النار، ولكن النار كانت أسرع منهم، إذ كان خشب السقف قديمًا جافًا وعليه من الأصبغة والأدهان طبقات، فما شمّ رائحةَ النار حتى التهب كله دفعة واحدة، كأنما قد صُبَّ عليه البنزين!
وكانت الرياح في ذلك اليوم غربية شديدة، فما مرت نصف ساعة حتى صار السقف كله شعلة واحدة، وجعلت قطع النيران تتساقط من كل مكان، فالتهب المسجد كله ولم يعد يستطيع أحد أن يقترب منه، فوقفوا ينظرون وكأن النار التي تأكل مسجدهم تأكل قلوبهم، ولكن العجز أمسكهم وقيّدهم.
وكانت عَمَد المسجد قديمة، أكثرها مكسور ومربوط بأطواق الحديد، فتشققت من النار، ثم هوى البناء كله وزلزلت الأرض وكانت ساعة من ساعات الهول! وامتدت النار تسوقها الرياح الغربية إلى سوق القباقبية وزقاق الحمراوي. ثم انجلى الدخان عن الخراب الشامل؛ لم يبقَ من الأموي إلا المشهدان عند باب البريد ورُواق الصحن، عدا الرواق الممتدّ بين باب النوفرة إلى مشهد الحسين فقد ناله الحريق فتضعضع، وأصاب الحريق المنارة الغربية.
ذهب المسجد كله في ساعتين ونصف ساعة. المسجد الذي أُنفقت فيه الأموال والأعمار وعملت في بنائه الأيدي والأفكار ألفًا وثلاثمئة سنة، ذهب كله في مئة وخمسين دقيقة فقط، ذهب في سبيل نارجيلة! ذلك أن عاملًا من العمال كان يصلح رصاص السقف في الجهة الغربية، فأعجبه المنظر وهاج في نفسه الشوق إلى نَفَس دخان، فجاء بنارجيلة وأوقد نارًا ليشعلها، فأشعل النار
1 / 39