتقال إلى المعنى من حيث كونه مرادا فيعود الاشكال وإن كان بين الإرادة المنتقل إليها لتذكر الوضع والإرادة المنتقل إليها بعده من الوضع فرق نبهنا عليه وإن بنى على أنه موضوع للمعنى من حيث هو كما يلوح من بيانه لم يكن لاخذ الإرادة في الدلالة وجه إلا أن ينزل على اصطلاح مستحدث وهو لا يجدي لورود الاشكال على مطلق الدلالة مع أن ما ادعاه من أن السامع لا ينتقل بسماع الفعل بدون الفاعل إلى بعض المعنى من حيث كونه مرادا وإن كان عالما بالوضع مجازفة واضحة ضرورة أنا كثيرا ما ننتقل بسماع الفعل إلى إرادة الحدث والزمان منه قبل سماع الفاعل على أن دعوى تأخر دلالة اللفظ عن تذكر الوضع المتأخر عن تذكر طرفيه مما يكذبه الوجدان في الألفاظ المتداولة نعم لا بد في الدلالة الوضعية من العلم بالوضع ولو إجمالا كما هو الغالب وهو لا يتوقف على تصور طرفيه تفصيلا كما هو لازم بيانه ولو كان الانتقال من اللفظ إلى المعنى متوقفا على تذكر الوضع تفصيلا لادى إلى التسلسل في الوضع الثاني أنا نفسر الدلالة التي هي المقسم بكون اللفظ متى أطلق إطلاقا صحيحا فهم المعنى منه وإطلاق الفعل بدون الفاعل غير صحيح فلا يدخل في المقسم وفيه مع عدم مساعدته على دفع الاشكال بتمامه لظهور وروده على مطلق الدلالة أن إطلاق الفعل بدون الفاعل إنما لا يصح إذا ترك الفاعل في الكلام بالكلية وأما إذا تعقبه ذكره فلا ريب في صحته ويجري فيه الاشكال لأنه يدل قبل ذكر الفاعل على الحدث والزمان دون النسبة لما مر الثالث أن التضمن لا يقتضي المطابقة الفعلية بل يكفي فيه المطابقة التقديرية فيندفع الاشكال وفيه ما عرفت في تفسير التضمن الرابع أن الفعل لا يدل على النسبة وإنما هي تستفاد من الهيئة التركيبية كما في الجمل الاسمية الصرفة إذ يبعد أن يكون هيئة ضرب زيد، عاريا عن الوضع ويكون هيئة زيد ضارب موضوعا لإفادة النسبة ولأنه يفهم النسبة من الجمل الفعلية على التفصيل والموضوع للمركب إنما يدل على أجزائه بالاجمال ولأنهم عرفوا الفعل بأنه ما دل على معنى في نفسه أي مستقل بالمفهومية فلو اعتبرت النسبة في مفهومه لم يكن مستقلا بتمام مفهومه لا يقال العبرة بجز المعنى إذ المراد بالدلالة الدلالة التضمنية والفعل يستقل في الدلالة على جز معناه لأنا نقول فينتقض حينئذ طرد الحرف بالفعل وعكس الاسم بالاسم الذي لا جز لمعناه بل ينتقض طرد الاسم بالحرف أيضا إذ جز معانيها وهي المفاهيم الكلية كالابتداء المطلق الذي هو جز من معنى من وهو الابتداء الخاص يستقل بالمفهومية وفيه أولا أن الوجه
صفحہ 19
المذكور على تقدير تسليمه لا يجري في غير الفعل والاشكال المورد في المقام لا يختص به كما مر وثانيا أن منع تضمن الفعل للنسبة بعيد عن الاعتبار والوجوه المذكورة في بيانه ضعيفة والجواب عنها أما عن الأول فبأن الذوق والتبادر شاهدان على الدعوى و رافعان للاستبعاد المدعى وأما عن الثاني فبأن النسبة معنى حرفي لا يعقل إلا على جهة واحدة وهي جهة الالية والتبعية في المفهوم فلا يختلف الحال بكونه مدلولا مطابقيا للفظ أو تضمنيا بخلاف المعاني المستقلة بالمفهومية فإنها تصلح لان تلاحظ على وجه الاستقلال كما لو دل عليها بدلالة مطابقية وإن تلاحظ على وجه التبعية كما لو دل عليها بدلالة تضمنية فإن أجزاء المركب إنما تلاحظ بملاحظة المركب تبعا لا مستقلا وأما عن الثالث فبأن المراد بالدلالة ما هو أعم من التضمن والمطابقة فالاسم يستقل بمعناه المطابقي أو التضمني و الفعل يستقل بمعناه التضمني فقط والحرف لا يستقل بشئ منهما أما بالمعنى المطابقي فظاهر وأما بالمعنى التضمني فلان جز معناه إن كان من ذاتياته فلا ريب في عدم استقلاله بالمفهومية لان الفرد إذا كان موجودا بوجود الالية والتبعية كانت ذاتياته موجودة بذلك الوجود لا محالة وإن لم يكن من ذاتياته فلا بد وأن لا يستقل بالمفهومية وإلا لم يكن المركب معنى حرفيا وحينئذ فلا إشكال وقد تعتبر الدلالة في الاسم والحرف بطريق المطابقة على ما هو المتبادر منها وفي الفعل بطريق التضمن بالنسبة إلى الحدث وهذا مع عدم مساعدة الحد المعروف عليه غير مستقيم في الأسماء لان منها ما يتضمن معنى حرفيا كأسماء الإشارة والضمائر والموصولات و الأسماء اللازمة للإضافة بناء على أن منشأ لزومها للإضافة تضمنها نسبة الإضافة الخامس أن للفعل معنى مطابقيا