ونحسب أننا ننصف الرجل بلسانه، ولا نستطيع أن نجمل القول في رسالته بأصدق ولا أوجز من إجماله حين قال: إنه كالصورة التي تهدي إلى الطريق ولكنها لا تسلكه، وإنه كمن ينفخ في البوق للمناضلين، ولا يقتحم ميادين النضال.
باكون الأديب
هل يعد باكون من أدباء اللغة الإنجليزية؟ قد أجبنا عن هذا السؤال بعض الجواب في صدد الكلام عن رسالته الفكرية.
أما هو فإذا سألناه رأيه فلا شك أنه يسلك نفسه في عداد العلماء والحكماء، بل في عداد الساسة والفقهاء، قبل أن يخطر له الدخول باسمه وعمله في زمرة الأدباء، وأكبر الظن أنه كان يأبى أن يحسب من أدباء اللغة الإنجليزية خاصة؛ لأنه كان على سنة علماء عصره يعول في الكتابة الرفيعة على اللغات القديمة، كاللاتينية واليونانية، دون «هذه اللغات الحديثة» التي تعرض العقل للإفلاس كما قال! وبلغ من سوء ظنه بمصير ما يكتب في هذه اللغات الحديثة أنه عني بترجمة مقالاته إلى اللاتينية، واعتقد أن هذه الترجمة هي التي تبقى له في سجل الأدب الخالد ما خلدت كتابة بين الناس ... فنسيت الترجمة اللاتينية بعد أعوام، وبقيت المقالات الإنجليزية وحدها عمادا لشهرته الأدبية بين جميع ما كتب من أسفار وفصول ومقطوعات.
ورأي باكون في كتاباته - أو في حقها من الشهرة - مثل من الأمثلة الكثيرة على تلك الحقيقة المتواترة التي لا شك فيها، وهي أن الكاتب أو الشاعر ليس بالحجة في نقد نفسه، وإن كان حجة في نقد غيره، فلو كان الكتاب والشعراء لا يستحقون الشهرة إلا بما قدروه وتمنوه لكان أكثر النابهين اليوم من الخاملين المنسيين.
فعلى خلاف رأي باكون في مقالاته يعد ولا جدال من كبار الأدباء الناثرين باللغة الإنجليزية، ولا سيما مقالاته التي ظهرت منقحة في طبعاتها الأخيرة.
ولقد أوشك بعض النقاد أن يرفعوه إلى منزلة ليس يعلوها مكان في عالم الكتابة الإنسانية؛ لأنهم زعموا أنه هو صاحب روايات شكسبير أو صاحب كل ما ينسب إلى شكسبير من منظوم ومنثور، ومن كان كذلك فقد تعدى قدره مرتبة الخلاف على حسبانه من أدباء اللغة الإنجليزية، وأصبح وحده الأديب الأول غير مدافع بين الشعراء والكتاب في جميع اللغات.
أول من زعم هذا الزعم العجيب كان قسا إنجليزيا من أبناء وارويكشاير
Warwickshire
في أواخر القرن الثامن عشر، حوالي سنة 1785 يدعى جيمس ويلموت
نامعلوم صفحہ