ولا تقرأ لتعارض وتجادل، ولا لتسلم وتستسلم، ولا لتطرق بابا من أبواب الأحاديث والأقاويل؛ ولكن لتزن وتفكر وتعيد النظر فيما قرأت.
ومن الكتب ما يذاق، ومنها ما يزدرد، ومنها - وهو أقلها - ما يمضغ ويهضم.
وفحوى ذلك بعبارة أخرى أن بعض الكتب يتصفحه القارئ جزءا من هنا وجزءا من هناك، وبعضها يتصفحها القارئ بغير اشتياق أو عناية، وبعضها يستوعبه القارئ جميعا بما في وسعه من جلد ومثابرة وانتباه.
كذلك من الكتب ما تنيب عنك غيرك في الإلمام بمضامينه، واقتباس شواهده ومختاراته، وهي من الكتب المرجوحة في القيمة والمرتبة الفكرية. وما زال من دأب الكتب المستقطرة أن تشبه السوائل المستقطرة التي لا طعم لها ولا نكهة.
إن المطالعة تنشئ الرجل المتمم، والمشاورة تنشئ الرجل المستعد، والكتابة تنشئ الرجل المحكم؛ ولهذا يحتاج الرجل إلى ذاكرة كبيرة إذا كان قليل الكتابة، وإلى بديهة حاضرة إذا كان قليل المشاورة، وإلى حيلة كبيرة إذا كان قليل القراءة، فيتسنى له أن يبدي من العلم والمعرفة ما ليس لديه. •••
والقراء يقتبسون الحكمة من التواريخ، والفطنة من الأشعار، والدقة من الرياضيات، والعمق والرصانة والخلق والمنطق، وقوة المعارضة من الفلسفة الطبيعية والعلوم التجريبية.
وما من عقبة في التفكير إلا وفي وسعك أن ترفعها، وتذللها بمعالجة الدراسة شأن الفكر في ذلك شأن الجسد، إذ يعالج النقص فيه بالرياضة والتمرين، فتعالج العروق والمفاصل بكرة المضارب، وتعالج الرئة والصدر بالرماية، وتعالج المعدة بالسير الرفيق، ويعالج الرأس بالركوب، إلى أشباه ذلك من ضروب العلاج بالرياضة والتمرين.
وعلى هذا النسق يعالج شرود الذهن بالرياضيات؛ لأن المشتغل بالرياضة يضطر إلى البدء من أول المسألة إذا شرد ذهنه ولو لمحة قصيرة.
كما يعالج العجز عن التفرقة بين الأشياء بمتابعة الفطاحل المتبحرين من علماء الكلام؛ لأنهم يشقون نقير الحبة شقين!
وكذلك يعالج ضعف الاستدلال واستحضار الأمثلة والشواهد بدراسة قضايا المحامين، وقس على ذلك كل قصور في الذهن، فهو ميسور العلاج برياضة ذهنية من هذا القبيل.
نامعلوم صفحہ