لكن «وردزورث» يشعر أنه لم يوف تأثره تعبيرا وإفصاحا، فلا يزال في نفسه أكثر مما أعرب عنه. إنه لم يعط السامع صورة كاملة للرهبة المفاجئة التي فعلت في نفسه فعلها، فسمت بها عن طبيعتها. إنه لم يفعل بعد سوى أن أشار إلى ما أحسه تلميحا، وهو الآن في سبيله إلى التعبير الوافي عما أحس إذ أنصت إلى صوت هذه الحاصدة، ولكن أثر النغم في نفسه - كما كان في حقيقته - من الإلغاز والغموض بحيث يستحيل عليه أن يصفه وصفا مباشرا، وكل ما يستطيعه إزاءه أن يذكر لك أشباها له قد توحي إليك بطبيعته؛ ولهذا تراه يستحضر في ذهنه أصواتا أخرى في ظروف أخرى يجوز لها أن تحدث في نفس السامع أثرا كالذي أحدثه صوت الحاصدة وهي تغني؛ فيذكر لك صوت البلبل وهو يهدهد آذان المسافرين في القفر الفسيح وقد هدهم النصب، فناموا بفعل النغم، وعمق بهم النعاس، حتى فقدت مسامعهم إحساسها. هذا صوت قد يكون له من الأثر مثل ما أحسه «وردزورث» حين طرقت مسمعيه نغمة الحاصدة، ومع ذلك فالصوتان لا يتشابهان إلا في تسللهما إلى حبات القلوب، ثم يبقى بعد ذلك لنغمة الفتاة هزتها؛ لذلك تراه بعد أن يقول:
إن بلبلا قط لم يغرد
بهذه الطلاوة للحشد النائم
من المسافرين عند بعض الفيء الظليل
في جوف الرمال من بلاد العرب.
يعقب بهذه الأبيات:
إن صوتا كهذا يهز النفس لم تسمعه آذان
من الوقواق المغرد إبان الربيع
يشق سكون البحار
عند جزائر الهبريد النائية.
نامعلوم صفحہ