فصل فی ملل

ابن حزم d. 456 AH
71

فصل فی ملل

الفصل في الملل والأهواء والنحل

ناشر

مكتبة الخانجي

پبلشر کا مقام

القاهرة

غير هَذَا الْمَكَان على البراهمة فِي كتَابنَا هَذَا بِمَا يَكْفِي وَقد رددنا الْكَلَام أَيْضا فِي بَيَان بُطْلَانه فِي غير مَا مَوضِع من كتَابنَا وَفِي بَاب الْكَلَام على من أبطل الْقدر من الْمُعْتَزلَة فِي كتَابنَا هَذَا وَالْحَمْد الله رب الْعَالمين وَيَكْفِي من بطلَان هَذَا الأَصْل الْفَاسِد أَن يُقَال لَهُم إِن طردتم هَذَا الأَصْل وَقَعْتُمْ فِي مثل مَا أنكرتم وَلَا فرق وَهُوَ أَن الْحَكِيم الْعدْل الرَّحِيم على أصلكم لَا يخلق من يعرضه للمعصية حَتَّى يحْتَاج إِلَى إفساده بِالْعَذَابِ بعد إِصْلَاحه وَقد كَانَ قَادِرًا على أَن يطهر كل نفس خلقهَا وَلَا يعرضهَا للفتن ويلطف بهَا ألطافًا فيصلحها بهَا حَتَّى تسْتَحقّ كلهَا إحسانه وَالْخُلُود فِي النَّعيم وَمَا كَانَ ذَلِك ينقص شَيْئا من ملكه فَإِن كَانَ عَاجِزا عَن ذَلِك فَهَذِهِ صفة نقص وَيلْزم حاملها أَن يكون من أجل نَقصه مُحدثا مخلوقًا فَإِن طردوا هَذَا الأَصْل خَرجُوا إِلَى قَول المانوية فِي أَن للأشياء فاعلين وَقد تقدم إبطالنا لقَولهم وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَبينا أَن الَّذِي لَا آمُر فَوْقه وَلَا مُرَتّب عَلَيْهِ فَإِن كل مَا يَفْعَله فَهُوَ حق وَحِكْمَة وَإِذ قد تعلق هَؤُلَاءِ الْقَوْم بالشريعة أَن كل قَول لم يَأْتِ عَن نَبِي تِلْكَ الشَّرِيعَة فَهُوَ كذب وفرية فَإذْ لم يَأْتِ عَن أحد من الْأَنْبِيَاء ﵈ القَوْل بتناسخ الْأَرْوَاح فقد صَار قَوْلهم بِهِ خرافة وكذبًا وباطلًا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق فصل فِي الْكَلَام على من أنكر الشَّرَائِع من المنتمين إِلَى الفلسفة بزعمهم وهم أبعد النَّاس عَن الْعلم بهَا جملَة قَالَ أَبُو مُحَمَّد ﵁ نبين فِي هَذَا الْفَصْل بحول الله تَعَالَى وقوته وجوب صِحَة الشَّرَائِع على مَا توجبه أصُول الفلاسفة على الْحَقِيقَة أَوَّلهمْ عَن آخِرهم على اخْتِلَاف أَقْوَالهم فِي غير ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَالَ أَبُو مُحَمَّد ﵁ الفلسفة على الْحَقِيقَة إِنَّمَا مَعْنَاهَا وثمرتها وَالْغَرَض الْمَقْصُود نَحوه بتعلمها لَيْسَ هُوَ شَيْئا غير إصْلَاح النَّفس بِأَن تسْتَعْمل فِي دنياها الْفَضَائِل وَحسن السِّيرَة المؤدية إِلَى سلامتها فِي الْمعَاد وَحسن السياسة للمنزل والرعية وَهَذَا نَفسه لَا غَيره هُوَ الْغَرَض فِي الشَّرِيعَة هَذَا مَا لَا خلاف فِيهِ بَين أحد من الْعلمَاء بالفلسفة وَلَا بَين أحد من الْعلمَاء بالشريعة فَيُقَال لمن انْتَمَى إِلَى الفلسفة بِزَعْمِهِ وَهُوَ يُنكر الشَّرِيعَة بجهله على الْحَقِيقَة بمعاني الفلسفة وَبعده عَن الْوُقُوف على غرضها وَمَعْنَاهَا أليست الفلسفة بِإِجْمَاع من الفلاسفة مبينَة للفضائل من الرذائل موقفة على الْبَرَاهِين المفرقة بَين الْحق وَالْبَاطِل فَلَا بُد من نعم وضرورة فَيُقَال لَهُ أَلَيْسَ الفلاسفة كلهم قد قَالُوا صَلَاح الْعَالم بشيئين أَحدهمَا بَاطِن وَالْآخر ظاهرفالباطن هُوَ اسْتِعْمَال النَّفس للشرائع الزاجرة عَن تظالم النَّاس وَعَن القبائح وَالظَّاهِر هُوَ التحصين بالأسوار واتخاذ السِّلَاح لدفع الْعَدو الَّذِي يُرِيد ظلم النَّاس والإفساد ثمَّ أضافوا إِلَى إصْلَاح النُّفُوس بِمَا ذكرنَا إصْلَاح الأجساد بالطب فَلَا بُد من نعم ضَرُورَة فَيُقَال لَهُم فَهَل صَلَاح الْعَالم وانكفاف النَّاس عَن الْقَتْل الَّذِي فِيهِ فنَاء الْحلق وَعَن الزِّنَا الَّذِي فِيهِ فَسَاد النَّسْل وحراب الْمَوَارِيث وَعَن الظُّلم الَّذِي فِيهِ الضَّرَر على الْأَنْفس وَالْأَمْوَال وحراب الأَرْض وَعَن الرذائل من

1 / 79