105

Fiqh As-Seerah

فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة

ناشر

دار الفكر

ایڈیشن نمبر

الخامسة والعشرون

اشاعت کا سال

١٤٢٦ هـ

پبلشر کا مقام

دمشق

اصناف

العقل من المعجزات وخوارق العادات، كي يتم لهم إنشاء صورة جديدة للنبي ﷺ في أذهان المسلمين مع مرور الزمن، قد تكون صورة (محمد العبقري) أو تكون صورة (محمد القائد) أو تكون صورة (محمد البطل) ولكنها لا ينبغي أن تكون على أي حال من الأحوال صورة (محمد النبي والرسول) إذ تكون جميع حقائق النبوة بما يحف بها ويستلزمها من وحي.. وغيبيات وخوارق، قد قذف بها- بعامل هذا الترويج لألقاب العبقرية والبطولة البعيدين عن المعجزات والخوارق- إلى عالم ما يسمونه: الميثيولوجيا (الأساطير) ذلك لأن ظاهرة الوحي والنبوة تعتبران في رأس المعجزات. وحينئذ لا ينبغي أن يتصور- بطبيعة الحال- أي سبب لتكاثر مختلف الناس والأمم من حول الرسول وانضوائهم تحت لوائه وانسياقهم في دعوته، إلا التأثر بعبقريته ومقومات القيادة في حياته. وانظر! .. فإن هذا القصد الذي يهدفون إليه يتجلى واضحا في إشاعة كلمة (محمديين) كتسمية جديدة بدلا عن: مسلمين. ولكن ما هو موقع هذا التخيّل والتّصور من حقيقة أمر محمد ﷺ وشأنه، إذا ما حاولنا استجلاء الحقيقة على ضوء البحث المنطقي والموضوعي؟ أولا: إذا عدنا إلى التأمل في ظاهرة الوحي التي تجلت واضحة في حياته ﵊ (وقد مرّ البحث فيها بتفصيل واف) رأينا أن أبرز صفة في حياته ﵊ هي (النّبوة) لا شك في ذلك ولا ريب، والنّبوة هي من المعاني الغيبية التي لا تخضع لمقاييسنا المحسوسة وإذن فإن معنى المعجزة الخارقة قائم في أصل كيانه ﵊. فلا يتسنى نفي المعجزات والخوارق عنه ﷺ إلا بهدم معنى النّبوّة نفسها ونسخها من حياته، وذلك يساوي بالبداهة إنكار الدين نفسه. ولئن لم يصرح بهذه النتيجة بعض الباحثين من المستشرقين، مكتفين ببيان ذكاء الرسول ومدى عبقريته وشجاعته وسياسته للأمور، فذلك اكتفاء منهم برسم المقدمات عن بيان النتائج، إذ النتيجة تأتي بطبيعتها بعد التسليم بمقدماتها. على أن كثيرين صرّحوا بالنتيجة، بعد أن ضاقت بها صدورهم، مثل شبلي شميل حينما سمى الإيمان بالدين إيمانا بالمعجزة المستحيلة «٢٤» ! .. وأنت خبير أنه لا معنى للبحث في إنكار جزئيات المعجزات أو إثباتها، إذا كان أصل الدين محل شك أو إنكار. ثانيا: إذا تأملنا في سيرته ﷺ ووقائع حياته، وجدنا أن الله ﷾ أجرى

(٢٤) يذكر الدكتور شبلي شميل هذا الكلام في مقدمته لتعريب كتاب (بوكنز) في شرح مذهب داروين عن نظرية النشوء والارتقاء.

1 / 110