Financial Transactions: Tradition and Modernity
المعاملات المالية أصالة ومعاصرة
ناشر
(بدون ناشر)
ایڈیشن نمبر
الثانية
اشاعت کا سال
١٤٣٢ هـ
اصناف
مقدمة الطبعة الثانية
الحمد لله رب العالمين، أكمل لنا ديننا، وأتم علينا نعمته، ورضي لنا الإِسلام دينا، قال سبحانه: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: ٣].
وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، فرض الله علينا طاعته، والتسليم لحكمه.
قال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء:٦٥].
من تحاكم إلى شريعة غير شريعته فقد تحاكم إلى شريعة الطاغوت، وإلى حكم الجاهلية.
قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء: ٦٠].
﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: ٥٠].
أما بعد، فهذه هي الطبعة الثانية من كتاب المعاملات المالية أصالة ومعاصرة، وكان الكتاب بطبعته الأولى قد أتم عقود المعاوضات، وهي خمسة عشر عقدًا، وقد طبعت منه الهيئة العامة للأوقاف مشكورة ألفي نسخة للتوزيع.
وقد أضيف إلى هذه الطبعة عقود التبرع، وهي ثمانية عقود: الوقف،
1 / 1
أسأل الله ﷾ أن يجعل العمل خالصًا لوجهه مقربا إليه، وأن يعينني على إتمام هذا المشروع، وألا يكلني إلى نفسي.
إذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأول ما يجني عليه اجتهاده
والحمد لله أولًا وآخرًا، وصلى الله على نبينا محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
أبو عمر دبيان بن محمَّد الدبيان
السعودية - بريدة
1 / 2
بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله نحمده ونشكره، ونقر له ولا نجحده ولا نكفره، هو أهل الحمد والثناء، والمنع والعطاء، نبوء له بتقصيرنا، ونبوء له بنعمته علينا، مستحق الحمد رغبةً ورهبةً، لا إله إلا هو وحده لا شريك له، ونصلي على نبيه وعبده ومن سار على نهجه من صحابته الأخيار وأتباعهم الأبرار وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد:
إن اتساع دلالات الكتاب والسُّنة، لتشمل النوازل مهما تتابعت، والحوادت مهما تكاثرت، من أعظم وجوه إعجاز الوحي، وأظهر وجوه الرحمة لهذه الأمة، والنوازل في الفقه الإِسلامي تظلنا كل حين، بل لا يخلو يوم تشرق فيه شمسهُ من نازلة دقيقة أو جليلة، تحتاج فيه الأمة إلى النظر في الوحيين، لتأخذ منها ما يُجَلِّي الغشاوة، ويُزيل الإشكال، ويحل ما التبس على الأمة من تلك النازلة، والناس في ذلك بين موفق إلى الحق والصوابَ أو محروم منه، والمجتهدون المتأهلون بين الأجر والأجرين، وهذا من الرحمة بالأمة والرفق بها أن فتح باب الاجتهاد في الدين ولم يُغلق.
إن المتتبّعَ للنوازل الفقهية يكاد يقطع أنها باتت تقارب المسائل المنصوص عليها في السُّنة والكتاب، وربما تزيد في بعض الأبواب دون بعض، ومن أكثر أبواب الفقه الإِسلامي ورودًا للنوازل أبواب
1 / 3
المعاملات، وهذا يقتضي يقظةً بحثية، تليق بهذه الوفرة النازلة، حفظًا للدين، وصيانةً لذمم المسلمين.
وهذا الكتاب (المعاملات المالية أصالة ومعاصرة) لمؤلفه الباحث المتمرس الشيخ دبيان بن محمَّد الدبيان، من الدراسات الموسوعية في هذا الباب، ومن المشاركات المحمودة في بحر النوازل المتلاطم، اجتهد فيه، فَوُفِّق في اختيار المضمون، وأحسن في الترتيب والتنسيق، وعرض المسائل والقائلين بها، وأجاد في اعتماده على الدليل، وفّقه الله وأعانه وجزاه خيرًا.
