Fiqh of Worship by al-Uthaymeen
فقه العبادات للعثيمين
اصناف
السؤال (١٣٥): فضيلة الشيخ، على من يجب الصيام؟
الجواب: الصيام يجب أداءً على كل مسلم بالغ عاقل قادر مقيم خال من الموانع، فهذه ستة أوصاف، مسلم بالغ عاقل قادر مقيم خال من الموانع، فأما الكافر فلا يجب عليه الصوم ولا غيره من العبادات، ومعنى قولنا: لا يجب عليه الصوم أنه لا يلزم به حال كفره، ولا يلزمه قضاؤه بعد إسلامه، لأن الكافر لا تقبل منه العبادة حال كفره، لقوله تعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ) (التوبة: ٥٤) .
ولا يلزمه قضاء العبادة إذا أسلم، لقوله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) (الأنفال: ٣٨)، لكنه يعاقب على ما تركه من واجبات حال كفره، لقوله تعالى عن أصحاب اليمين وهم يتساءلون عن المجرمين: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) (٤٢) (قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) (٤٣) (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) (٤٤) (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ) (٤٥) (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) (٤٦) (حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) (المدثر: ٤٢-٤٧) .
فذكره ترك الصلاة وإطعام المسكين من أسباب دخولهم النار، يدل على أن لذلك تأثيرًا في دخولهم النار، بل إن الكافر يعاقب على كل ما يتمتع به من نعم الله من طعام وشراب ولباس، لقول الله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (المائدة: ٣٩)، فنفي الجناح عن المؤمنين فيما طعموا يدل على ثبوت الجناح على غير المؤمنين فيما طعموا، ولقوله تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (الأعراف: ٣٢) .
فقوله: (لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) يدل على أن الحكم في غير المؤمنين يختلف عن الحكم في المؤمنين، ولكن إذا أسلم الكافر في أثناء رمضان لم يلزمه القضاء فيما سبق إسلامه، فإذا أسلم ليلة الخامس عشر مثلًا، فالأيام الأربعة عشر لا يلزمه قضاؤها، وإذا أسلم في أثناء اليوم لزمه الإمساك دون القضاء، فإذا أسلم عند زوال الشمس مثلًا قلنا له: أمسك بقية يومك ولا يلزمك القضاء، فنأمره بالإمساك، لأنه صار من أهل الوجوب، ولا نأمره بالقضاء، لأنه قام بما وجب عليه وهو الإمساك من حين أسلم، ومن قام بما يجب عليه لم يكلف بإعادة العبادة مرة ثانية.
أما العقل فهو الوصف الثاني للوجوب، العقل هو ما يحصل به الميز أي: التمييز بين الأشياء، فإذا لم يكن الإنسان عاقلًا فإنه لا صوم عليه، كما أنه لا يجب عليه شيء من العبادات سوى الزكاة، ومن هذا النوع - أي ممن ليس له عقل - أن يبلغ الإنسان سنًا يسقط معه التمييز، وهو ما يعرف عند العامة بالهذرات، فلا يلزم المهذري صوم، ولا يلزم عنه إطعام، لأنه ليس من أهل الوجوب.
أما الوصف الثالث فهو البلوغ، ويحصل البلوغ بواحد من أمور ثلاثة: إما أن يتم للإنسان خمس عشرة سنة، أو أن ينبت العانة، وهي الشعر الخشن الذي يكون عند القبل، أو ينزل المني بلذة سواء كان ذلك باحتلام أو بيقظة، وتزيد المرأة أمرًا رابعًا وهو الحيض، فإذا حاضت المرأة بلغت، وعلى هذا فمن تم له خمس عشرة سنة من ذكر أو أنثى فقد بلغ، ومن نبتت عانته ولو قبل خمس عشرة سنة من ذكر أو أنثى فقد بلغ، ومن أنزل منيًا بلذة من ذكر أو أنثى ولو قبل خمس عشرة سنة فقد بلغ، ومن حاضت ولو قبل خمس عشرة سنة فقد بلغت، وربما تحيض المرأة وهي بنت عشر سنين، وهنا يجب التنبه لهذه المسألة التي يغفل عنها كثير من الناس، فإن بعض النساء تحيض مبكرًا ولا تدري أنه يلزمها الصوم وغيره ومن العبادات التي تتوقف أو التي يتوقف وجوبها على البلوغ، لأن كثيرًا من الناس يظنون أن البلوغ إنما يكون بتمام خمس عشرة سنة، وهذا ظن لا أصل له، فإذا لم يكن الإنسان بالغًا فإن الصوم لا يجب عليه.
ولكن ذكر أهل العلم أن الولي مأمور بأن يأمر موليه الصغير من ذكر أو أنثى بالصوم ليعتاده حتى يتمرن عليه ويسهل عليه إذا بلغ، وهذا ما كان الصحابة ﵃ يفعلونه، فإنهم كانوا يصومون أولادهم الصغار حتى إن الواحد منهم ليبكي فيعطى لعبة من العهن يتلهى بها حتى تغرب الشمس (١) .
وأما الوصف الرابع فهو أن يكون الإنسان قادرًا على الصوم، أي يستطيع أن يصوم بلا مشقة، فإن كان غير قادر فلا صوم عليه.
