القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه
القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه
اصناف
أهمية العلم بالقواعد الفقهية
كل علم له أهمية وفن له أهمية، ومن أهمية هذا العلم: أن الأمة تحتاج إلى فقيه، ولن تجد فقيهًا يكون عاريًا عن قواعد الفقه؛ فقواعد الفقه أولًا: تشمل فروعًا كثيرة يضبطها كلمة وجيزة، مثلًا تقول: المشقة تجلب التيسير، فهذه القاعدة تدخل معك في كل فروع الفقه، أو تدخل في كل شيء، في سفر وفي مرض وفي طعام وفي عمليات جراحية، فنقول: فروع كثيرة تجتمع فتلتئم وتنزل تحت كلمة وجيزة هي: المشقة تجلب التيسير، أو الضرورات تبيح المحظورات.
ثانيًا: إن من فائدة القواعد الفقهية أن تجعل المفتي أو القاضي أو الفقيه على أرض صلبة في الفتوى، ودائمًا يرجع إلى ضابط وقاعدة فيستنبط الحكم منها مع الدليل الأصولي، فتكون الفتوى منضبطة وصحيحة، ولذلك ترى كثيرًا من التخبطات في الفتاوى؛ لعدم ضبط القواعد والأصول، فأضرب لكم مثلين: المثل الأول: امرأة قيل فيها: إنها فقيهة العصر وحباها الله كل خير، أفتت بفتاوى كثيرة جدًا من هذه الفتاوى أنها أفتت، -وهي تتكلم عن الأضحية علينا أهي سنة أم واجبة؟ هذا خلاف فقهي، لكن الأضحية قربة- فقالت: يمكن للإنسان أن لا يذبح وإنما يضحي ويخرج ثمن الأضحية مالًا ويجزئه ذلك، قلنا: الحمد لله على فقيهة العصر! أين فقهك أين دليلك؟! فقالت: دليلي القياس، قلنا: هات القياس، قالت: قياسًا على جواز إخراج الزكاة مالًا لا عينًا.
إذًا: فننظر في القواعد والأصول الآن، المرأة أتت بفتوى وهي فقيهة العصر، وقالت: إنه يجوز للإنسان أن يخرج ثمن الأضحية للفقراء؛ لأنها أنفع لهم؛ من اللحم، وقالت: هذه الفتوى جاءت قياسًا على جواز إخراج الزكاة مالًا لا عينًا، نقول: هل القياس كان قياسًا على مسألة متفق عليها أم مختلف فيها؟ وباتفاق الأصوليين: لا يجوز أن تلزم الخصم في مسألة مختلف فيها، وهذا ضابط وليس بقاعدة، وأنتِ عممتِ الضابط إلى أن جعلتيه قاعدة، ولا يصح لك ذلك للفارق بينهما، فأصبح قياسًا مع الفارق.
إذًا: أقول: ما الذي يجعلنا نقوى ونقف أمام هذا التيار القوي الغاشم من الفتاوى؟ ليس إلا التأصيل العلمي، والتقيد الصحيح، والله الذي لا إله إلا هو إن شمس البدعة قد بزغت بتأصيل وتقعيد، فهذا رجل أنزل ستة كتب كلها رد على الشيخ الألباني يؤصل فيها تأصيلًا حديثيًا قويًا، ولا أحد يستطيع أن يرد عليه إلا من تأصل تأصيلًا علميًا.
الفائدة الأخيرة: هي أن المرء المفتي أو الفقيه تنضبط فتواه بضبط هذه القواعد الأصولية أو القواعد الفقهية.
يبقى الختام ألا وهو أن هذه القواعد لها مراتب: قواعد شاملة، وقواعد أضيق، وقواعد أضيق، تدور القواعد على خمس قواعد هي أهم القواعد، ولذلك أقول: لو ضبط طالب العلم هذه الخمس القواعد لأصبح نحريرًا، وهي: الأمور بمقاصدها، الضرر يزال، الضرورات تبيح المحظورات، اليقين لا يزال بالشك، العادة محكمة.
فهذه القواعد التي اتفق عليها أهل العلم؛ لأنها قواعد شاملة يندرج تحتها فروع كثيرة جدًا، ومن أتقن هذه القواعد وضبطها أصبح فقيهًا ولا بد، إلا إذا شاء الله أمرًا آخر.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
1 / 9