من الهدي النبوي في تربية البنات
من الهدي النبوي في تربية البنات
ناشر
الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة
ایڈیشن نمبر
السنة (٣٤)
اشاعت کا سال
العدد (١١٧)
اصناف
الْمُقدمَة
الْحَمد لله رب الْعَالمين وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على نَبينَا مُحَمَّد الأسوة الْحَسَنَة وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ؛ وَبعد:
كَانَت وَلَا تزَال قَضِيَّة تربية الْبَنَات تشكل حيزًا فكريًا واجتماعيًا، فقد كَانَت الْبِنْت فِي الْجَاهِلِيَّة مثار قلق وإزعاج لِلْأَبَوَيْنِ، وَكم كَانَت تظلم فِي سَبِيلهَا الْأُم متهمة بِأَنَّهَا السَّبَب فِي إنجاب الْبَنَات.
والْحَدِيث عَن تربية الْبَنَات حَدِيث متجدد لَا يَنْتَهِي؛ لِأَن الْبِنْت بِحكم فطرتها وطبيعتها تحْتَاج إِلَى رِعَايَة خَاصَّة إعدادًا للدور الْكَبِير الَّذِي ينتظرها فِي الْحَيَاة: أَن تكون زَوْجَة صَالِحَة وَأما ناجحة فِي الْمُسْتَقْبل، وَخير النِّسَاء من تعتني بزوجها وَأَوْلَادهَا، فقد ورد فِي الحَدِيث الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن أبي هُرَيْرَة ﵁ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله ﷺ يَقُول: "خير نسَاء ركبن الْإِبِل نسَاء قُرَيْش، أحناه على ولد فِي صغره، وأرعاه على زوج فِي ذَات يَده" ١.
وَفِي هَذَا يَقُول مُحَمَّد نور سُوَيْد: "للْمَرْأَة دورٌ تاريخي فِي حَيَاة المجتمعات فقد تنْتج ولدا مصلحًا للمجتمع يَقُود الْأمة إِلَى الْخَيْر وَالْقُوَّة"٢.
وَلَكِن كَيفَ نربي بناتنا ونعدهن لهَذِهِ المهمة الْكُبْرَى؟ الْجَواب بِلَا شكّ أَنه بِاتِّبَاع هدي النَّبِي ﷺ فِي تربية بَنَاته ﵅.
_________
١مُتَّفق عَلَيْهِ، أخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه (٩/٦٣٨ مَعَ فتح الْبَارِي) كتاب النَّفَقَات بَاب حفظ الْمَرْأَة زَوجهَا فِي ذَات يَده -ح٥٣٦٥، وَمُسلم فِي صَحِيحه (٤/١٩٥٨) كتاب فَضَائِل الصَّحَابَة - ح٢٥٢٧
٢مُحَمَّد نور سُوَيْد (مَنْهَج التربية النَّبَوِيَّة للطفل) مكتبة الْمنَار الإسلامية، الكويت، ط٢، ١٤٠٨هـ، ص٢٨
1 / 381
وفِي هَذَا الْبَحْث سَوف يتَنَاوَل الباحث الحَدِيث عَن جَوَانِب من هدي النَّبِي –ﷺ فِي تَرْبِيَته لبنَاته –﵅ لَعَلَّ الْقَارئ يجد فِيهِ الْفَائِدَة والعون على تربية بَنَاته.
وَقد تضمن الْبَحْث الموضوعات التالية:
أَولا: (التَّعْرِيف بالبحث) ويشتمل على مَا يَلِي:
١- هدف الْبَحْث.
٢- أهمية الْبَحْث.
٣- سَبَب اخْتِيَار الْبَحْث.
٤- حُدُود الْبَحْث.
٥- مَنْهَج الْبَحْث.
٦- مصطلحات الْبَحْث.
ثَانِيًا: الدراسات السَّابِقَة.
ثَالِثا: الإطار النظري.
رَابِعا: تربية النَّبِي –ﷺ لبنَاته فِي مرحلة الطفولة.
خَامِسًا: رِعَايَة النَّبِي –ﷺ لبنَاته فِي مرحلة الصِّبَا.
سادسًا: تَزْوِيج النَّبِي –ﷺ لبنَاته.
سابعًا: رِعَايَة النَّبِي –ﷺ لبنَاته بعد الزواج.
ـ نتائج الْبَحْث.
ـ التوصيات.
ـ المراجع.
1 / 382
أَولا – التَّعْرِيف بالبحث:
١- هدف الْبَحْث:
يهدف الْبَحْث إِلَى التَّعْرِيف بجوانب من هدي النَّبِي –ﷺ فِي تربية الْبَنَات من خلال تتبع منهجه –ﷺ فِي تربية بَنَاته ﵅
٢- أهمية الْبَحْث:
سَوف يعين الْبَحْث –إِن شَاءَ الله– الْآبَاء والأمهات على تربية بناتهم وفقًا للهدي النبويّ، والْوَالِدَان فِي حَاجَة دائمة إِلَى مَا يعينهم ويرشدهم فِي تربية أبنائهم وبناتهم.
وَهُنَاكَ الْكثير الَّذِي كُتب عَن تربية الْأَوْلَاد سَوَاء الْمُؤلف مِنْهُ، أَو المترجم ولكننا بحاجة ماسَّة إِلَى الْقِرَاءَة، والتدبر فِي سيرة النَّبِي –ﷺ والاستفادة مِنْهَا وَاتِّبَاع مَا جَاءَ فِيهَا فِي جَمِيع شؤوننا حَتَّى لَا نتخبط وتفترق بِنَا السبل.
٣- سَبَب اخْتِيَار الْبَحْث:
كثيرا مَا يعْتَرض الْآبَاء والأمهات بعض المشاكل فِي تربية الْأَبْنَاء فيقف الْوَالِدَان أَحْيَانًا موقف الحائر بحثا عَن أنجح الأساليب التربوية الَّتِي تعينهم على تخطي هَذِه المشكلة، والْحل قريب مِنْهُم جدا إِنَّه فِي اتِّبَاع هدى النَّبِي –ﷺ فِي التربية بل فِي كَافَّة الْأُمُور.
وَقد اخْتَار الباحث الْكِتَابَة عَن تربية الْبَنَات؛ لِأَن النَّبِي –ﷺ كَانَ أَبَا لبنات، رباهن طيلة حَيَاته، وعاش مَعَهُنَّ لَحْظَة لَحْظَة فِي جَمِيع مراحل حياتهن من الْولادَة إِلَى الْوَفَاة فَكل أَوْلَاده توفى قبله إِلَّا فَاطِمَة –﵂ فَإِنَّهَا تَأَخَّرت بعده بِسِتَّة أشهر١.
_________
١ابْن الْقيم، (زَاد الْمعَاد فِي هدي خير الْعباد) ١/١٠٤، تَحْقِيق شُعَيْب وَعبد الْقَادِر الأرنؤوط، مؤسسة الرسَالَة، بيروت، ط١٦،١٤٠٨هـ.
