فتنہ کبریٰ علی و بنوہ
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
اصناف
ولكن هذه الرواية الشاذة لا تستقيم، فلو قد قال عمرو كما قال أبو موسى: إنهما اتفقا على خلع الرجلين جميعا، لما عاد أهل الشام مسلمين على معاوية بالخلافة، وفيهم عمرو نفسه. ولما قبل كثير من أهل العراق إمرة علي بعد أن خلعه الحكمان اللذان ارتضاهما وأعطاهما العهد على نفسه بأن ينفذا حكمهما، ولكان من الطبيعي أن يضطرب الأمر أشد الاضطراب في مكة والمدينة، فهؤلاء قوم أعطوا على أنفسهم عهدا ليسمعن لحكم الحكمين إن لم يجورا، ثم هم ينقضون ما أعطوا من العهد ويسيرون سيرة جاهلية، فكيف يرضى عن ذلك من اعتزل الناس من أخيار الصحابة ومن بايعوا عليا من خيارهم أيضا؟!
وليس لهذه الرواية معنى إلا أنها تتهم الأمة كلها بإيثار المنفعة الخاصة واتباع الهوى والمخالفة عن أمر الله عز وجل حين قال:
وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون * ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون .
وليس من المعقول أن تجتمع الأمة كلها على نقض العهد وإيثار الضلالة على الهدى، والغدر على الوفاء، ولكن أحد الحكمين - وهو عمرو - خدع صاحبه وهو أبو موسى، ولم يكن أبو موسى مغفلا كما قال المؤرخون، ولو كان مغفلا لما اختاره عمر لولاية الأمصار، ولما اختاره أهل الكوفة لولاية مصرهم حين ظهرت الفتنة واشتدت أيام عثمان، ولكنه كان رجلا تقيا ورعا سمح النفس، رضي الخلق، يظن أن المسلمين - ولا سيما الذين صحبوا النبي منهم خاصة - أرفع مكانة في أنفسهم وفي دينهم من أن ينزلوا إلى الغدر، فأخلف ظنه عمرو، ولا أكثر من ذلك ولا أقل، وهو من أجل ذلك فر بدينه إلى مكة، فاعتزل فيها مجاورا نادما على أنه لم يسمع لابن عباس. وعاد الوفد من أهل العراق إلى علي فنبأوه بما كان، ولعل النبأ كان قد سبقهم إليه في الكوفة، فلم يدهش لذلك كأنه كان يتوقعه، وإنما ذكر تحذيره لأصحابه في صفين حين رفعوا المصاحف، فقال لهم: «إن القوم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن.»
وقد حنق الصالحون من أهل الكوفة على هذا الغدر وأصحابه وجعلوا يستعدون للقتال، وأخفى الماكرون من طلاب الدنيا مكرهم وجعلوا يظهرون الاستعداد للحرب كغيرهم من الناس، ولكن الخوارج حالوا بين علي وبين أن ينهض بأصحابه إلى الشام.
الفصل السابع والعشرون
وقد خطب علي أصحابه بعد أن أتاه أمر الحكمين، فقال فيما روى البلاذري: الحمد لله وإن أتى الدهر بالخطب الفادح والحدث الجليل، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، أما بعد، فإن معصية الناصح الشفيق المجرب تورث الحسرة وتعقب الندم، وقد كنت أمرتكم في هذين الرجلين وهذه الحكومة بأمري ونخلت لكم رأيي لو يطاع لقصير رأي، ولكنكم أبيتم إلا ما أردتم، فكنت وإياكم كما قال أخو هوازن:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى
فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد
ألا إن الرجلين اللذين اخترتموهما حكمين قد نبذا حكم الكتاب وراء ظهورهما وارتأيا الرأي من قبل أنفسهما، فأماتا ما أحيا القرآن وأحييا ما أمات القرآن، ثم اختانا في حكمهما فكلاهما لم يرشد ولم يسدد، فبرئ الله منهما ورسوله وصالح المؤمنين، فاستعدوا للجهاد وتأهبوا للمسير وأصبحوا في معسكركم يوم الإثنين إن شاء الله.
نامعلوم صفحہ