157

فيقال له: فهذه الصبية التي نكحت إذ النكاح عند في أيدي النساء كيف حسرت على افتضاضها ونكاحها والدنو منها، فليس يخلو أمرك فيها من أن تكون أجزت نكاحها فأجز حكمها في ما فعلت من الأشياء، وإذا لم تجزه فكيف ارتكبت فرجها حراما[644]؛ إذ هي لا يجوز من فعلها في صغرها، فلما بان الحق في ذلك علمنا أن الله عز وجل لم يذكر عدتها حتى أجاز نكاحها، وإذا فعلها في نفسها لا يجوز ولا في تافه ملكها فعلمنا أن المنكح لها وليها لا هي، فصح أن عقدة النكاح للولي دونها بما حكم الله به له عليها، وفي مثل ذلك يقول الله سبحانه: {الرجال قوامون على النساء}[النساء:34] والقيام عليهن فهو الحفظ لهن والحياطة والستر والقيام بمصالحهن والدفع للظالم عنهن والإنكاح لهن بتوكيل الله لرجالهن عليهن، فإذا قد وكل الله سبحانه الرجال على النساء فكيف يجوز لهن أن يقطعن أمرا بغير إذن وكيلهن، لو أن رجلا وكله أحدكم على شيء ثم فعل فيه غيره فعلا لم يجز فعله، أولستم ترون الوصي الذي يوكله الميت على ولده وماله فلا ينفذ شيء إلا بأمره ولا يجوز فعله إلا بحكمه، فإذا كان هذا لا يجوز من أمر المخلوقين فكيف أجازوه في حكم رب العالمين والله يقول تبارك وتعالى: {الرجال قوامون على النساء}[النساء:34] فحكم سبحانه لهم بذلك عليهم وأقامهم في أمورهن وجعل النكاح في أيدي رجالهن لا في أيديهن، ومن حكم الله عز وجل أن جعل إنكاحهن في أيدي الرجال، فلولا ذلك لهتكت الحرم، وظهرت الفواحش، وبطلت الأنساب، ولادعى كل دعوى في ذلك، ولجاز له في ذلك ما أحب من الأشياء، ولما عرف زان، ولا أقيم عليه في فعله هوان وفي ذلك ما لا اختلاف فيه عند جميع الخلق وما لم يعرف من سالف الدهر من حكم الله سبحانه للرجال بإنكاح النساء، وفي ذلك ما يقول عز وجل ويخبر عن شعيب حين يقول لموسى صلى الله عليه: {إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك}[القصص:27] فلو كان عقد النكاح إلى النساء لقال إن إحدى ابنتي تريد أن تنكحك على أن تأجرني ثماني حجج، فلما قال: {إني أريد أن أنكحك}، كان عقد النكاح [645] إليه لا إليها.

ومن ذلك ما كان رسول الله صلى الله عليه يقول: ((لا تردوا الأكفاء)) يأمر بذلك رجالهن، ولو كان الأمر إليهن لقال لا ترددن الأكفاء، وقد قال الله سبحانه: {فانكحوهن بإذن أهلهن}[النساء:25]، وما قد أجمعت عليه الأمة بأسرها أنه لم تنكح في عهد رسول الله صلى الله عليه مرأة إلا بإذن وليها، ولا سمعنا أحدا يذكر في سالف الدهر والأمم ولا في عصر الأنبياء عليهم السلام ولا في حكم من أحكام الكتب المنزلة أن مرة أطلق لها أن تنكح نفسها دون وليها، فإن الله سبحانه الحكم العدل الذي أتقن كل شيء ليس في حكمته فساد ولا في أمره تناقض ولا اعتتناد، ولو جعل(1) سبحانه النكاح في أيدي النساء لخرجن من أيدي الرجال ولأفسدن في كل حال.

وفي ذلك ما يروى عن أمير المؤمنين رحمة الله عليه عن رسول الله صلى الله [عليه] أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي وشاهدين))(2).

وروي أيضا عنه عليه السلام أنه قال: ((كل نكاح بلا ولي فهو زنا)).

وفيه أيضا ما روي عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه قال: ((أي امرئ نكح امرأة بغير إذن وليها فنكاحها باطل)) حتى قالها ثلاثا.

وفي ذلك ما يروى عن أمير المؤمنين رحمة الله عليه أنه سئل عن امرأة نكحت بغير ولي فأبطل نكاحها.

ويروى عن ابن عباس أنه قال: البغايا اللاتي يتزوجن بغير ولي.

وقال أيضا: لا نكاح إلا بولي، فإن عدم فالسلطان.

صفحہ 160