1 / 383
٤- حُدُود الْبَحْث:
سَوف يتَنَاوَل الْبَحْث الحَدِيث عَن جَوَانِب من هدي النَّبِي –ﷺ فِي تَرْبِيَته لبنَاته مُنْذُ مولدهن إِلَى وفاتهن على النَّحْو التَّالِي:
ـ جَوَانِب من رعايته –ﷺ لبنَاته فِي مرحلة الطفولة.
ـ جَوَانِب من رعايته –ﷺ لبنَاته فِي مرحلة الصِّبَا.
ـ جَوَانِب من هَدْيه –ﷺ فِي تَزْوِيج بَنَاته.
ـ جَوَانِب من هَدْيه –ﷺ فِي رعايته لبنَاته بعد الزواج.
٥- مَنْهَج الْبَحْث:
سَوف يتبع الباحث الْمنْهَج التاريخي فِي التعرف على جَوَانِب من هدي النَّبِي –ﷺ فِي تَرْبِيَته لبنَاته –﵅ ومحاولة استنباط الْفَوَائِد التربوية مِمَّا كتب عَن سيرة بَنَات النَّبِي –ﷺ وَالتَّعْلِيق عَلَيْهَا، وَبَيَان تطبيقاتها التربوية.
٦- مصطلحات الْبَحْث:
الهَدِيُّ: الطَّرِيقَة يُقَال مَا أحسن هَدِيَّةَ فلَان وهَدْيَهُ أَي طَرِيقَته ١.
تربية: كلمة مُشْتَقَّة من (الرب) الرَّاء وَالْبَاء المضعفة وتَعْنِي رَبَّاه وأحسَنَ الْقيام عَلَيْهِ جَاءَ فِي لِسَان الْعَرَب رَبَّ ولَدَه والصَّبِيَّ يَرِبَّه بِمَعْنى رَبَّاه وأحسَنَ الْقيام عَلَيْهِ حَتَّى
_________
١الرَّاغِب الْأَصْفَهَانِي، (الْمُفْردَات فِي غَرِيب الْقُرْآن)، دَار الْمعرفَة للطباعة والنشر، بيروت لبنان، ص٥٤٢ أنظر مَادَّة هدى.
1 / 384
يُفَارق الطفُّوُلِيةَ سَوَاء كَانَ ابْنه أَو لم يكن، والصَّبي مَرْبُوبٌ ورَبِيبٌ١
ويقْصد بالتربية فِي هَذَا الْبَحْث طرق الرِّعَايَة والتنشئة من الطفولة حَتَّى الْكبر.
مرحلة الطفولة: هِيَ مرحلة من مراحل عمر الْإِنْسَان تبدأ من سنّ سنتَيْن حَتَّى قرب سنّ الْبلُوغ وَقسمهَا بعض عُلَمَاء التربية إِلَى أَقسَام هِيَ٢:
الطفولة المبكرة من ٢-٦ سنوات.
الطفولة المتوسطة من ٦-٩سنوات.
الطفولة الْمُتَأَخِّرَة من ٩-١٢ سنة.
وَفِي هَذَا الْبَحْث يقْصد بهَا المرحلة من الْعُمر من الْولادَة إِلَى قبيل التَّكْلِيف وَتحمل المسؤولية.
مرحلة الصِّبَا: وَهِي المرحلة من الْعُمر الَّتِي تعقب مرحلة الطفولة وتعرف عِنْد عُلَمَاء التربية بالمراهقة "الَّتِي تَعْنِي التدرج نَحْو النضج البدني، والجنسي والعقلي، والانفعالي، والاجتماعي"٣
_________
١انْظُر (لِسَان الْعَرَب لِابْنِ مَنْظُور) دَار صادر، بيروت، ١٤١٢هـ، ج١، ص٢٦، مَادَّة ربب.
٢حَامِد عبد السَّلَام زهران (علم نفس النمو) عَالم الْكتب، الْقَاهِرَة، ط٤، ١٩٨٢م، ص١٦١
٣ انْظُر مُحَمَّد مصطفى زَيْدَانَ (مُعْجم المصطلحات النفسية والتربوية) دَار الشروق، جدة، ط٢،١٤٠٤هـ، ص٣١٣.
ثَانِيًا: الدراسات السَّابِقَة: مُعظم الأبحاث الَّتِي كُتبت فِي تربية الْأَوْلَاد تحدثت عَن تربية الْوَلَد وَالْبِنْت على حد سَوَاء، وَلم ينْفَرد بِالْحَدِيثِ عَن تربية الْبَنَات إلاَّ الْقَلِيل جدا ولابأس فِي ذَلِك لِأَن الْبِنْت وَالْولد أَمَانَة لَدَى الْوَالِدين وسوف يسألان عَنْهُمَا يَوْم
ثَانِيًا: الدراسات السَّابِقَة: مُعظم الأبحاث الَّتِي كُتبت فِي تربية الْأَوْلَاد تحدثت عَن تربية الْوَلَد وَالْبِنْت على حد سَوَاء، وَلم ينْفَرد بِالْحَدِيثِ عَن تربية الْبَنَات إلاَّ الْقَلِيل جدا ولابأس فِي ذَلِك لِأَن الْبِنْت وَالْولد أَمَانَة لَدَى الْوَالِدين وسوف يسألان عَنْهُمَا يَوْم
1 / 385
الْقِيَامَة؛ لذا أوجب عَلَيْهِمَا الْإِسْلَام الاهتمام بذريتهما ذُكُورا وإناثًا وتربيتهم على الْأَخْلَاق الفاضلة يَقُول الإِمَام ابْن الْقيم – ﵀: "وَمِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ الطِّفْل غَايَة الِاحْتِيَاج الاعتناء بِأَمْر خُلقه، فَإِنَّهُ ينشأ عَمَّا عوّده المربي فِي صغره من حر وَغَضب ولجاج وعجلة وخفة مَعَ هَوَاهُ، وطيش وحدة وجشع، فيصعب عَلَيْهِ فِي كبره تلافي ذَلِك، وَتصير هَذِه الْأَخْلَاق صِفَات وهيئات راسخة لَهُ، فَلَو تحرز مِنْهَا غَايَة التَّحَرُّز فضحته ولابد يَوْمًا مَا، وَلِهَذَا تَجِد أَكثر النَّاس منحرفة أَخْلَاقهم وَذَلِكَ من قبل التربية الَّتِي نَشأ عَلَيْهَا"١.
وفِيمَا يَلِي يستعرض الباحث بعض الدراسات السَّابِقَة الَّتِي اسْتَفَادَ مِنْهَا وَيبين كَيفَ تلتقي هَذِه الدراسات ببحثه:
١ـ بحث بعنوان: (الْبِنْت الْمسلمَة بَين الْوَاقِع والتشريع) ٢.
يرى الباحث أَن الحَدِيث عَن الْمَرْأَة لَا يَنْتَهِي وَأَن هُنَاكَ من يثيره من فَتْرَة إِلَى أُخْرَى، وَأَن النظرة لهَذَا الْمَوْضُوع مُتعَدِّدَة الاتجاهات:
الاتجاه الأول: ينظر إِلَى مَوْضُوع الْمَرْأَة نظرة شَرْعِيَّة وفقًا لما جَاءَ فِي الْكتاب وَالسّنة فَهُوَ يحكم الْوَحْي الإلهي وَيعْتَبر مَا خَالفه فَسَادًا وخسرانًا مُبينًا للبشرية الرجل وَالْمَرْأَة على حد السوَاء.