وهذا الكتاب هو أول منشورات (الهيئة العامة للأوقاف) مؤملين أن يكون فاتحة خيرٍ في مباحث الاقتصاد الإِسلامي، وخير معين وزاد لطلاب العلم، ورجالات المال والأعمال.
والله هو المثبت وحده، والموفق والمسدد لكل خير.
١٥/ ٦/ ١٤٣٢ هـ
كتبه
صالح بن عبد العزيز بن محمَّد آل الشيخ
* * *
1 / 4
المعاملات المالية أصالة ومعاصرة
تقديم أصحاب المعالي
الشيخ. د/ عبد الله بن عبد المحسن التركي
الشيخ. د/ صالح بن عبد الله بن حميد
الشيخ/ محمد بن ناصر العبودي
الشيخ/ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
تأليف
دبيان بن محمد الدبيان
المجلد الأول
1 / 1
دبيان بن محمد الدبيان، ١٤٣٢ هـ
فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر
الدبيان، دبيان محمد
المعاملات المالية أصالة ومعاصرة. / دبيان محمد الدبيان- الرياض، ١٤٣٢ هـ
٥٤٨ ص؛ ١٧×٢٤ سم.
ردمك: ٨ - ٧٤٨٠ - ٠٠ - ٦٠٣ - ٩٧٨ (مجموعة ج ١
١ - المعاملات (فقه إسلامي) أ. العنوان
ديوي ٢٥٣
٤٧٠٦/ ١٤٣٢
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
١٤٣٤ هـ
الطبعة الثانية
للطلب الاتصال
بالاستاذ / فهد بن عبد العزيز الجوعي
ت/ ٠٠٩٦٦٥٠٤٨٨١١٩٤
1 / 2
المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (١)
1 / 3
تقريظ معالي فضيلة شيخنا د. عبد الله بن عبد المحسن التركي
الأمين العام لرابطة العالم الإِسلامي
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين،،، أما بعد:
فقد اطلعت على المشروع الفقهي الذي أعده الأخ الأستاذ دبيان بن محمَّد الدبيان، وسماه (المنظومة في عقود المعاوضات المالية) (١)، فألفيته موسوعة فقهية قيمة في مبناها ومعناها، فقد نظم فيها المسائل الفقهية في سلك من الأبواب والفصول والمباحث والفروع والمطالب، وسلك في عرض تفاصيلها مسلك الاستيفاء والاستقصاء لأقوال الفقهاء وفاقًا وخلافًا، وناقشها مناقشة منصفة لم يتعصب فيها لمذهب بعينه، ولا قدم فيها قولًا على قول إلا بحجة اقتضت لديه التقديم، فهو يدور مع الدليل حيث دار، ويرجح ما يؤيده الكتاب والسنة من ظاهر نصوصهما؛ ولا يتكلف تأويلها إلا حيث يكون التأويل سائغًا متعينًا.
وقاده هذا الانعتاق من ربقة التقليد، وسلوك مسلك الاجتهاد في البحث والموازنة والترجيح إلى مناقشة بعض الاختيارات الفقهية في أدب جم، ومخالفة قرارات بعض المجامع الفقهية في بعض المسائل مع العناية بفقه التابعين، وأهل الحديث والمدرسة الظاهرية، وكان مراعيًا شروط البحث العلمي الأكاديمي
1 / 5
في تحرير أقوال المذاهب، فينسبها لأصحابها من مصادرهم، لا من مصادر مخالفيهم، ولا يذكر قولًا إلا مقرونًا بدليله الذي استدل به قائله إذا وقف عليه ما أمكن مع بيان وجه دلالته على المطلوب، وتوظيف القواعد الفقهية في سياق التعليل ومثاني الاحتجاج والتقوية والترجيح، وربما استدل للقول من عنده متى لم يقف على دليل لقائله، وكان يمكنه الاستدلال له دون تكلف ولا تعسف.
