Fiqh al-Seerah by Al-Ghazali
فقه السيرة للغزالي
ناشر
دار القلم
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٢٧ هـ
پبلشر کا مقام
دمشق
اصناف
فروق بين البلدين
عاشت مكة في بحبوحة من الحياة أمدا طويلا، امنة مطمئنة، يأتيها رزقها رغدا من كل مكان، وترجع هذه السعة إلى عاملين:
١- مهارة أهلها التجارية.
٢- ومكانة الحرم الدينية.
كلا الأمرين أدرّ عليها أخلاف الخير، فأثرت حتى بطرت، وشبعت حتى أتخمت، ثم عراها ما يعرو كل جماعة تواتيها الحظوظ ويصبغها الترف من:
تكبّر، وقسوة، وجحود، فلما ظهر فيها الإسلام، ودعا محمد ﷺ إلى الحق، ردت يده في فمه، وأحدقت به وبمن معه، وملكها العناد من أول يوم، وأعلنت أنّ مركزها- عاصمة للوثنية، ومجمعا للأصنام، ومثابة للحجيج- سيزول إن هي استمعت إلى هذا الدين، وأمكنته من البقاء.
وحاول الرسول ﵊ جاهدا- أن يقنع أهل مكة بأن قبولهم للحق لن يحرمهم ذرة من الخير الذي متّعوا به، فأبى الظالمون إلا كفورا:
وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٧) [القصص] .
ومن هنا اشتبك سادة مكة في حرب مع الإسلام، اعتبروها دفعا عن كيانهم المادي، ووضعهم الاقتصادي، إلى جانب ما هنالك من عوامل أخرى، وهذه الحروب معروفة النتائج:
وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (٥٨) [القصص] .
أما الأمر في (يثرب) فكان على النقيض، إنّ الشحناء المتأصّلة بين أهليها استنزفت دماءهم، وقطعت شملهم، وشغلت بعضهم ببعض، حتى أوصلتهم الحروب الدائمة إلى درك أسف له العقلاء، وتمنّوا الإنقاذ منه. كان (الأوس)
1 / 153