الاتجاه الثَّانِي: يحكم فِي الْمَرْأَة الْعَادة وَيعْتَبر اتِّبَاع هَذِه الْعَادَات والتقاليد الموروثة وَلَاء للسابقين.
الاتجاه الثَّالِث: هُوَ الاتجاه الَّذِي انبهر بالحضارة المادية فِي كل شيىء فَأَصْبَحت الْمَرْأَة تعيش فِيهِ حَيَاة غربية.
وعالج الباحث مَوْضُوع الْمَرْأَة بِالْحَدِيثِ عَن الْبِنْت بِذكر بعض المسلمات
_________
١شمس الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، (تحفة المودود بِأَحْكَام الْمَوْلُود) دَار الْكتاب الْعَرَبِيّ، بيروت، ط١،١٣٩٩هص١٨٧.
٢مُحَمَّد الْمُخْتَار السلَامِي (الْبِنْت الْمسلمَة بَين الْوَاقِع والتشريع)، بحث منشور مقدم لملتقى الندوة الإسلامية الْمُسلمُونَ فِي عَالم الْيَوْم، الدَّار التونسية للنشر.
1 / 386
عَنْهَا وَهِي: أَن الْبِنْت إِنْسَان كالذكر فِي إنسانيتها وَأَن الشَّرْع جَاءَ ليخاطب الذّكر وَالْأُنْثَى على حد السوَاء، وَأَن احترامها كإنسان يُوجب علينا الْعِنَايَة بهَا فِي مراحل الطفولة وَالصبَا عناية شَامِلَة لجَمِيع الجوانب الجسمية، والخلقية، والفكرية.
ثمَّ بيَّن الباحث حَال الْمَرْأَة قبل الْإِسْلَام كَيفَ أَنَّهَا سلبت جَمِيع حُقُوقهَا بل وصل الْحَال بالعرب قبل الْإِسْلَام بدفنها حَيَّة خشيَة الْعَار، وَلما جَاءَ الْإِسْلَام غير النظرة إِلَى الْمَرْأَة وَحفظ لَهَا حُقُوقهَا فِي: الْإِرْث قَالَ تَعَالَى: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ ١.
ومنحها حق الْمُوَافقَة على الزَّوْج الَّذِي سَوف ترتبط بِهِ، وَوضع الْإِسْلَام الْولَايَة بيد وَليهَا بِدُونِ تعسف أَو تسلط فمهمة الْوَلِيّ مساعدتها على حسن الِاخْتِيَار وَلَيْسَ لَهُ الْحق فِي قسرها على الزواج بِمن لَا ترْضى أَن تقترن بِهِ، بل تستأذن قبل الزواج حَتَّى تُقَام أسرتها على أساس سليم قوي.
وَفرض عَلَيْهَا الْإِسْلَام الْحجاب وأمرها بالعفة والستر. وبيّن حَال بعض النِّسَاء من ترك للحجاب وَالْقَبُول بِمَا ارْتَضَاهُ الغرب للْمَرْأَة من أَن تكون أَدَاة للإغراء ووسيلة لتسويق السّلع.
ويري الباحث أَن السَّبِيل الوحيد إِلَى صِيَانة الْبِنْت وحفظها: هُوَ التَّمَسُّك بِالدّينِ وتطبيقه فِي جَمِيع جَوَانِب الْحَيَاة.
وَهَذِه الدراسة تتفق مَعَ الدراسة الحالية فِي بَيَان أهمية التَّمَسُّك بدين الله، وتربية الْبَنَات وفقًا لما أَرَادَ الله ﷿، وَجَاء بِهِ نَبينَا مُحَمَّد –ﷺ، وَأَن تُمنح الْبِنْت جَمِيع حُقُوقهَا الَّتِي كفلها لَهَا الْإِسْلَام.
_________
١ سُورَة النِّسَاء: آيَة ٧
1 / 387
٢ـ بحث بعنوان: (دور الْأُم فِي تربية الطِّفْل الْمُسلم) ١.
بدأت الباحثة الحَدِيث عَن حَال الْمَرْأَة فِي العصور السَّابِقَة لِلْإِسْلَامِ وَكَيف أَنَّهَا كَانَت: عِنْد الهنود لَا شيىء يذكر وَأَن أَحْقَر الْأَشْيَاء أفضل مِنْهَا، وَفِي شَرِيعَة حمورابي كَانَت الْمَرْأَة تعد من الْمَاشِيَة، وَعند اليونانيين أعلن أرسطو أَنه لَيْسَ لَدَيْهَا اسْتِعْدَادًا عقليًا يُعتز بِهِ، وَفِي الْيَهُودِيَّة المحرفة اعْتبرت الْمَرْأَة فِي أَيَّام الْحيض نَجِسَة تحبس فِي الْبَيْت، وَبَالغ رجال الْكَنِيسَة فِي إهدار شَأْنهَا والحط من قيمتهَا وَحملُوهَا مسئولية خراب المجتمعات وانتشار الْفَوَاحِش والمنكرات، وَفِي الْجَاهِلِيَّة الْعَرَبيَّة اعْتبرت الْمَرْأَة من سقط الْمَتَاع الَّذِي يُورث وَكَانَت تدفن حَيَّة؛ خشيَة الْعَار ثمَّ بيّنت الباحثة مكانة الْمَرْأَة الَّتِي خصها بهَا الْإِسْلَام.
وَفِي الْفَصْل الرَّابِع من هَذِه الرسَالَة تحدثت الباحثة عَن طَريقَة الْأُم فِي تربية الطِّفْل الْمُسلم، وَأَن مسئولية التربية فِي مرحلة الطفولة المبكرة تقع على الْأُم فَهِيَ المسؤولة عَن نظافته النَّظَافَة الَّتِي تريح أعصابه وتوفر لَهُ الِاسْتِقْرَار النَّفْسِيّ، وَأَنَّهَا قدوة متحركة فِي أرجاء الْبَيْت فَهِيَ بسلوكها وَحسن خلقهَا تجْعَل أطفالها ينشئون على خِصَال الْخَيْر كالصدق وَالْأَمَانَة فعلَيْهَا تقع مسئولية عَظِيمَة فِي ذَلِك، إِذْ أَن علاقتها تزداد قُوَّة وتنمو يَوْمًا بعد يَوْم مَعَ طفلها الَّذِي يَعْتَبِرهَا الشَّخْص الوحيد فِي حَيَاته الَّذِي يتعامل مَعَه لَا سِيمَا فِي سنواته الأولى.
وَهَذِه الدراسة تتفق مَعَ الدراسة الحالية فِي التَّأْكِيد على أَن الْإِسْلَام حفظ للْمَرْأَة حُقُوقهَا، وَأَن دور الْأُم فِي التربية دور هام وبالذات فِي مرحلة الطفولة المبكرة، وَأَنَّهَا قدوة لأولادها فلابد أَن تكون قدوة حَسَنَة.