ولم يقتصر على المسائل المنصوص عليها في كتب الفقهاء الأقدمين، بل تعرض للقضايا المعاصرة التي طرأت على المعاملات المالية، وأصبح الناس محتاجين فيها لبيان حكمها من الحل والحرمة والصحة والفساد حتى يكونوا على بينة من أمرهم، وفقه من دينهم، وتجري معاملاتهم على مقتضى الشرع الحنيف.
واقتضاه التتبع للقضايا المعاصرة تتبعًا للبحوث العلمية المتخصصة المتصلة بموضوعاتها كالرسائل الجامعية والبحوث المنشورة في المجلات الفقهية، والأعمال العلمية للمجامع الفقهية، وفتاوى اللجان الشرعية في المصارف الإِسلامية، وغير ذلك.
فظهرت في أبحاثه تسميات جديدة في الأبواب زائدة على ما في كتب المتقدمين، كالمعاملات المصرفية، وأحكام سوق المال، وتسميات جديدة في العقود، كعقد المقاولة، وعقد التوريد، وعقد المناقصة، وعقد التأمين، وتسميات جديدة في الحقوق، كالاسم التجاري، وحق المؤلف، وبراءة الاختراع، وتسميات جديدة في القبض، كقبض الأسهم، والقبض عن طريق القيد المصرفي، وقبض الشيك، وقبض الأوراق التجارية.
لقد جاءت هذه المعلمة حافلة بالفقه وما يتصل به من آيات الأحكام وأحاديثها، واستثمار القواعد الفقهية، وتمهيد مسالك الاستدلال وطرق
1 / 6
الترجيح، كما اشتملت على تقديم بدائل شرعية للمشكلات الناشئة عن النظام الرأسمالي القائم على النظام الربوي في التمويل والتعامل.
والنظام المالي الإِسلامي الذي تملكه الأمة الإِسلامية وأمامها اليوم فرصة سانحة لعرضه على العالم يقوم على أساس أخلاقية من إقرار العدل، ومنع الظلم والاحتكار والغش والخلابة والاستغلال، وإقامة التوازن بين حاجات السوق وحق التاجر، وبين حماية المستهلك.
فأسأل الله تعالى أن يعمم النفع بهذا العمل العلمي المتميز، ويبسط له القبول، ويكتب لصاحبه الأجر الجزيل على ما بذل فيه من جهد تنوء بمثله العصبة من الباحثين، ويزيده توفيقًا وتسديدًا حتى يتم ما شرع فيه، ويوفي به على الغاية. والله الموفق.
د. عبد الله بن عبد المحسن التركي
الأمين العام لرابطة العالم الإِسلامي
* * *
1 / 7
تقريظ
معالي فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد
رئيس مجلس القضاء الأعلى في المملكة العربية السعودية وإمام وخطيب الحرم المكي الشريف ورئيس مجلس الشورى السعودي سابقًا
الحمد لله رب العالمين، خلق فقدر، وشرع فيسر، والصلاة والسلام على نبينا محمَّد بشَّر وأنذر، وعلى آله وأصحابه والتابعين بإحسان إلى يوم المحشر.
أما بعد:
فإن شريعة الإِسلام غاية في الوفاء بحاجات الناس في ضبط عقودهم، وسائر شؤون حياتهم بأحكامها الصالحة لكل زمان ومكان، فهي خاتمة الشرائع الإلهية المستوعبة أمور الحياة المتجددة وتطورها، هادية مرشدة، قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (٨٩)﴾ [النحل: ٨٩].
ولعل وقائع المعاملات المالية وصورها في الحياة هي الأوسع انتشارًا بين الناس عامة، فلكل منهم وسيلته وسبيله نحو هدفه، إلا الإنسان المسلم خاصة فلا وسيلة له، ولا سبيل، ولا هدف إلا ما تأخذه به هذه الشريعة المطهرة من أحكام تطلق طاقاته وإمكاناته، وتضبط ميوله وشهواته بغير مصادمة لفطرة، ولا إجحاف بحقوق، بل تدفعه نحو صلاحه وسعادته ليس وحده، وإنما الأمة كلها في الحياتين الدنيا والآخرة.