تفصيليا هو الحدث و الزمان والنسبة إلى فاعل معين في القصد ومعنى مطابقيا إجماليا وهو الذي لاحظه الواضع عند الوضع أعني الحدث والزمان والنسبة إلى فاعل معين عند المستعمل والفعل إنما يحتاج إلى ذكر الفاعل و تعيينه في الدلالة على معناه المطابقي بالنسبة إلى الاعتبار الأول دون الثاني فدلالته على جزئه أعني الحدث عند عدم ذكر الفاعل إنما هي بالنسبة إلى معناه المطابقي الاجمالي فلا محذور وهذا الجواب قريب من التحقيق إلا أنه يقتضي أن يكون مدلول الفعل عند عدم ذكر الفاعل إجماليا لا تفصيليا ولا يخلو من تعسف فإن المفهوم من الفعل على تقدير ذكر الفاعل وعدمه إنما هو معنى واحد لا يختلف أصلا كما يشهد به النظر الصحيح ولولا ذلك للزم الانتقال إلى معنى الفعل الذي تعقبه ذكر الفاعل مرتين تارة إجمالا وأخرى تفصيلا والوجدان السليم يكذبه بل التحقيق عندي في الجواب أن يقال تصور النسبة إنما يستدعي تصور طرفيها ولو بالوجه فيكفي في تصور النسبة الاسنادية التي تضمنها الفعل تصور المسند إليه ولو بالوجه كتصوره بعنوان كونه فاعلا معينا في نظر المستعمل ولا خفاء في أن تصور مدلول الفعل لا ينفك عن تصور الفاعل ولو بهذا الوجه وظاهر أنه لا حاجة في تصوره كذلك إلى سبق الذكر فلا يلزم تحقق التضمن بدون المطابقة وعلى هذا فالفعل بدون الفاعل يدل على معناه التفصيلي وبهذين الوجهين يندفع الاشكال الذي أوردناه في البواقي أيضا و كذلك يندفع أيضا إشكال يمكن إيراده في الحرف تقريره أن الحروف على ما يساعد عليه التحقيق غير مستقلة بالمفهوم لأنها موضوعة لمعان آلية ملحوظ بها حال غيرها من متعلقاتها فيمتنع تجردها في التصور عن تصور متعلقاتها مع أنا نجد أنها إذا أطلقت مجردة دلت على معانيها ضرورة أن من يدل على الابتداء باعتبار كونه آلة لملاحظة حال غيره وإلى يدل على الانتهاء كذلك إلى غير ذلك وتقرير الدفع على الوجه الأول أن وضعها على الوجه المذكور إنما تنافي دلالتها عند التجرد على معانيها التفصيلية دون الاجمالية كيف والواضع إنما وضعها بإزاء المعاني التفصيلية بملاحظة تلك المعاني الاجمالية وظاهر أن دلالتها على معانيها الاجمالية أيضا بالمطابقة فإن قلت كيف يدل اللفظ بحسب وضع واحد على معنيين بالمطابقة قلت لا تغاير بين المعنيين بحسب الحقيقة بل بمجرد اعتبار الاجمال والتفصيل وعلى الوجه الثاني أن تصور تلك المعاني إنما تستدعي تصور متعلقاتها ولو بالوجه وهو لا يتوقف على سبق ذكرها كما سبق تنبيه، قد اشتهر بين أهل العلم أن التضمن يتبع المطابقة وحمله بعضهم على ظاهره من أن الانتقال إلى الجز بعد الانتقال إلى الكل واعترض عليه بأن فهم الجز سابق هذا مبني على حمل السبق على السبق الزماني كما هو الظاهر منه في المقام واعلم أن الجز مقدم على الكل طبعا وهو لا يستلزم سبق تصوره على تصور الكل منه على فهم الكل فالانتقال إلى المعنى المطابقي بعد الانتقال إلى المعنى التضمني لا قبله وضعفه ظاهر لان تصور الكل إنما يستلزم سبق تصور الاجزاء إذا كان تصور تفصيليا وظاهر أنه غير معتبر في المطابقة وأما سبق تصورها على تصوره تفصيلا فليس من الدلالة الوضعية لعدم استناده بهذا الاعتبار إلى الوضع وإن استند إليه باعتبار سبق الاجمال وذهب جماعة من المحققين إلى أن التضمن فهم الجز في ضمن الكل فالدلالتان متحدتان ذاتا متغايرتان بحسب الاعتبار و الإضافة وحملوا التبعية على التبعية لما هو المقصود من الوضع أعني الدلالة على المجموع من حيث المجموع ويمكن أن يجعل التبعية في الدلالة بحسب الاعتبار وفيه نظر لأنه ينتقض حصر الأقسام حينئذ بدلالة اللفظ على الجز بعد دلالته على الكل ولو بضميمة قرينة فأنها داخلة في الدلالة اللفظية الوضعية قطعا على ما فسروها به مع أنها ليست بأحد أقسامها فالتحقيق أن يحمل التضمن على ما يعم القسمين ليستقيم الحصر أو يقتصر على الوجه الأول لان التضمن بالمعنى الذي ذكروه داخل في المطابقة ولا يلزم حصر المقسم في التقسيم بجميع اعتباراته ثم المشهور أن العبرة في الالتزامية باللزوم وعدم الانفكاك في الجملة وقيل بل يعتبر اللزوم الذهني وهو مبني على تفسير الدلالة بأنها كون اللفظ بحيث كلما أطلق عند العالم بالوضع فهم منه المعنى وأشكلوا عليه بلزوم خروج دلالة معظم أقسام المجاز منها لانتفاء اللزوم بالمعنى المذكور
صفحہ 20