٣ - دراسة بعنوان: (مسؤولية الْأَب الْمُسلم فِي تربية الْوَلَد فِي مرحلة
_________
١خيرية حُسَيْن طه صابر (دور الْأُم فِي تربية الطِّفْل الْمُسلم) رِسَالَة ماجستير، جَامِعَة أم الْقرى، نشر دَار الْمُجْتَمع للنشر والتوزيع،١٤٠٥هـ
1 / 388
الطفولة)
هَذِه الرسَالَة نافعة تَضَمَّنت الْكثير من مبادئ التربية الإسلامية، فِي المبحث الْخَامِس مِنْهَا تكلم الباحث عَن دور الْأُم فِي التربية وَأَن لَهَا وَظِيفَة هَامة فِي التربية بِالنِّسْبَةِ للطفل الصَّغِير خَاصَّة، وأَن بناءها الجسمي والنفسي مُهَيَّأ لتحمل أعباء التربية والحضانة والاعتناء بالطفل، فَلَا يَسْتَطِيع الرجل أَن يسد مَكَان الْأُم ودورها فِي التربية، لِأَن دورها لَا يقْتَصر فَقَط على الْعِنَايَة بمأكله، ومشربه، وملبسه بل أَن دورها الْأَكْبَر والأعظم هُوَ ذَلِك الْحبّ المتدفق من قَلبهَا على الْوَلَد، وَذَلِكَ الحنان الَّذِي يشْعر الْوَلَد فِيهِ بالأمن والسعادة فينمو بدنه وعقله وَنَفسه نموًا متكاملًا.
وَهَذَا مَا أكدته الدراسة الحالية من أَن بَنَات النَّبِي –ﷺ حظين بحب وَعطف ورعاية أمهن أم الْمُؤمنِينَ خَدِيجَة بنت خويلد-﵂ فنشئن نشأة متميزة؛ نظرا لما اتصفت بِهِ أمهن خَدِيجَة من حِكْمَة ورجاحة عقل.
_________
(مسؤولية الْأَب الْمُسلم فِي تربية الْوَلَد فِي مرحلة الطفولة) رِسَالَة ماجستير، جَامِعَة أم الْقرى، تخصص تربية إسلامية، عَام ١٤٠٩هـ، من منشورات دَار الْمُجْتَمع للنشر والتوزيع، ط٤، ١٤١٤هـ.
1 / 389
٤ - مقالات فِي تربية الْبَنَات:
أ – مكانة الْبَنَات١.
بيّن الْكَاتِب كَيفَ كَانَ حَال الْبِنْت قبل الْإِسْلَام وَأَنَّهَا كَانَت تعْتَبر نوعا من الْبلَاء الَّذِي يسْتَحق التَّخَلُّص مِنْهُ فَكَانُوا يَقُولُونَ: "دفن الْبَنَات من المكرمات"، ثمَّ تحدث عَمَّا كَانَت تَلقاهُ الْمَرْأَة من سوء الْمُعَامَلَة بِسَبَب إنجاب الْبَنَات فقد تهجر ويُغضب عَلَيْهَا لَا لشييء إلاّ لِأَنَّهَا أنجبت بِنْتا فقد حدث أَن أَبَا حَمْزَة الضَّبِّيّ هجر زَوجته لِأَنَّهَا ولدت بِنْتا ثمَّ مر ذَات يَوْم على بَيتهَا فَسَمعَهَا تنشد لبنتها وَتقول:
مَا لأبي حَمْزَة لَا يأتينا
...
يظل فِي الْبَيْت الَّذِي يلينا
غَضْبَان أَلا نَلِد البنينا
...
تا الله مَا ذَلِك فِي أَيْدِينَا
وَإِنَّمَا نَأْخُذ مَا أعطينا
...
وَنحن كَا لأرض لزارعينا
وَقد تَغَيَّرت هَذِه النظرة فِي الْإِسْلَام فحثَّ على حسن رِعَايَة الْبِنْت وتربيتها ووعد من يحسن إِلَيْهَا بِالْخَيرِ الْكثير وَالثَّوَاب الجزيل من الله –كَمَا ورد فِي مُقَدّمَة الْبَحْث-
وأجمل الْكَاتِب التعاليم الإسلامية فِي تربية الْبَنَات فِيمَا يَلِي:
١- أَن يحسن الْإِنْسَان تربية الْبِنْت وتأديبها وَتَعْلِيمهَا.
٢- أَن ينْفق عَلَيْهَا وَيُؤَدِّي إِلَيْهَا حُقُوقهَا.
٣- أَن لَا يفضل عَلَيْهَا أحدا من الْبَنِينَ.
٤- أَن يُلَاحظ رقتها فَلَا يخشن مَعهَا فِي الْمُعَامَلَة.
٥- أَن يحسن اخْتِيَار الزَّوْج لَهَا حَتَّى يسعدها.
٦- أَن لَا يرغمها على التَّزَوُّج بِمن تكرههُ.
٧- أَن يوّدها ويصلها بعد الزواج.
_________
١أَحْمد الشرباصي (مكانة الْبَنَات) مجلة لِوَاء الْإِسْلَام، الْعدَد (١٨) السّنة (٢٠)، ربيع الآخر ١٣٨٦هـ ص٥٤١.
1 / 390
وَهَذَا الْمقَال يُؤَيّد مَا توصل إِلَيْهِ الباحث من أَنه يجب الْإِحْسَان إِلَى الْبِنْت بِحسن التربية وَالرِّعَايَة، وَاخْتِيَار الزَّوْج الْكُفْء لَهَا، وَأَن لَا يُرغمها وَليهَا على الزواج بِمن تكره وَأَن يوّدها والدها بعد الزواج.
ب- مقَال بعنوان: (كَيفَ نربي بناتنا على الْحجاب؟) ١:
يهدف هَذَا الْمقَال إِلَى وضع أسلوب عَمَلي يَجْعَل الْبِنْت ترتدي الْحجاب عَن رَغْبَة طَمَعا فِي طَاعَة الله ﷿ وثواب الْآخِرَة وَلَيْسَ لبسه لعادة اجتماعية فَقَط.
ويري الْكَاتِب أَن الأسلوب الأمثل فِي تربية الْبِنْت على الْحجاب هُوَ تعويدها مُنْذُ الصغر (قبل الْبلُوغ) على لبسه قِيَاسا على أَمر النَّبِي –ﷺ بِأَمْر الْأَوْلَاد بِالصَّلَاةِ وهم أَبنَاء سبع سِنِين؛ لِأَن الطفولة الْمُتَأَخِّرَة من سنّ (٧-١١) سنة تسمى مرحلة الطفولة الهادئة فِيهَا يتَقَبَّل الطِّفْل من وَالِديهِ. أما عِنْدَمَا يدْخلُونَ مرحلة الْبلُوغ والمراهقة فَإِنَّهُم يبحثون عَن مثل أَعلَى خَارج الْبَيْت ويجدونه غَالِبا فِي مَجْمُوعَة الرفاق فِي الْمدرسَة.