1 / 9
لقد قررت الشريعة الإِسلامية في الإنسان غريزته نحو المال: ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨)﴾ [العاديات: ٨]، وأسندت إليه تملكه بالحيازة، ودعت إلى المحافظة عليه، وصانت حق ملكيته باعتباره ضرورة من ضرورياته كنفسه وعرضه، وحرمت الاعتداء عليه، ولكنها في ذات الأمر ضبطت فيه غريزته، فهذبت هذه النفس المسلمة بفرائض ونوافل وأحكام وحدود تربط هذا المال بأصول العقيدة والأخلاق، ودوره في الحياة لتحرر الإنسان من عبودية المال، وتسمو بغريزة حبه فتضعه وسيلة في يده تدور بينه وبين الآخرين ﴿تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ في تداول مشروع متوازن يحقق أهداف الجميع ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (٧)﴾ [الطلاق: ٧].
ولهذا كان لنظام الإِسلام المالي وفقهه الاقتصادي أكبر الأثر في إعمار الحياة لإصلاح النفوس البشرية التي التزمت به دينًا، فأعطت ما عليها وأخذت ما لها بوجه الحق، ثم عاملت بالفضل وتطوعت بالبذل، وسارعت بالإنفاق في وجوه الخير، ولبت حاجة الإنسان بسد خلة المعوز أيًّا كان، فلم تعق الحاجة مقصده وهدفه المشروع في الحياة.
إن فقه المعاملات المالية في الإِسلام يعتبر المال -كسائر ما في الحياة- مملوكًا لله الخالق وحده تعالى ملكية حقيقية، ثم هو بيد الإنسان مستخلف فيه، يلتزم أمره ونهيه أنى يتوجه، بلا إهمال أو تجاوز؛ لإيمانه بخالقه ومالكه ورازقه القائل: ﴿آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (٧)﴾ [الحديد: ٧].
ومن جهة أخرى فإن أحكام الفقه الإِسلامي جميعها تتغيا تحقيق المصالح.
1 / 10
العامة والخاصة، ودفع المفاسد كذلك، فينتشر العدل ويمتنع الظلم، قال تعالى: ﴿أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (١٨١) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (١٨٢) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (١٨٣)﴾ [الشعراء:١٨١ - ١٨٣].
ومما يتأكد في عصرنا الحاضر حاجته إلى أن تسود أحكام هذه الشريعة الإِسلامية، خاصة في أبواب المعاملات المالية ونوازلها المستجدة، والتي تقتضيها بحثًا متخصصًّا عميقًا يفي دائمًا بالحاجات، ويواكبها بمرونة في الأحكام والقواعد الكلية، تعطي الفقيه صلاحية بحثها، والاجتهاد لإقرارها شرعًا أو المنع منها.
فعلى العلماء الفقهاء تقع مسؤولية تقديم نظام الشريعة الإِسلامية إلى أهل العصر الباحثين عن قيم حضارية يشترك عقلاء الناس -بله المسلمون- في طلبها، ويتوقون إلى التزامها من العدل والمساواة والتعاون على العمران، فالشريعة المطهرة بأنظمتها كافة صالحة لكل زمان ومكان، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (١٠٧)﴾ [الأنبياء: ١٠٧].
وها هو المؤلف فضيلة الشيخ دبيان بن محمَّد الدبيان وفقه الله. يقوم ببعض هذا في موسوعاته التي بين يديك من تكييف للمسألة من الناحية الفقهية وتحريرها، وتخريجها على المسائل التي ذكرها المتقدمون، ثم عرضها على القواعد الفقهية، إلى أن تم ترجيح ما يراه، كما أنه يقوم بربط ما يراه بالمسائل القديمة لاعتبارات رأى وجاهتها، فوحد الأبواب الفقهية، وذكر تحت كل باب ما يدخل فيه من المعاملات القديمة، ثم النوازل المعاصرة باعتبار أن الاتصاف بالمعاصرة أمر نسبي، وأن المعاملات المالية من طبيعتها التجدد، فعند الكلام على قبض المبيع -مثلًا- ذكر المعاملات القديمة، ثم ألحق بها قبض المسائل
1 / 11
المعاصرة، مثل قبض الأسهم، وقبض الشيك، والأوراق التجارية، والقبض عن طريق القيد المصرفي، وهكذا الشأن في جميع الأنواع المالية، وكل مسائل البحث.
