كتب في معسكر روشل
في 5 آب سنة 1628
ريشيليه
ثم أخذ الكردينال يفكر، فقال دارتانيان: إنه يهيئ لي نوعا من الموت، فسأريه كيف تموت النبلاء. ولبث الكردينال غائصا في أفكاره وهو يقلب الورقة بين يديه، ثم مزقها، فقال دارتانيان في نفسه: هلكت والله، ثم دنا الكردينال من المائدة وأخذ القلم وجعل يكتب على ورقة ودارتانيان يظن أنه يكتب الحكم عليه بالسجن، ثم ناوله إياها فقرأه وإذا بها أمر بتعيينه ضابطا في حرس الملك، فوقع دارتانيان على رجلي الكردينال وقال: لقد غمرتني بفضلك يا مولاي وأنا غير مستحق لذلك؛ فإن أصحابي أكثر استحقاقا مني. فقال: لا، بل أنت شجاع تستحق كل رتبة وإن أكن لم أكتب اسمك فإنما إياك أعني. ثم نادى الكردينال بروشفور فدخل، فقال له: هذا الكونت دارتانيان قد دخل في جملة أصحابي فاحتفظ عليه وعانقه. فدنا منه روشفور فتعانقا بطرف الشفاه ثم خرجا، فقال روشفور: قد التقينا والحمد لله. قال: نعم، فمتى نلتقي؟ قال: سنلتقي. وإذا بالكردينال قد فتح الباب وسعل، فالتفتا إليه وسلما عليه وخرجا، فقابله أتوس فقال: لقد جزعنا لغيابك. قال: لم أخرج فقط، بل خرجت ومعي رتبة، فهل لك أن تقبلها، فإن الاسم غير مكتوب فيها؟ فقال: لا، بل هي لك. ثم عرضها على أراميس وبورتوس فلم يقبلاها وقالا له: إنك لم تزل شابا وأنت في حاجة إلى المراتب والرفعة.
وكانت روشل قد يئست من النجدة؛ لموت بيكنهام، فسلمت بلا حصار في الثامن والعشرين من شهر تشرين الأول سنة 1628، وعاد الملك إلى باريز فدخلها في الثامن والعشرين من شهر كانون من السنة نفسها، فكان له احتفال شائق لم يجر مثله قط .
أما دارتانيان فأقام على قيادة فرقته الجديدة وترك بورتوس خدمة الحرس وتزوج بعشيقته، وذهب أراميس فساح في البلاد ثم انقطع عن مكاتبة أصحابه فسألوا عنه دي شفريز فقالت إنه دخل في أحد الأديرة وترهب. ولبث أتوس حارسا تحت قيادة دارتانيان إلى عام 1631، ثم ترك الخدمة وذهب إلى إرث ورثه فأقام في روسيليون وتبعه خادمه كريمود. أما دارتانيان فنازل روشفور ثلاث مرات وفي كلها يجرحه، ثم صالحه وآخاه، وأدخل بلانشت خادم دارتانيان في حراس الكردينال، وعاش بوناسيه صاحب الفندق لا يعلم ماذا حل بامرأته ولا أين هي. والله تعالى أعلم بالصواب. انتهت.
قد انتهينا بحمد الله وحسن مدده إلى خاتمة الجزء الأول من هذه الرواية تحت عنوان «الفرسان الثلاثة»، وسنتبعه بالجزء الثاني منها بعنوان «رجع ما انقطع» بحيث يكون الكتابان رواية واحدة يعاد في ثانيهما على تمام ما انقطع منها في ختام الأول. ويتخلل ذلك نبذة مهمة من تاريخ فرنسا وإنكلترا في ذلك العهد الذي عني المؤلف رحمه الله في أن يجمع حوادثه الخطيرة المشهورة على نسق يلذ للذوق بما يدخل في تضاعيفه من الأخبار والحوادث الخارجة عن متن التاريخ تفكهة للقراء وتسلية لخواطرهم، بحيث يقف المطالع على جل تاريخ فرنسا في عرض حكاية فكاهية أدبية لا تستوجب مللا ولا تستدعي كللا بخلاف التاريخ المحض عند العامة إذ تورد حوادثه متتابعة على وتيرة الجد والاهتمام فتستجلب الضجر وتورث السأم على خلوها مما يثقف الأخلاق ويقوم الآداب، كما هو شأن الروايات الفكاهية؛ ولذلك فقد اخترت أن ألحق هذا الجزء بما قبله في التعريب توفية للفائدة وإتماما للخدمة. والله أسأل أن يهدينا إلى طريق الحق والصواب ويسدد أقلامنا إلى حكاية الصدق في كل عمل وكتاب، إنه ولي الأمور وإليه المرجع والمآب.
نامعلوم صفحہ