فكر دارتانيان مليا في أحداث الصباح؛ فقد كانت ساعات عصيبة، وربما يكون قد لحقه الخزي من جراء سلوكه عند السيد دي تريفي، الذي لا بد أن نظرته إليه قد تغيرت.
وعلاوة على ذلك، زج بنفسه في مبارزتين مع رجلين، كل منهما قادر على قتل ثلاثة رجال مثله. لقد ارتبط بمقاتلة اثنين من أقوى الفرسان، اثنين لهما مكانة خاصة عنده، حتى إنه ليقدرهما فوق كل من عداهما من الناس. كانت نظرته غير سعيدة؛ إذ كان على يقين من أن آثوس سيقتله؛ ومن ثم فهو لم يعد يشغل نفسه كثيرا ببورثوس. ورغم هذا، فالأمل هو آخر شيء يخبو في قلب الإنسان؛ لذا لم يفقد دارتانيان بعض الأمل، في أنه سيعيش بعد هاتين المبارزتين، ولو بجراح بالغة. قال لنفسه: «يا صديقي دارتانيان، إن أفلت، فإني أنصحك بأن يكون الأدب الكامل مسلكك مستقبلا، فلن يصم فعل الخير والأدب المرء، بالضرورة، بالجبن!»
سار وئيدا، وهو على هذه الحال، يفكر جديا في حاله، فرأى أراميس يتحدث في مرح مع ثلاثة رجال من حرس الملك. وكذلك لاحظه أراميس، ولكنه لم ينس أن هذا الشاب، قد سمع السيد دي تريفي يزجره في ذلك الصباح .
امتلأ دارتانيان عزيمة على أن يكون أكثر احتراما للناس، وتأدبا معهم، فتقدم نحو أولئك الرجال بانحناءة شديدة، وابتسامة ودية عريضة، فأحنى أراميس رأسه قليلا، ردا على انحناءته، ولكنه لم يبادله الابتسام.
توقف الأربعة عن الكلام فورا، فأدرك دارتانيان أنهم راغبون عنه. وإذ لم يكن ماهرا في أدب السلوك، قرر في ذهنه أن يتخذ أقل وسائل الاستئذان إحراجا. ولاحظ أن أراميس، قد أوقع، في ذلك الوقت، منديلا، وداس عليه بقدمه، دون أن يتنبه لذلك، فرأى أن الفرصة قد سنحت لإبداء الاعتذار عن تطفله أثناء حديثهم؛ فانحنى وسحب المنديل من تحت قدم ذلك الفارس، رغم جهد هذا الأخير للاحتفاظ به تحت قدمه، ثم قال وهو يقدمه إليه: «أعتقد، يا سيدي، أن هذا منديل لا تود أن تفقده.»
كان المنديل، في الحقيقة، مطرزا بطريقة تدعو إلى الإعجاب، وعلى أحد أركانه الأحرف الأولى لاسم ما؛ فشرق وجه أراميس بشدة، وخطف المنديل من الغسقوني الصغير، بدلا من أن يتناوله منه.
صاح أحد الحرس قائلا: «ألا تزال مصرا على قولك بأنك لست صديقا حميما للسيدة دي بوا-تراسي، وقد أعارتك هذه السيدة الخيرة أحد مناديلها؟»
نظر أراميس شزرا إلى دارتانيان، ولكنه سرعان ما تمالك نفسه، وقال بطريقته المألوفة الهادئة: «أنتم مخطئون، يا سادة. ليس هذا منديلي، ولا أستطيع أن أتصور لماذا فكر هذا الشاب في أن يقدمه لي، بدلا من أن يقدمه لواحد منكم؟ ولكي أثبت لكم صدق كلامي، فها هو منديلي في جيبي.»
وبينما كان يقول هذا، أخرج منديله، وهو أيضا من النسيج الرقيق الفخم، ولكنه بدون تطريز ولا أحرف أولى.
لم يتسرع دارتانيان، في هذه المرة؛ فقال: «الحقيقة أنني لم أبصر المنديل يقع فعلا من جيب السيد أراميس، بل كانت قدمه فوق المنديل، فظننته منديله.»
نامعلوم صفحہ