فتنہ کبریٰ علی و بنوہ
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
اصناف
وكان علي وأصحابه - وهم كثرة المسلمين - يرون أن معاوية وأصحابه قد بغوا، وقد أسفر علي إلى معاوية ومن معه من أهل الشام فردوا سفراءه، وأبوا أن يكون بينه وبينهم إلا السيف، ثم سبق معاوية وأصحابه إلى الماء فآثروا به أنفسهم وأرادوا تظمأ علي وأصحابه، فاقتتل الفريقان على الماء حتى خلص لعلي، ثم أذن لمعاوية وأصحابه أن يردوا وأن يشربوا، فهاتان طائفتان من المؤمنين قد اقتتلوا.
ثم أرسل علي سفراءه إلى معاوية يعرضون عليه أن يدخل في الطاعة وألا يفرق المسلمين، فلم يجدوا عنده خيرا، فاقتتلوا أياما ثم توادعوا شهر المحرم، وحاول علي وأصحابه الصلح فلم يجدوا من أهل الشام استجابة إليه، فاقتتلوا في صفر، وكان يجب أن يمضوا في القتال بحكم الآية الكريمة حتى يفيء معاوية وأهل الشام إلى أمر الله، وحينئذ تكف عنهم الحرب ويرفع عنهم السيف ويصبحون لخصمهم أولئك إخوانا، ويجب الإصلاح بين الأخوين.
وقد كاد جيش علي أن يظفر بالطائفة الباغية ويضطرها إلى أن تفيء إلى أمر الله، ولكن المصاحف ترفع، وإذا الحرب تكف، وإذا القوم يدخلون في حكومة غامضة مبهمة لا حظ لها من وضوح أو جلاء، فلم يخطئ الذين قالوا: «لا حكم إلا لله.» إذن، وحكم الله هو أن يستمر القتال حتى يخضع معاوية وأصحابه، وليس أدل على ذلك من أن عليا نفسه - وهو الإمام - أبى أن ينخدع برفع المصاحف وقال: إن معاوية ورهطه الأدنين ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، وإنما هم يكيدون ويخادعون ويتقون حر السيف. فقد كان الإمام إذن يرى ألا حكم إلا لله، وأن السبيل إلى حكم الله هو القتال حتى يذعن أهل الشام، ولكن كثرة أصحابه لم تذهب مذهبه واستكرهته على غير ما أحب، فكانت هذه الحكومة.
إلى هنا يظهر في غير لبس أن الذين حكموا لم يخطئوا وإنما التزموا أمر القرآن والتزموا رأي الإمام أيضا، ويقال إنهم ألحوا عليه في أن يمضي بهم في القتال حتى ينفذ حكم الله، ولكن عليا رآهم قلة قليلة، ورأى أنه إن قبل مشورتهم أوقعهم بين عدوهم من أهل الشام وأصحابهم من أهل العراق، فألقى بأيديهم إلى التهلكة؛ ولذلك أبى عليهم وجعل يرفق بهم ويهدئهم، ويدعوهم إلى اختيار ما فيه لهم ولأصحابهم العافية.
وهنا يبدأ خطأ هؤلاء الذين حكموا، كانوا على صواب حتى شاوروا الإمام فنصح لهم واستأنى بهم وأمرهم بالقصد، وهم ليسوا أعلم بالقرآن من علي ولا أحفظ منه للسنة ولا أبصر منه بالمصلحة، وقد ينبغي أن يترك للإمام شيء من حرية يمضي به الأمر بين رعيته، فهذه كثرة أصحابه تطالبه بالسلم والحكومة، وهذه قلة أصحابه تطالبه بالحرب ورفض الحكومة، وأولئك وهؤلاء يركبون رءوسهم ويغلون فيما يذهبون إليه، وليس للإمام خيار إلا أن يمضي مع الكثرة إلى السلم والحكومة، والأمل في صلح يحقن الدم ويجمع الشمل، أو يمضي مع القلة إلى الحرب واليأس المبير. وقد آثر المضي مع الكثرة، فكان على القلة أن تؤثر ما آثرت محتفظة برأيها منتظرة مع الإمام، فإن كان الصلح المقنع فذاك، وإن لم يكن رجعت الكثرة إلى رأي القلة وعادوا جميعا إلى الحرب.
ولكن كلا الفريقين من الكثرة والقلة أبى أن يتبع إلا رأيه، وانحاز علي إلى الكثرة كارها، ولم يمض يومان على كتابة الصحيفة، أنفقهما القوم في دفن القتلى حتى أذن مؤذن علي في أصحابه بالرحيل عن صفين، فرجعوا إلى الكوفة شر مرجع. خرجوا منها أشد ما يكونون مودة وإلفا وتصافيا، وعادوا إليها أشد ما يكونون موجدة وفرقة واختلافا، يتشاتمون ويتضاربون بالسياط، تقول القلة للكثرة: خالفتم أمر الدين، وانحرفتم عن حكم القرآن، وحكمتم الرجال فيما لا حكم فيه إلا لله. وتقول الكثرة للقلة: خالفتم الإمام وفرقتم الجماعة وابتغيتموها عوجا.
ثم لم يدخلوا الكوفة جميعا كما خرجوا منها جميعا، وإنما انحازت المحكمة إلى حروراء فاعتزلوا فيها، وكانوا ألوفا يصل بها المكثرون إلى اثني عشر ألفا، ويهبط بها المقللون إلى ستة آلاف، وقد اعتزلوا في حروراء فنسبوا إليها، وأذن مؤذنهم ألا إن على الحرب شبث بن ربعي التميمي، وعلى الصلاة عبد الله بن الكواء اليشكري، والبيعة لله عز وجل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومنذ ذلك اليوم نشأ في الإسلام حزب جديد كان له في تاريخه أثر بعيد، ودخل علي الكوفة منقلبه من صفين كما دخلها منقلبه من البصرة، فلم ير في مدخله هذا كما لم ير في مدخله ذاك فرحا بقدومه ولا ابتهاجا بلقائه، وإنما رأى في مدخله هذا كما رأى في مدخله ذاك لوعة وحسرة وبكاء، إلا أن ما رأى من ذلك بعد عودته من صفين كان أكثر كثرة وأشد نكرا، فقد كان قتلى صفين بالقياس إلى قتلى يوم الجمل أضعافا وأضعافا.
الفصل الرابع والعشرون
والغريب أن المؤرخين الذين أكثروا من ذكر ابن السوداء عبد الله بن سبأ وأصحابه حين رووا أمر الفتنة أيام عثمان، وأكثروا من ذكرهم بعد مقتل عثمان قبل أن يشخص علي من المدينة للقاء طلحة والزبير وأم المؤمنين، ثم أكثروا من ذكرهم حين كان علي يسفر إلى طلحة والزبير وأم المسلمين في الصلح، ثم زعموا أنهم أئتمروا على حين غفلة من علي وأصحابه بإنشاب القتال، ثم زعموا أنهم أنشبوا القتال فجاءة حين التقى الجمعان عند البصرة وورطوا المسلمين في شر عظيم، الغريب أن هؤلاء المؤرخين قد نسوا السبئية نسيانا تاما، أو أهملوها إهمالا كاملا حين رووا حرب صفين.
نامعلوم صفحہ