كما بين أن فهم المعاملات المعاصرة لا يمكن أن يكون سليمًا دون فهم المعاملات القديمة؛ لأن الحكم فيها قائم على دواع من المحاذير والمناهي، والقواعد والضوابط التي منها المتفق عليه والمختلف فيه، ومن العسير أن يستوعب باحث معاملة معاصرة دون الاستعانة بتلك القواعد والضوابط، لذا حرص المؤلف على عدم الخروج عليها تحت أي ضغط أو اسم.
وتطرق في بحثه لآراء كبار الأئمة واختياراتهم الفقهية كشيخ الإِسلام ابن تيمية -يرحمه الله- ولم يتفق معه في مسألة جواز بيع الحلي بالذهب متفاضلًا ونسيئة، كما لم يتفق معه في أن الكيل جزء من علة الربا في الأصناف الأربعة المذكورة في الحديث الشريف، وفي مسائل أخرى.
كذلك لم يتفق مع قرارات المجامع الفقهية في بعض المسائل، كمنع شراء الذهب أو الفضة بالبطاقة غير المغطاة، واختلف معها في تكييف بعض العقود، وجواز أخذ المصارف عمولات؛ وغيرها.
ولم يتعمد الباحث اختيار القول الأيسر ليسره فحسب، كما أنه لم يحرص على الأشد؛ لأنه أحوط، فالاحتياط ليس ملازمًا للشدة، بل إنه -كما يقول- حرص على تعظيم النص الشرعي، وعدم تأويله إلا أن يكون التأويل سائغًا حرصه على عدم إحداث قول جديد في مسألة فقهية سابقة، التزامًا بالضوابط والقواعد الفقهية الثابتة.
وثمت جهد علمي آخر للمؤلف يتعلق بتمحيص أدلة الأحكام من نصوصها في السنة النبوية والآثار التي جمعها، وأفردها باسم الموسوعة الحديثية ضمن
1 / 12
مشروعه الظخم، فقد عني بدراسة الحديث النبوي، وتلقيه -خلال الطلب في المسجد- على أهل الاختصاص، فتوجه للممارسة والنظر في أحكام المتقدمين، وسبر منهجهم في تعليل الأحاديث وتصحيحها، واعتنى بالمتون والعلل خاصة؛ ليبني حكمه عليها تضعيفًا وتصحيحًا، ثم أدلة.
وأخيرًا يقدم المؤلف الموسوعة الرابعة، موسوعة القواعد والضوابط الفقهية، التي أودعها قواعد وضوابط فقهية كثيرة مما يتداولها الفقهاء استدلالًا أو ردًّا، وقد انتخب من هذه القواعد والضوابط ما جعله في مدخل أمهات المسائل الفقهية؛ لتعين القارئ على فهم المسألة قبل الولوج فيها، وتكون كالترجمة لها، وقد بذلك جهدًا كبيرًا، واستغرق فترة من الزمن ليجز له ما أمَّل، ويفوز بأجر أو أجرين إن شاء الله تعالى، قاصدًا وجه الله الكريم، فتقبل الله منا ومنه الجهد، ونفع به، وأجزل الثواب ذخرًا عنده سبحانه، وذكرًا بين العلماء العاملين، ودعاء من القراء والمطالعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على نبينا محمَّد، وعلى آله وصحبه، وسلم.
