ثانيها: ظهور أصحاب الأهواء في واقعة النهروان إذ زعموا أنها لأجل الخروج على علي وهو إمامهم والحقيقة التي لامرية فيها أن أهل النهروان لم يخرجوا عن علي قط ولكنهم حين أبوا التحكيم وأصروا عليه جنح أبو الحسن إلى فريق التحكيم فرأى منكرو التحكيم أن البيعة لم تكن في أعناقهم بل هم في حل منها حيث أن التحكيم في شيء معناه غير ثابت الحكم وإلا فلم التحكيم؟ فاعتبروا التحكيم تنازلا من الإمام أبي الحسن عن البيعة - إذا منكرو التحكيم في حل من أمرهم فلهم الحق أن يختاروا من يشاؤون إماما لهم فاختاروا رجلا من أفضل الناس يومئذ ومن الصحابة الكرام وهو عبدالله بن وهب الراسبي الأزدي. فلما بايعوه بعثوا إلى أصحابهم يومئذ ومنهم الإمام علي أن يدخلوا في البيعة لمن اختاروه إماما.
فرأى علي بن أبي طالب أن البيعة حصلت لأزدي لا لقريشي وحاربهم قبل أن يتقوى أمرهم فتخرج الإمامة لغير قريش، وهذا هو السبب الوحيد لواقعة النهروان.
لهذا دعاهم حين ناظرهم إلى أن يحاربوا عدوهم معاوية ومن معه ولكن الأمر قد فات فقد أخذ الأمر معاوية من الحكمين: عمرو بن العاص وأبي موسى الأشعري في دومة الجندل فأصبح المسلمون في حل من أمرهم، لأن بيعة عبدالله بن وهب لم تقع إلا بعد حصول النتيجة بوقوع ما حذر منه أولوا البصائر من منكري التحكيم - وهو أن التحكيم تلاعب بالأمر تولى كبر الدعوة إليه الأشعث بن قيس الذي دس على أصحاب علي من قبل معاوية.
وليس إذا ما يزعمه محرفو التاريخ ومتعفنة المذهبية أن واقعة النهروان كانت بسبب الخروج على علي لأنهم لم يخرجوا والبيعة في أعناقهم فلينتبه المتبصر من الزلة في هذا المقام فإن الأهواء متغلغلة في أصحابها بما لا خفاء فيه.
صفحہ 8