ثمَّ تكلم عَن وَسَائِل غرس فَضِيلَة الْحجاب وَهِي:
١- أَن تُلقن الْبِنْت مُنْذُ سنّ الرَّابِعَة أَو الْخَامِسَة حب الله ﷿ وَحب رَسُوله –ﷺ، وَوُجُوب طَاعَة الله وَطَاعَة رَسُوله –ﷺ رَغْبَة فِي الْأجر وَالثَّوَاب. وَكَذَلِكَ حب الْوَالِدين وَوُجُوب طاعتهما طَمَعا فِي ثَوَاب الله فَقَط وجنته، ولقص الْقَصَص عَلَيْهِنَّ أثر ممتاز فِي غرس هَذِه الْقيم فِي نفوسهن.
٢- أَن يُعوّد الْوَالِدين الْأَطْفَال على ستر الْعَوْرَة مُنْذُ الرَّابِعَة من الْعُمر.
٣- أَن تُؤمر الطفلة مُنْذُ الْخَامِسَة من عمرها على تَغْطِيَة شعرهَا كلما خرجت من الْبَيْت كي تعتاد على ذَلِك.
_________
١خَالِد أَحْمد الشنتوت، (كَيفَ نربي بناتنا على الْحجاب)، (مجلة منار الْإِسْلَام) وزارة الْعدْل والشؤون الإسلامية والأوقاف، الإمارات، الْعدَد (٣) السّنة (١٦) ربيع الأول ١٤١هـ.
1 / 391
٤- أَن ترغب الْبِنْت فِي الْحجاب مُنْذُ السَّادِسَة ثمَّ تُؤمر بالحجاب الْكَامِل فِي السَّابِعَة.
٥- أَن تُعوّد الطفلة مُنْذُ السَّابِعَة كَذَلِك على عدم الِاخْتِلَاط بالذكور من غير محارمها، وَأفضل وَسِيلَة لذَلِك كُله الْقدْوَة الْحَسَنَة من أمهَا وَأُخْتهَا الْكُبْرَى، وتمنع من الِاخْتِلَاط مَعَ أقاربها الذُّكُور كأبناء الْخَالَة وَأَبْنَاء الْعم وَغَيرهم.
٦- أَن تلقن الْبِنْت مُنْذُ السَّابِعَة من عمرها آيَات الْحجاب، وَكَذَلِكَ الْأَحَادِيث الشَّرِيفَة الْوَارِدَة فِي الْحجاب وَيبين لَهَا مضار التبرج والاختلاط.
وأكد فِي نِهَايَة الْمقَال على أهمية التربية الإسلامية للْبِنْت لِأَنَّهَا الخطوة الأساسية فِي بِنَاء الْمُجْتَمع السَّلِيم.
ويلتقي هَذَا الْمقَال مَعَ الْبَحْث الحالي فِي أهمية أَن تكون الْأُم، وَالْأُخْت الْكُبْرَى قدوة للْبِنْت. فقد كَانَت أم الْمُؤمنِينَ خَدِيجَة بنت خويلد –﵂– قدوة لبناتها، وَكَانَت ابْنَتهَا الْكُبْرَى زَيْنَب –﵂– قدوة لأخواتها. وَمَا يؤكده الْكَاتِب فِي نِهَايَة مقاله هُوَ مَا يؤكده الباحث فِي هَذَا الْبَحْث من أَن التربية الإسلامية للْبِنْت هِيَ الخطوة الأساسية فِي بِنَاء الْمُجْتَمع السَّلِيم، وَأَن هَذِه التربية تبدأ من الصغر حَتَّى تعتاد عَلَيْهَا الْبِنْت.
1 / 392
ثَالِثا - الإطار النظري للبحث:
أجمع المؤرخون أَن للنَّبِي –ﷺ أَربع بَنَات كُلهنَّ أدركن الْإِسْلَام، وهاجرن هن: (فَاطِمَة ﵍: ولدت قبل النُّبُوَّة بِخمْس سِنِين، وَزَيْنَب تزَوجهَا الْعَاصِ بن الرّبيع ﵁، ورقية وَأم كُلْثُوم تزوجهما عُثْمَان بن عَفَّان –﵁ تزوج أم كُلْثُوم بعد رقية) ١.
وَفِي هَذَا يَقُول الشَّاعِر:
أولادهُ القاسمُ وهوَ يكنى
...
بهِ وَعبد الله هدىُ الأبنا
والطاهرُ الطّيب فاسمُ الثَّانِي
...
وقيلَ بلْ سواهُ أخوانِ
مَاتُوا صغَارًا لم يرواْ نبوَّة
...
وزينبُ فاطمةُ رقية
وأمُّ كلثومَ وكلهمْ ولدْ
...
خديجةٍ وبعدهمْ لهُ ولدْ
آخرا إبراهيمُ من سَرِيَّة
...
وتلكمُ ماريةُ الْقبْطِيَّة
وكلهمْ قدْ ماتَ فِي حَيَاته
...
إلاّ البتولَ فَإلَى وفاتهِ٢
والْحِكْمَة من أَن النَّبِي –ﷺ أَبَا للبنات –الله أعلم بهَا- ويرجعها الْبَعْض لأسباب مِنْهَا: أَن الْبِنْت فِي عُرف الْعَرَب قبل الْإِسْلَام عَار يسْتَحق الدّفن حَيا قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ
_________
١جمال الدّين أبي الْفرج الْجَوْزِيّ، (صفة الصفوة) دَار الوعي، حلب، ط١، ١٣٨٩هـ، ج١،ص١٤٨
٢مُحَمَّد بن الْحَاج حسن الآلاني الْكرْدِي (رفع الخفا شرح ذَات الشفا) تَحْقِيق حمدي عبد الْمجِيد السلَفِي، وصابر مُحَمَّد سعد الله الزيباري، ج٢،عَالم الْكتب. ط١،١٤٠٧، ص١٦- ١٩.
1 / 393
الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ ١.
جَاءَ فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة: بِأَن الكظيم هُوَ الكئيب من الْهم، ويمسكه على هون: أَي يبْقى الْبِنْت مهانة لَا يُورثهَا وَلَا يعتني بهَا ويفضل أَوْلَاده الذُّكُور عَلَيْهَا٢.
فشاء الله أَن يكون النَّبِي مُحَمَّد ﷺ أَبَا لبنات ليَكُون الْقدْوَة للْمُؤْمِنين فِيمَا يَنْبَغِي للْبِنْت من حُقُوق ومكانة لائقة أقرها لَهَا الدّين الإسلامي الحنيف.
فأبوة الرَّسُول –ﷺ لبنَاته حَدثا جَدِيدا فِي حَيَاة الْمَرْأَة، وَفِي هَذَا قَالَ عمر بن الْخطاب – ﵁ –: "وَالله إِن كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّة مَا نعد للنِّسَاء أمرا حَتَّى أنزل الله فِيهِنَّ مَا أنزل وَقسم لَهُنَّ مَا قسم" ٣.
