فتنہ کبریٰ علی و بنوہ
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
اصناف
وواضح أن هذه الموقعة المنكرة قد تركت في نفوس المسلمين أعمق الأثر وأبقاه، وقد كانت على ذلك كله مصدرا خصبا لخيال القصاص والشعراء، فقصوا حتى أسرفوا في القصص، وأضافوا من رائع الشعر والرجز إلى المقتتلين ما لم يقولوا إلا أقله، وهم على ذلك لم يبلغوا وصف هذه الموقعة الشنيعة البشعة، ومتى استطاع الأدب - على خصبه ونفاذه وقوته - أن يصور ما في قتال الإخوان للإخوان، وفتك الآباء بالأبناء، والأبناء بالآباء، وتجاوز هذه الحرمات التي لا يباح للناس أن يتجاوزوها، فيصيب بتصويره الغاية ويبلغ به المدى؟! وصدق من قال من أصحاب النبي حين بلغه قتل عثمان: لقد كنتم تحتلبونها لبنا؛ فلن تحتلبوها منذ اليوم إلا دما.
وقد كثر القتلى والجرحى من أولئك وهؤلاء، واختلف الرواة في إحصاء القتلى، فمنهم من بلغ بهم عشرين ألفا، ومنهم من لا يتجاوز بهم عشرة آلاف، وفي هذا الإحصاء وأمثاله إسراف كثير، ولكن الشيء الذي ليس فيه شك هو أن كثيرا جدا من دور البصرة والكوفة قد سكنها الحزن والثكل والحداد، وكان ذلك ابتداء مشئوما لخلافة كان يرجى أن تكون كلها بركة ويمنا للمسلمين.
ولكن ستة أشهر لم تمض على خلافة علي حتى جرت دماء المسلمين غزارا بأيدي المسلمين وأصبح بأسهم بينهم شديدا.
الفصل الخامس عشر
ودخل علي البصرة بعد الموقعة بثلاثة أيام، فجاء المسجد فصلى فيه وجلس للناس صدر النهار، فلما أمسى ركب لزيارة عائشة ومعه جماعة من أصحابه، فبلغ دار عبد الله بن خلف الخزاعي، وكانت أعظم دار في البصرة، ولم يكد يدخل حتى لقيته ربة الدار صفية بنت الحارث العبدرية شر لقاء، قالت له: يا علي، يا قاتل الأحبة، يا مفرق الجماعة، أيتم الله بنيك منك كما أيتمت بني عبد الله. وكان زوجها عبد الله بن خلف وأخوه عثمان قد قتلا في الموقعة، فلم يجبها علي وإنما مضى حتى دخل على عائشة، فلما جلس إليها قال: جبهتنا صفية، أما إني لم أرها منذ كانت جارية حتى اليوم. ثم أخذ معها فيما كان بينهما من حديث، فلما انصرف تلقته صفية فأعادت عليه مقالتها تلك، وأراد علي أن يسكتها عنه، فجعل يقول - وهو يشير إلى أبواب الحجرات المغلقة: لقد هممت أن أفتح هذا الباب وأقتل من وراءه، وأن أفتح هذا الباب وأقتل من وراءه. فلما سمعت صفية ذلك سكتت عنه وخلت له طريقه، وكان في تلك الحجرات كثير من الجرحى من أصحاب عائشة، آوتهم عائشة إلى هذه الدار وأمرت بتمريضهم حتى يبرءوا، وكان علي يعلم بمكانهم، ولا شك في أنه لم يكن يريد أن يقتل منهم أحدا، وإنما خوف تلك القرشية فخلت بينه وبين طريقه.
وهم بعض أصحاب علي أن يبطشوا بهذه القرشية، فزجرهم علي زجرا عنيفا، وقال: لقد كنا نؤمر بالكف عن النساء وهن مشركات، ولقد كان الرجل ينال المرأة بالضربة فيعير بذلك عقبه، فلا يبلغني أن أحدا منكم قد عرض لامرأة بسوء إن آذتكم وشتمت أمراءكم؛ فأنزل به أشد العقوبة.
ولم يكد يبعد عن الدار قليلا حتى أقبل رجل فأنبأه بأن اثنين من أهل الكوفة قاما على باب الدار فقالا لعائشة قولا غليظا، يرفعان به صوتهما لتسمعه، قال أحدهم: جزيت عنا أمنا عقوقا. وقال الآخر: يا أمنا توبي؛ لقد خطئت.
فأرسل علي من جاءه بالرجلين وبمن كان معهما من الرجال، فلما تثبت أنهما قالا مقالتهما تلك أمر بقتلهما بادي الرأي، ثم خفف العقوبة، فأمر بأن يضرب كل واحد منهما مائة سوط.
وسار علي في أهل البصرة سيرة الرجل الكريم الذي يقدر فيعفو ويملك فيسجح، وكان يقول: سرت في أهل البصرة سيرة رسول الله
صلى الله عليه وسلم
نامعلوم صفحہ