حرره
د. صالح بن عبد الله بن حميد
* * *
1 / 13
عرض معالي فضيلة الشيخ الدكتور محمَّد بن ناصر العبودي
الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإِسلامي
والرحاله المشهور والنسابة والداعية المعروف
عرض معالي الشيخ هذه الموسوعة في جريدة الجزيرة في مقال طويل، قدم قراءته وتقويمه للمشروع في عددها الصادر في يوم الأحد: ١٦/ ٨/ ١٤٢٩ هـ
الموافق ١٧/ ٨/ ٢٠٠٨ م وقد اخترت من عرض معاليه للقارئ الكريم هذه السطور:
قال معاليه: عمل عظيم: إن القارئ للموسوعة الفقهية هذه سيقول بلسان حاله أو مقاله: (إن في الزوايا خبايا، وإنه بقي من فحول الفقهاء بقايا). وإن مؤلفها العالم الفقيه الفذ الشيخ دبيان بن محمَّد الدبيان هو من بقايا الفحول من أولئك العلماء الذين نذروا أنفسهم وأوقاتهم وما يملكون من غير ذلك للبحث العلمي الخالص ..... والمؤلف ليس جماعًا لأقوال العلماء بحشد آرائهم، ونقل أفكارهم حول النصوص فقط، وإنما هو نقادة بالدليل والتعليل لأقوال الفقهاء من المتقدمين والمتأخرين ممن له قول جدير بالانتباه.
ومع أن المؤلف نشأ حنبليًّا كما تدل عليه طبيعة نشأته في مدينة بريدة مركز القصيم، وكبرى مدنها، حيث المذهب الحنبلي هو السائد، وحسبما هو معروف فإنه كان موسوعي النظرة، يورد أقوال العلماء والفقهاء من سائر المذاهب ويناقشها، وينصر ما كان منها أسعد بالدليل من غيره ...
1 / 15
والحقيقة أن هذا العمل عظيم فريد في بابه، لا يكاد المرء يجد له مثيلًا بل إنه يعجب كيف لانت هذه المباحث الفقهية العويصة لفكر المؤلف وفقهه، وسهلت على قلمه حتى استطاع أن يجلوها كاملة أو قريبة من أن تكون كاملة، ومفصلة وموضحة بما ليس عليه من مزيد. فجزاه الله خيرًا.
ثم إن الواحد منا يكبر في هذا الرجل ما عرفه عنه، وأشار إليه في مقدمة كتابه، وهو أنه تفرغ لهذا العمل تفرغًا كاملًا، وقطع علاقته من غيره من أسباب الدنيا.
ونحن نسأل الله ﷾ أن يثيبه، وأن يؤيده بالصحة والعافية ويزيد فهمه استنارة، وقلمه قوة ونشاطًا حتى يكمل هذه الموسوعة الفقهية الفريدة (^١). اهـ
* * *
_________
(^١) وقد أفرد معاليه ترجمة وافية وشاملة للباحث في كتابه الموسوعي الماتع والفريد في بابه (معجم أسر بريدة) والذي ألفه معاليه من غير أن يرجع فيه إلى كتاب مطبوع أو مخطوط، فجاء في ثلاثة وعشرين مجلدًا. وكانت ترجمة الباحث في هذه الموسوعة في المجلد السادس (ص: ٤٥ - ٦٩).
1 / 16
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، والصلاة السلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد، وعلى آل بيته، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فإن العالم اليوم أحوج ما يكون إلى نظام مالي يبشر الناس بإقامة العدل فيما بينهم، ويحفظ لهم أموالهم، ويحصنهم من الكوارث والهزات التي تصيب أسواقهم وتجارتهم، ويمنع الاحتكار والاستغلال، ويردع المتلاعبين، ويعمل بتوازن بين المحافظة على أسواق المسلمين من جهة، وبين حماية حق المستهلك، وحاجته إلى السلع من جهة أخرى.
إن على الفقهاء اليوم مسئولية كبيرة بتقديم النظام الإسلامي إلى البشرية باعتبار أن العدل قيمة إنسانية ضرورية يطلبها كافة الناس وعقلاؤهم، وهذا النظام الإسلامي يتمتع بمرونة عالية جدًا، من ذلك:
(١) أن النظام المالي الإسلامي قائم على الأخلاق، ومراقبة الخالق، قال ﷺ: من غشنا فليس منا. رواه مسلم (^١).