وَمِنْهَا أَيْضا -وَالله أعلم- (حَتَّى يكون النَّبِي –ﷺ بَعيدا عَن تُهْمَة الاستنصار بِالْوَلَدِ، والاعتماد عَلَيْهِ) ٤ كَمَا هِيَ عَادَة الْعَرَب فِي ذَلِك الْوَقْت. بل أَن مَا جَاءَ بِهِ من دين نُشر فِي الأَرْض لِأَنَّهُ هُوَ الْحق وَلَا حق سواهُ، وَالْحق دَائِما أظهر وَأقوى.
وَقد كَانَ الْعَرَبِيّ فِي الْجَاهِلِيَّة يترقب الْأَوْلَاد للوقوف إِلَى جَانِبه ومساندته، والدفاع عَن الْحَوْزَة وحماية الْبَيْضَة، أما الْبِنْت فَكَانَ التخوف من عارها يحملهم على كراهتها٥ حَتَّى بعث الله نَبينَا مُحَمَّد –ﷺ بِالدّينِ الإسلامي خَاتم الْأَدْيَان
_________
١ سُورَة النَّحْل: آيَة ٥٩.
٢ ابْن كثير (تَفْسِير الْقُرْآن الْعَظِيم) دَار الْمعرفَة، بيروت، ط١،١٤٠٦هـ، ج٢،ص٥٩٤
٣ مُتَّفق عَلَيْهِ، أخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه (٨/٨٤٩ مَعَ فتح الْبَارِي) كتاب التَّفْسِير بَاب تبتغي مرضاة أَزوَاجك –ح٤٩١٣، وَمُسلم فِي صَحِيحه (٢/١١٠٨) كتاب الطَّلَاق –ح١٤٧٩.
٤ بنت الشاطئ، (تراجم سيدات بَيت النُّبُوَّة)، دَار الْكتاب الْعَرَبِيّ، بيروت، ط٣، ص ٤٨٧، بِتَصَرُّف، ١٤٠٢هـ
٥عطيه مُحَمَّد سَالم (وَصَايَا الرَّسُول ﷺ مكتبة دَار التراث للنشر والتوزيع ص٣٤٧، ط٣،١٤١١هـ.
1 / 394
الَّذِي ارْتَضَاهُ الله ﷿ لِعِبَادِهِ قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ ١ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾ ٢.
فحفظ الْإِسْلَام للْبِنْت حُقُوقهَا وأنزلها الْمنزلَة اللائقة بهَا ووعد من يرعاها وَيحسن إِلَيْهَا بِالْأَجْرِ الجزيل وَجعل حسن تربيتها ورعايتها وَالنَّفقَة عَلَيْهَا سَبَب من الْأَسْبَاب الموصلة إِلَى رضوَان الله وجنته، جَاءَ فِي الحَدِيث عَن أنس بن مَالك ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُول الله –ﷺ: "من عَال جارتين حَتَّى تبلغا جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة أَنا وَهُوَ كهاتين وَضم أَصَابِعه" ٣.
يُلَاحظ فِي هَذَا الحَدِيث أَن النَّبِي –ﷺ ضم أَصَابِعه، وَلم يفرق بَينهمَا كِنَايَة عَن شدَّة قرب من عَال جارتين من الرَّسُول –ﷺ فِي الْجنَّة. وَفِي الحَدِيث الآخر عَن عَائِشَة –﵂ – قَالَت: "دخلت علىّ امْرَأَة وَمَعَهَا ابنتان لَهَا تسْأَل، فَلم تَجِد عِنْدِي شَيْئا غير تَمْرَة وَاحِدَة، فأعطيتها إِيَّاهَا فقسمتها بَين ابنتيها وَلم تَأْكُل مِنْهَا، ثمَّ قَامَت فَخرجت، فَدخل النَّبِي –ﷺ علينا، فَأَخْبَرته فَقَالَ: "من ابْتُلِيَ من هَذِه الْبَنَات بِشَيْء فَأحْسن إلَيْهِنَّ كن لَهُ سترا م ن النَّار" ٤
أَي حِجَابا ووقاية من النَّار.
أيُّ فضل أعظم من هَذَا الْفضل؟
وأيُّ أجر أعظم من هَذَا الْأجر؟.
_________
١سُورَة آل عمرَان: آيَة ٨٥
٢سُورَة الْمَائِدَة: آيَة ٣
٣أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه (٤/٢٠٢٨) كتاب الْبر والصلة والآداب –ح٢٦٣١
٤ مُتَّفق عَلَيْهِ، أخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه (١٠/٥٢٢ مَعَ فتح الْبَارِي) كتاب الْأَدَب، بَاب رَحْمَة الْوَلَد وَتَقْبِيله ومعانقته –ح٥٩٩٥، وَمُسلم فِي صَحِيحه (٤/٢٠٢٧) كتاب الْبر والصلة والآداب –ح٢٦٢٩.
1 / 395
وعَلى الرغم من هَذَا الْأجر الْعَظِيم الْوَارِد فِي فضل تربية الْبَنَات وَالْإِحْسَان إلَيْهِنَّ إلاَّ أَن هُنَاكَ من النَّاس من لَا يُسر لمولد الْبِنْت –وَالْعِيَاذ بِاللَّه- فَيظْهر الهمَّ والحزن! وَمَا هَذَا إِلَّا جهل وَاعْتِرَاض على قدر الله، وَالْبَعْض يفرط وَيقصر فِي تربية وتوجيه بَنَاته وَلم يرعهن الرِّعَايَة الْمَطْلُوبَة مِنْهُ.
وَلَو أَن الْإِنْسَان تفقه فِي دين الله ووقف عِنْد حُدُوده واقتفى أثر الرَّسُول –ﷺ فِي كل أَمر من أُمُور حَيَاته لعاش مطمئنًا مرتاح البال قرير الْعين، ولعرف كَيفَ يعبد ربه، وَكَيف يتعامل مَعَ إخوانه، وَأَهله، وَزَوجته، وَكَيف يُربي أَوْلَاده فَالْحَمْد لله أَنه مَا من خير إلاَّ ودلنا ديننَا الإسلامي الحنيف عَلَيْهِ وَمَا من شَرّ إلاَّ وحذرنا مِنْهُ.
رَابِعا: تربية النَّبِي –ﷺ لبنَاته فِي مرحلة الطفولة: من هَدْيه –ﷺ فِي تربية بَنَاته فِي مرحلة الطفولة أَنه كَانَ يُسَّر ويفرح لمولد بَنَاته ﵅ فقد سُرَّ واستبشر –ﷺ لمولد ابْنَته فَاطِمَة ﵂ وَقَالَ لما بشر بهَا: "رَيْحَانَة أشمها وَرِزْقهَا على الله" ١ وتوسم فِيهَا الْبركَة واليمن، فسماها فَاطِمَة، ولقبها بـ (الزهراء) وَكَانَت تكنى أم أَبِيهَا٢. وَفِي هَذَا درس عَظِيم من دروس السِّيرَة النَّبَوِيَّة بِأَن من رزق الْبَنَات وَإِن كثر عددهن عَلَيْهِ أَن يظْهر الْفَرح وَالسُّرُور ويشكر الله ﷾ على مَا وهبه من الذُّرِّيَّة، وَأَن يعزم على حسن تربيتها، وتأديبها، وعلى تَزْوِيجهَا بالكفء "التقي" صَاحب _________ ١ أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبدربه الأندلس، (تَأْدِيب الناشئين بأدب الدُّنْيَا وَالدّين) تَحْقِيق مُحَمَّد إيراهيم سليم، مكتبة الْقُرْآن للنشر والتوزيع، الْقَاهِرَة، ص١٢٢ ٢ انْظُر (سير أَعْلَام النبلاء) (٢/١١٨)، مؤسسة الرسَالَة، بيروت، ط١،١٤٠١هـ، تَحْقِيق شُعَيْب الأرنؤط.