ولكن غير القادر ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون عجزه عن الصوم مستمرًا دائمًا كالكبير والمريض مرضًا لا يرجى برؤه، فهذا يطعم عن كل يوم مسكينًا، فإذا كان الشهر ثلاثين يومًا أطعم ثلاثين مسكينًا، وإذا كان الشهر تسعة وعشرين يومًا أطعم تسعة وعشرين مسكينًا، وللإطعام كيفيتان:
الكيفية الأولى: أن يخرج حبًا من أرز أو بر، وقدره ربع صاع بصاع النبي ﷺ، أي خمس صاع بالصاع المعروف هنا، ويساوي كيلوين وأربعين جرامًا من بر جيد رزين، يعني أنك إذا وزنت من البر الرزين الدجن ما يبلغ كيلوين وأربعين جرامًا فإن هذا صاع بصاع النبي ﷺ، والصاع بصاع النبي ﷺ أربعة أمداد، فيكفي لأربعة مساكين، ويحسن في هذه الحال أن تجعل معه إذا دفعته للفقير شيئًا يؤدمه من لحم أو غيره حسب ما تقتضي به الحال والعرف.
وأما الكيفية الثانية للإطعام: فأن يصنع طعامًا يكفي لثلاثين فقيرًا أو تسعة وعشرين فقيرًا حسب الشهر ويدعوهم إليه كما ذكر ذلك عن أنس بن مالك ﵁ حين كبر، ولا يجوز أن يطعم شخصًا واحدًا مقدار ما يكفي الثلاثين أو التسعة وعشرين، يعني لابد أن يكون عن كل يوم مسكين.
أما القسم الثاني من الوصف الرابع فهو العجز الذي يرجى زواله، فهو العجز الطارئ كمرض حدث على الإنسان في أيام الصوم، وكان يشق عليه أن يصوم، فنقول له: أفطر وأقض يومًا مكانه، لقول الله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) (البقرة: ١٨٥) .
أما الوصف الخامس: أن يكون مقيمًا، وضده المسافر، فالمسافر وهو الذي فارق وطنه لا يلزمه الصوم، لقول الله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ولكن الأفضل أن يصوم إلا أن يشق عليه، فالأفضل الفطر، لقول أبي الدرداء ﵁: كنا مع النبي ﷺ في رمضان في يوم شديد الحر وما فينا صائم إلا رسول الله ﷺ، وعبد الله بن رواحه (٢) . أما إذا شق عليه الصوم فإنه يفطر ولابد، لأن النبي ﷺ شكي إليه أن الناس قد شق عليهم الصيام فأفطر، ثم قيل له: إن بعض الناس قد صام فقال " أولئك العصاة، أولئك العصاة" (٣) .
أما الوصف السادس: أن يكون خاليًا من الموانع أي من موانع الوجوب، وهذا يختص بالمرأة، فيشترط في وجوب الصوم عليها أداء ألا تكون حائضًا ولا نفساء، فإن كانت حائضًا أو نفساء فإنه لا يجب الصوم، وإنما تقتضي بدل الأيام التي أفطرت، لقول النبي ﷺ مقررًا ذلك " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم (٤) فإذا حاضت المرأة فلا صوم عليها، بل تقضي في أيام أخر، وهنا مسألتنا ينبغي التفطن لهما:
المسألة الأولى: أن بعض النساء تطهر في آخر الليل وتعلم أنها طهرت، ولكنها لا تصوم ذلك اليوم ظنًا منها أنها إذا لم تغتسل فإنه لا يصح صومها، وليس الأمر كذلك، بل صومها يصح وإن لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر.
وأما المسألة الثانية: فهي أن بعض النساء تكون صائمة فإذا غربت الشمس وأفطرت جاءها الحيض قبل أن تصلي المغرب، فبعض النساء يقول: إنه إذا أتاها الحيض بعد الفطر وقبل صلاة المغرب فإن صومها ذاك النهار يفسد، وكذلك بعض النساء يبالغ أيضًا ويقول: إذا جاءها الحيض قبل صلاة العشاء فإن صومها ذلك اليوم يفسد، وكل هذا ليس بصحيح. المرأة إذا غابت الشمس وهي لم تر الحيض خارجًا فصومها صحيح، حتى لو خرج بعد غروب الشمس بلحظة واحدة، فصومها صحيح.
هذه ست أوصاف إذا اجتمعت في الإنسان وجب عليه صوم رمضان أداء، ولا يحل له أن يفطر، فإن تخلف واحد منها فعلى ما سمعت.
حكم صيام تارك الصلاة
(١) أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب صوم الصبيان، رقم (١٩٦٠)، ومسلم، كتاب الصيام، باب من أكل في عاشوراء فليكف بقية يومه، رقم (١١٣٦) .
(٢) أخرجه البخاري، كتاب الصوم، رقم (١٩٤٥)، ومسلم، كتاب الصيام، باب التخيير في الصوم والفطر في السفر، رقم (١١٢٢)
(٣) أخرجه مسلم، كتاب الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية، رقم (١١١٤) .
(٤) أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب الحائض تترك الصوم والصلاة، رقم (١٩٥١) .
1 / 222