69
أصحيح أنك فعلت ما يرويه صديقك الحميم عنك، فتركت من لجأت إليك لتدعوك إلى إتمام واجبك تخرج من بابك هاربة فازعة إلى الضلال منك، حاملة في دمها قطرات دمك، وفي أنفاسها لهاث أنفاسك ... أصحيح أنك تركتها وبدلًا من أن تلحق بها لتقف دونها ودون الانتحار، ارتميت على فراشك تنتحب كالأطفال؟ ... أصحيح إنك رأيت جرمك مائلًا أمامك بهذه الصورة المخوفة، ولم تتحرك لرد ما سلبته الفتاة المسكينة ونفسك الأشد مسكنة؟ " (١) وليس فليكس فارس في هذه النظرة إلا رمزًا لتلك الموجة العاتية المستنكرة التي كانت تريد نعيمه أن كتب أمثولة أخلاقية عن جبران يستر فيها العيوب، وإن كانت حقيقة، لأنه لا يجوز أن نصور الرجل الذي وقف قلمه للدفاع عن الخير والفضيلة، غارقًا في حياة كلها قبح وشر. وتعود المشكلة من جديد في صورة ثورة على الصراحة، وذكر العيوب أو تصور الإنسان في حدود إنسانيته من نواحيها المختلفة، ومن اجل هذه الشجاعة والصراحة نستطيع أن نقول إن نعيمه قد حقق ما يعجز عنه غيره، حين واجه الناس بما ينفرون منه دون رياء أو مواربة، فوضع في السيرة العربية، ما وضعه ستراتشي في السيرة الإنجليزية، وأدى للفن شيئًا أسمى بكثير من الدرس التعليمي أو الأنموذج الجامد، وخلق إنسانًا تام الخلق، ولم يخلق مثالًا أو تمثالًا.

(١) رسالة المنبر: ١٧٣ - ١٧٤.

1 / 71