رَابِعا: تربية النَّبِي –ﷺ لبنَاته فِي مرحلة الطفولة: من هَدْيه –ﷺ فِي تربية بَنَاته فِي مرحلة الطفولة أَنه كَانَ يُسَّر ويفرح لمولد بَنَاته ﵅ فقد سُرَّ واستبشر –ﷺ لمولد ابْنَته فَاطِمَة ﵂ وَقَالَ لما بشر بهَا: "رَيْحَانَة أشمها وَرِزْقهَا على الله" ١ وتوسم فِيهَا الْبركَة واليمن، فسماها فَاطِمَة، ولقبها بـ (الزهراء) وَكَانَت تكنى أم أَبِيهَا٢. وَفِي هَذَا درس عَظِيم من دروس السِّيرَة النَّبَوِيَّة بِأَن من رزق الْبَنَات وَإِن كثر عددهن عَلَيْهِ أَن يظْهر الْفَرح وَالسُّرُور ويشكر الله ﷾ على مَا وهبه من الذُّرِّيَّة، وَأَن يعزم على حسن تربيتها، وتأديبها، وعلى تَزْوِيجهَا بالكفء "التقي" صَاحب _________ ١ أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبدربه الأندلس، (تَأْدِيب الناشئين بأدب الدُّنْيَا وَالدّين) تَحْقِيق مُحَمَّد إيراهيم سليم، مكتبة الْقُرْآن للنشر والتوزيع، الْقَاهِرَة، ص١٢٢ ٢ انْظُر (سير أَعْلَام النبلاء) (٢/١١٨)، مؤسسة الرسَالَة، بيروت، ط١،١٤٠١هـ، تَحْقِيق شُعَيْب الأرنؤط.
1 / 396
الدّين حَتَّى يظفر بِالْأَجْرِ الجزيل من الله. ففاطمة –﵂– كَانَت الْبِنْت الرَّابِعَة للنَّبِي–ﷺ، وهِيَ أَصْغَر ذريتة –ﷺ-١.
وَفِي مرحلة الطفولة يلْزم على الْأَبَوَيْنِ الاهتمام بالطفل وتوفير كَافَّة الاحتياجات الْخَاصَّة بِهَذِهِ المرحلة، الْحَاجَات الجسمية والنفسية؛ وبالذات الْأُم فعلَيْهَا تقع المسؤولية الْكُبْرَى فِي رِعَايَة أَوْلَادهَا فِي مرحلة الطفولة فهم أَكثر مَا يكونُونَ التصاقًا بهَا وَقد حرصت أم الْمُؤمنِينَ خَدِيجَة بنت خويلد –﵂– على تربية ورعاية أَوْلَادهَا مُنْذُ ولادتهم (وَكَانَت إِذا ولدت ولدا دَفعته إِلَى من يرضعه) ٢ فِي الْبَادِيَة حَتَّى ينشئوا على الفصاحة والشجاعة كَمَا كَانَت عَادَة قُرَيْش. لَا كَمَا يَفْعَله بعض الْأُمَّهَات فِي زَمَاننَا من دفع أَوْلَادهم إِلَى الخادمات والمربيات الْأَمر الَّذِي قد يحصل مَعَه خلل فِي عقيدة الطِّفْل وسلوكه.
وَفِي هَذِه المرحلة –مرحلة الطفولة- يجب على الْأَبَوَيْنِ أَن يلقنا الْبِنْت مبادئ الْإِسْلَام، والعقيدة الصَّحِيحَة، وتلاوة الْقُرْآن الْكَرِيم، وَالصَّلَاة، والتعوّد على لبس الْحجاب حَتَّى تنشأ الْبِنْت على ذَلِك مُنْذُ نعومة أظفارها.
_________
١ انْظُر (الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة) لِابْنِ كثير،٥/٢٦٧ تَحْقِيق أَحْمد أَبُو ملحم وَآخَرُونَ، دَار الْكتب العلمية، بيروت، ط١،١٤١٥هـ.
٢ الْمصدر السَّابِق، ص ٥/٢٦٧.
1 / 397
خَامِسًا: رِعَايَة النَّبِي –ﷺ لبنَاته فِي مرحلة الصِّبَا:
وَإِذا كَبرت الْبِنْت قَلِيلا وَجب على والديها أَن يعلماها حُقُوق الله ﷾، وَحُقُوق الْوَالِدين، وَحُقُوق الآخرين وَحسن الْخلق وَحسن التَّصَرُّف فِي شَتَّى الْأُمُور، وعَلى الْمُحَافظَة على لبس الْحجاب والتستر والبعد عَن أعين الرِّجَال١ حَتَّى تنشأ الْبِنْت على التربية الإسلامية الصَّحِيحَة تعرف مَا يجب لَهَا وَمَا يجب عَلَيْهَا.
مَعَ الْأَخْذ فِي عين الِاعْتِبَار إعدادها لما هُوَ منتظر مِنْهَا من دور هام فِي الْحَيَاة بِأَن تكون زَوْجَة صَالِحَة، وَأما حانية تربي أَوْلَادهَا وتعدهم لِأَن يَكُونُوا صالحين مصلحين؛ "لِأَن للْمَرْأَة الْمسلمَة أثرا كَبِيرا فِي حَيَاة كل مُسلم، فَهِيَ الْمدرسَة الأولى فِي بِنَاء الْمُجْتَمع الصَّالح، وخاصة إِذا كَانَت هَذِه الْمَرْأَة تسير على هدى من كتاب الله فِي كل شيىء"٢.
وَإِذا قربت الْبِنْت من سنّ الْبلُوغ (التَّكْلِيف) يجب أَن تدرب على أَن تكون زَوْجَة، وَأما وَهَذِه هِيَ سنة الله فِي خلقه وعَلى الْأُم تقع مسؤولية ذَلِك، فقد بادرت أم الْمُؤمنِينَ خَدِيجَة بنت خويلد –﵂– بتمرين ابْنَتهَا الْكُبْرَى زَيْنَب –﵂– عِنْدَمَا كَبرت على الْمُشَاركَة فِي أَعمال الْبَيْت والتدريب على الأمومة فَكَانَت (زَيْنَب) لشقيقتها الصُّغْرَى فَاطِمَة أما صَغِيرَة ترعى شؤونها
_________
١يحرم على الْمَرْأَة أَن تتبرج وَأَن تبدي زينتها لغير ذِي محرم أنظر كَلَام سماحة الشَّيْخ عبد الْعَزِيز ابْن باز فِي حكم السفور والحجاب (مجلة البحوث الإسلامية) الرِّئَاسَة الْعَامَّة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض، الْعدَد ١٤،ص١٥.
