Fiqh al-Usrah
فقه الأسرة
اصناف
شروط شرعية يلزم الوفاء بها
أما الشروط الشرعية: فهي تنقسم إلى أقسام، فمنها ما هو من لوازم عقد النكاح، والمراد بهذا النوع من الشروط: أن يشترط ولي المرأة أو المرأة أو الزوج، أمرًا هو من لوازم عقد النكاح، ومن أشهر هذه الشروط: أن يشترط ولي المرأة على الزوج، أن يمسك بمعروف، أو يسرح بإحسان، وهذا الذي يسميه العلماء بالميثاق الغليظ، قال الحسن البصري وطاووس بن كيسان، وقتادة والضحاك -رحمة الله على الجميع- في تفسير قوله تعالى: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء:٢١]، قالوا الميثاق الغليظ: إمساكٌ بمعروف، أو تسريحٌ بإحسان، فتلك هي العصمة التي أمر الله ﷿ أن يقوم النكاح بها، فهذا الشرط لو اشترطه ولي الزوجة، أو اشترطته الزوجة على زوجها، شرطٌ شرعي هو من مقتضيات عقد النكاح، قال بعض العلماء: كان السلف إذا زوجوا أو أنكحوا الغير اشترطوا عليه وقالوا: إمساكٌ بمعروف أو تسريحٌ بإحسان، وفي حكم هذا الشرط أو مثله، ما يقوله العامة اليوم، يقول ولي المرأة: زوجتك على كتاب الله وسنة رسول الله ﵌، أي: زوجتك بنتي أو أختي على أن تلتزم بكتاب الله وسنة رسول الله ﵌ في عِشرتها، والقيام بحقوقها، ورعايتها.
قال العلماء: إذا اشتُرط هذا الشرط؛ وجب الوفاء به، ولزم الزوج أن يقوم بتحقيقه وأدائه على وجهه، فإذا أضر بالمرأة ناله الإثم والعياذ بالله من وجهين، فلو أنه عاشر المرأة ولم يشترط وليها عليه الإمساك بالمعروف والتسريح بإحسان أثم من وجهٍ واحد، وهو تضييع حق الله، مع ما للمرأة من المظلمة، لكن إذا أُخذ عليه هذا العهد في عقد النكاح أثم من وجهين، والعياذ بالله: أولًا: تضييع حق الله الذي ذكرناه.
وثانيًا: أن عليه عهدًا لم يوف به، ونقض العهود من شيمة أهل النفاق، ومن صنيع أهل النار -والعياذ بالله- كما ذكر الله أوصافهم في كتابه، ولذلك قال العلماء إن هذا الشرط وإن اعتاده الناس وألفوه لكنه عظيم، ولذلك وصفه الله بكونه ميثاقًا غليظًا، فإذا اشترط ولي المرأة أو اشترطت المرأة الإمساك بالمعروف أو التسريح بالإحسان، فهو شرطٌ شرعي، ومن مقتضيات عقد النكاح.
كذلك أيضًا من الشروط المشروعة التي يلزم الوفاء بها: أن يتضمن الشرط جلب مصلحةٍ أو درء مفسدة، لا يعارض كل منهما شرع الله، فتشترط المرأة أو يشترط الزوج مصلحةً دينيةً أو دنيوية، ويشترط ولي المرأة مصلحةً دينية أو دنيوية، وهذه المصلحة التي يشترطها كل منهما لا تتعارض مع الشرع، بل قد تتفق معه، فالمصلحة تنقسم إلى قسمين: إما أن يشترط مصلحةً دينية، وإما أن يشترط مصلحةً دنيوية.
قد يشترط ولي المرأة مصلحةً دينية، كأن تقول موليته له: اشترط أن يكون زوجي دينًا، أو عالمًا، أو طالب علمٍ، أو حافظًا لكتاب الله، أو خطيبًا، أو إمامًا، أو نحو ذلك من الأوصاف التي هي كمالٌ في الدين، وكمالٌ في الطاعة والالتزام، فهذا شرطٌ ديني، والرجل أيضًا يشترطه على المرأة، فيقول لوليها: أشترط أن تكون حافظة لكتاب الله، أو تكون طالبة علم، أو نحو ذلك مما هو من كمالات الدين.
هذا الشرط وهو اشتراط المصلحة الدينية الكاملة، أفضل شرط وأحب شرطٍ إلى الله ﷿؛ لأن النبي ﵌ قال: (فاظفر بذات الدين تربت يداك) فخاطب الزوج أن يبحث عن صاحبة الدين، وخاطب أولياء المرأة فقال: (إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه) فهذا الشرط وهو اشتراط المصلحة الدينية الكاملة، هو أفضل الشروط، وأحبها إلى الله ﷿.
أما المصلحة الدنيوية المحضة، مثل أن يشترط الرجل أو تشترط المرأة مالًا أو مصلحةً مالية، كأن يشترط ولي المرأة أن يكون الزوج تاجرًا، أو موظفًا، أو له مهنة معينة، فهذه مصالح دنيوية.
فإذا اشترط الزوجان، أو اشترط أحدهما مثل هذه الشروط التي لا تخالف شرع الله في جلب المصالح فإنه يجب الوفاء بها، وحينئذٍ يلزم ولي المرأة ما التزمه من الشرط في العقد، وعلى هذا فلو دخل على المرأة، فلم يجدها حافظةً لكتاب الله، كان له الخيار، أي: أن له خيار الفسخ؛ لأن المسلمين على شروطهم، كما قال ﵌: (المسلمون على شروطهم)، وفائدة الاشتراط، ثبوت الخيار.
كذلك أيضًا يشترط درء المفسدة عن نفسه، فيشترط ألا تكون فيها مفسدة دينية، كأن لا تكون فاسقة، وتشترط المرأة على وليها أن يشترط على الزوج ألا يكون فاسقًا، وقد تشترط درء مفسدةٍ دنيوية، كأن لا يكون عصبيًا، أو مريضًا في نفسه، أو بدنه، أو نحو ذلك من العاهات التي تشترط عدم وجودها في الزوج، أو يشترطها الزوج ألا توجد في المرأة.
مثل هذه الشروط التي تجلب بها المصالح وتدرأ بها المفاسد وتكون موافقة للشرع، يلزم الوفاء بها، وعلى ولي المرأة أن يوفي بها للزوج، وعلى الزوج أن يوفي بها لولي المرأة، لكن اختلف العلماء في شروطٍ فيها جلب مصالح أو درء مفاسد يشترطها أحد المتعاقدين على الآخر، هل هي من النوع الأول، أو من النوع الثاني.
ومن أشهر ما اختلفوا فيه أن تشترط المرأة على زوجها ألا يخرجها عن والديها، ألا يخرجها من مدينتها، أو ألا يسافر بها، أو تشترط عليه ألا يتزوج عليها، أو ألا تكون عنده زوجة، فمثل هذه الشروط اختلف العلماء ﵏ فيها، هل هي مشروعة؟ أو ليست بمشروعة؟ وسيأتي الكلام عليها في القسم الثالث من الشروط.
3 / 5