والمسلم يعلم أنه سوف يحاسب على هذا المال من جهتين: جهة الكسب، وجهة الإنفاق، قال ﷺ: لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع، وذكر منها: عن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه (^٢).
_________
(^١) صحيح مسلم (١٠١).
(^٢) روي من حديث أبي برزة، ومن حديث ابن مسعود، ومن حديث أبي سعيد، ومن قول معاذ بن جبل، وهو صحيح بشواهده.
1 / 17
وقدم مفهومًا للمفلس كما في حديث أبي هريرة عند مسلم:
أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا .... فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار (^١).
(٢) أن الإسلام لم يحد المعاملات المالية بحد معين، وإنما ترك للناس حق التطوير والتجديد وإحداث المعاملات والعقود والشروط الجديدة بشرط أن تكون تلك المعاملات وفق القواعد والضوابط الشرعية التي تعمل على إقامة العدل بين الناس، فالأصل في المعاملات في النظام الإسلامي الحل والصحة، فالحلال محدود، وليس معدودًا، والحرام دائرته ضيقة جدًا، ولا يحرم شيء منه إلا لأمر ظاهر معقول المعنى.
وهو بهذه المرونة يعطي الفقيه صلاحية غير محدودة للاستفادة من المعاملات المالية المستجدة والمعاصرة، والقبول بكل ما يمكن أن يكون مقبولًا منها شرعًا، والترحيب به باعتبار أن المعاملات المالية هي حاجة إنسانية تحقق الرفاه والنمو الاقتصادي للإنسان وأن التدخل الشرعي فيها إنما جاء ليحقق العدل، ويمنع الظلم، والاحتكار، والاستغلال، وهذه قيم إنسانية، يشترك فيها العقلاء فضلًا عن المسلمين. فعلى الفقيه أن يبذل كل ما في وسعه، وأن يستفرغ كل جهده للوصول إلى بديل إسلامي لما هو محرم منها، بعد التوصل إلى تصور صحيح نقطع من خلاله، أو يغلب على ظننا بأنه محرم.
(٣) أن النظام المالي الإسلامي ليس من شرط قبوله التعبد، بل هو صالح
_________
(^١) صحيح مسلم (٢٥٨١).
1 / 18
للبشرية كافة على اختلاف مللهم ونحلهم، وصدق الله ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧]، فالمسلم كما هو مطالب أن يتعامل بهذا النظام مع أخيه المسلم، هو محكوم بهذا النظام إذا تعامل به مع باقي الطوائف الأخرى.
(٤) النظام المالي الإسلامي نظام وسطي قائم على التوازن:
ففي الوقت الذي يعطي السوق الحرية المشروعة، وينهى عن التدخل في السوق إذا كان هذا التدخل قائمًا على الإكراه والظلم، كما امتنع الرسول ﷺ عن التسعير، وقال: إن الله هو المسعر القابض الباسط .... وهو حديث صحيح (^١).
خاصة إذا كان ارتفاع السلع راجعًا إلى قلة العرض، أو كثرة الطلب، ولم يكن ناجمًا عن الاحتكار والجشع.
وقال ﷺ في الحديث الصحيح: دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض. رواه مسلم (^٢).
وكما حرم الإكراه على البيع، قال تعالى: ﴿إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ﴾ [النساء:٣٩].
وقال ﷺ كما في حديث أبي سعيد الخدري ﵁: قال رسول الله ﷺ: إنما البيع عن تراض (^٣). وهو حديث حسن.
_________
(^١) رواه أحمد (٣/ ٢٨٦) وأبو داود (٣٤٥١) والترمذي (١٣١٤) وابن ماجه (٢٢٠٠) وغيرهم.
(^٢) صحيح مسلم (١٥٢٢).
(^٣) سنن ابن ماجه (٢١٨٥).
1 / 19