وفيه صفة أخرى جامعة أيضا، هي شدة احترامه «للبرنيطة»، وعمله على إرضائها بكل الوسائل، فما عرف أن زيور رد في حياته طلبا «لبرنيطة» مهما كان حاملها في الناس، حتى لقد زعموا أن بعض كبار علمائنا الأعلام، مصابيح الدجى وعمد الإسلام، بعدما أعياه الكد والجهد وشدة الطلب، والسعي وطول الوقوف بالأبواب، والتردد بين مختلف الأحزاب، في سبيل وظيفة خالية، عزم أخيرا على لبس القبعة لعله يحظى في هذه الأيام
1
بمعونة زيور على إفتاء الديار أو مشيخة الإسلام، ومولانا الشيخ المذكور بوجه خاص، لا يعدم ألف فتوى من الشريعة، تحل له هذه الذريعة.
عدلي يكن باشا
أسمر اللون في شحوب، إلا أن ما يخالط سمرته من صفرة حلو مستعذب. يمتاز بقليل من الطول وكثير من العرض، فهو بعيد ما بين الكتفين حتى لتعرفه موليا كما تعرفه مقبلا. مستوي معارف الوجه، حديد البصر، إذا قدر لك أن يحدق فيك، شعرت أن نظره لا يستقر على سطحك، بل إنه ليتغلغل في أطوائك، ويصل من نفسك إلى كل ما تضن به على الابتذال، وادع ساكن، تتجلجل الدنيا من حوله وهو ثابت ثبات الهرم الأكبر. ولقد تجلس إليه تحدثه في شئون الدنيا، فتطالعه بأجل أحداثها، فلا يتقبض ولا يختلج،
1
إلا أنه يستلقي على كرسيه ثم يدس يسراه في جيبه ويدير بيمناه رزمة من المفاتيح. وتحسب أن ذهنه ليس عندك، إذ هو عندك كله لا يفوته من حديثك قليل ولا كثير.
وكانت لجنة الدستور، وزاره بمحضري رجل من أعضائها، فسأله: ماذا صنعتم اليوم؟ فقال له: كنا نتناقش في موضوع «كذا». فاستوى عدلي على كرسيه، ولبث ساعة يتدفق بالحديث في ذلك الموضوع، ويورد كل مذاهب علماء الدستور فيه، يعلل كل رأي، ويوجه كل مذهب في بلاغة وفصاحة قول ودقة تعبير، وخرجنا وصاحبي يضرب كفا بكف، ويزعم لي أنه لو حلف بكل مؤثمة من الأيمان أن عدلي كان حاضر لجنتهم، ما حنث ولا أثم!
شديد القصد في حديثه، فإذا أذن الله وتكلم، فهو حلو الحديث، رخيم الصوت، بارع المطلع، رائع المقطع، يصيب المحز ويقع من فوره على اللباب. تشعر أنه خلص إلى الغاية، وأصاب من النزاع، دون أن يعلق بقوله شيء من وضر الجدل، وما لا تدعو إليه حاجة الكلام.
لا معني بكل شيء ولا
نامعلوم صفحہ