٢ عبد الْعَزِيز بن باز (مجلة البحوث الإسلامية) الرِّئَاسَة الْعَامَّة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض، الْعدَد ١٧، ص ٣٥٩ (أثر الْمَرْأَة فِي حَيَاة الشَّيْخ ابْن باز) .
1 / 398
وتمضى فراغها فِي ملاعبتها١.
وَلَقَد صدق الْقَائِل: (إِن الفتاة المتعلمة المهذبة فَخر لأَهْلهَا وَعون لبعلها، وَكَمَال لبنيها، أَهلهَا بهَا يفتخرون، وَأَوْلَادهَا بهَا يسعدون، وَمن ذَا الَّذِي لَا يسرّ فُؤَاده بابنته الأديبة الَّتِي تدبر الْأُمُور المعاشية بالمعرفة، وتدير الْحَرَكَة المنزلية بالحكمة، ويجد فِي مجالستها أنيسًا عَاقِلا وسميرًا كَامِلا) ٢.
_________
١ بنت الشاطئ (مرجع سَابق) ص٤٨٩.
٢ جمال الدّين القاسمي الدِّمَشْقِي (جَوَامِع الْآدَاب فِي أَخْلَاق الإنجاب)، مكتبة الثقافة الدِّينِيَّة، ب ت، ٤٣-٤٤.
سادسًا – تَزْوِيج النَّبِي –ﷺ لبنَاته: الزواج سنة من سنَن الله فِي خلقه، وَأمر مَرْغُوب فِيهِ حثَّ إِلَيْهِ ديننَا الحنيف ودعى إِلَيْهِ قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ ٣ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ﴾ ٤. والزواج من سنة الرَّسُول –ﷺ جَاءَ فِي الحَدِيث الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن أنس بن مَالك ﵁ قَالَ: "جَاءَ ثَلَاثَة رَهْط إِلَى بيُوت أَزوَاج النَّبِي –ﷺ، يسْأَلُون عَن عبَادَة النَّبِي –ﷺ فَلَمَّا أُخبروا كَأَنَّهُمْ تقالوها، فَقَالُوا: "وَأَيْنَ نَحن من النَّبِي –ﷺ؟ قد غفر الله لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر"، قَالَ أحدهم: "أما أَنا فَإِنِّي أُصلي اللَّيْل أبدا"، وَقَالَ آخر: "أَنا أَصوم الدَّهْر وَلَا أفطر"، وَقَالَ آخر: "أَنا أعتزل النِّسَاء فَلَا أَتزوّج أبدا"، فجَاء رَسُول الله –ﷺ فَقَالَ: "أَنْتُم الَّذين _________ ٣ سُورَة الرّوم: آيَة٢١ ٤ سُورَة النَّحْل: آيَة ٧٢
سادسًا – تَزْوِيج النَّبِي –ﷺ لبنَاته: الزواج سنة من سنَن الله فِي خلقه، وَأمر مَرْغُوب فِيهِ حثَّ إِلَيْهِ ديننَا الحنيف ودعى إِلَيْهِ قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ ٣ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ﴾ ٤. والزواج من سنة الرَّسُول –ﷺ جَاءَ فِي الحَدِيث الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن أنس بن مَالك ﵁ قَالَ: "جَاءَ ثَلَاثَة رَهْط إِلَى بيُوت أَزوَاج النَّبِي –ﷺ، يسْأَلُون عَن عبَادَة النَّبِي –ﷺ فَلَمَّا أُخبروا كَأَنَّهُمْ تقالوها، فَقَالُوا: "وَأَيْنَ نَحن من النَّبِي –ﷺ؟ قد غفر الله لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر"، قَالَ أحدهم: "أما أَنا فَإِنِّي أُصلي اللَّيْل أبدا"، وَقَالَ آخر: "أَنا أَصوم الدَّهْر وَلَا أفطر"، وَقَالَ آخر: "أَنا أعتزل النِّسَاء فَلَا أَتزوّج أبدا"، فجَاء رَسُول الله –ﷺ فَقَالَ: "أَنْتُم الَّذين _________ ٣ سُورَة الرّوم: آيَة٢١ ٤ سُورَة النَّحْل: آيَة ٧٢
1 / 399
قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أما وَالله إِنِّي لأخشاكم لله وأتقاكم لَهُ، لكني أَصوم وَأفْطر، وأصلى وأرقد، وأتزوج النِّسَاء، فَمن رغب عَن سنتي فَلَيْسَ مني" ١
وامتثالًا لأمر الله ﷿ وَأمر رَسُوله –ﷺ يجب على الْأَب أَن يُزَوّج بَنَاته ولَا يعضلهن ويمنعهن من الزواج لأي سَبَب من الْأَسْبَاب فَوَاجِب الْأَب أَن يُزَوّج ابْنَته وَأَن يخْتَار لَهَا الْكُفْء من الرِّجَال والكفء مَعْرُوف هُوَ صَاحب الدّين والخلق قَالَ النَّبِي –ﷺ– "إِذا أَتَاكُم من ترْضونَ خلقه وَدينه فَزَوجُوهُ، إِن لَا تَفعلُوا تكن فتْنَة فِي الأَرْض وَفَسَاد عريض" ٢.
وَقد زوج النَّبِي –ﷺ جَمِيع بَنَاته من خيرة الرِّجَال: فزوج زَيْنَب –﵂ من أبي الْعَاصِ بن الرّبيع الْقرشِي ﵁ وَهُوَ ابْن خَالَتهَا هَالة بنت خويلد وَأَبُو الْعَاصِ كَانَ من رجال مَكَّة الْمَعْدُودين مَالا، وَأَمَانَة، وتجارة ٣.
وَقد أثنى النَّبِي –ﷺ على أبي الْعَاصِ بن الرّبيع فِي مصاهرته خيرا وَقَالَ: "حَدثنِي فصدقني، ووعدني فوفى لي" وَكَانَ قد وعد النَّبِي أَن يرجع إِلَى مَكَّة، بعد وقْعَة بدر، فيبعث إِلَيْهِ بِزَيْنَب ابْنَته، فوفى بوعده، وفارقها مَعَ شدَّة حبه لَهَا٤.
_________
١تفق عَلَيْهِ، أخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه (٩/١٢٩ مَعَ فتح الْبَارِي) كتاب النِّكَاح، بَاب التَّرْغِيب فِي النِّكَاح –ح٥٠٦٣، وَاللَّفْظ لَهُ وَمُسلم فِي صَحِيحه (٢/١٠٢٠) كتاب النِّكَاح –ح ١٤٠١
٢أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي سنَنه (٣/٣٩٤) كتاب النِّكَاح، بَاب إِذا جَاءَكُم من ترْضونَ دينه فَزَوجُوهُ، ح١٤٠٨
٣ ابْن كثير (الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة) ٣/٣١٢.
٤ انْظُر سير أَعْلَام النبلاء (١/٦٠) .
1 / 400