288

فکر سامی

الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي

ناشر

دار الكتب العلمية-بيروت

ایڈیشن

الأولى-١٤١٦هـ

اشاعت کا سال

١٩٩٥م

پبلشر کا مقام

لبنان

كله فقد كان أكثر الناس إنصافًا لمن هو دونه، وأكثر المفتين والأمراء انقيادًا للحق علي أي لسان ظهر، لا يستنكف من إظهار الإنصاف واعتراف بالقصور، وهو في الحقيقة كمال وفضل، وانصياع للحق، فقد خفي عليه توريث الزوجة من دية زوجها، حتى كتب إليه الضحاك بن سفين الكلابي وهو أعرابي من أهل البادية، أن النبي ﷺ أمره أن يورِّث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها١.
وخفي عليه أن المجوس تكون لهم ذمة، وتؤخذ منهم الجزية، حتى أخبره عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله ﷺ أخذها من مجوس هجر٢.
وخفي عليه سقوط طواف الوداع عن الحائض، فكان يردّهن حتي يطهرن ثم يطفن، حتى بلغه عن النبي ﷺ خلاف ذلك فرجع٣، وكان يفاضل بين الأصابع في الدية حتى بلغته السنة بالتسوية فرجع إليها٤، وكان ينهى عن متعة الحج ثم رجع لما بلغه أمر النبي ﷺ بها٥.
وأعجب من هذا أنه نهى عن التسمّي بأسماء الأنبياء، مع أن محمد بن مسلمة من أشهر الصحابة، وأبا أيوب وأبا موسى، حتى أخبره طلحة بن عبيد الله أن النبي ﷺ كناه أبا محمد فرجع٦.
ومثل ذلك ما وقع فيه في الوفاة النبوية في قوله: من قال إن محمدًا قد مات ضربت عنقه، ولما سمع من أبي بكر تلاوة قوله تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ﴾ الآية قال: والله كأني ما سمعتها٧.

١ أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح "٤/ ٤٢٦".
٢ سبق تخريجه.
٣ في فتح الباري "٣/ ٣٨٠" ما يفيد أنه ﵁ لم يرجع عن رأيه في هذه المسألة، إنما الذي ثبت رجوعه ابنه عبد الله.
٤ انظر نيل الأوطار "٧/ ٧٥".
٥ ادّعاء المؤلف أن عمر ﵁ رجع عن نهيه من متعة الحج غير محرر، انظر التعليق.
٦ لم أجد هذا الأثر، لكن في مجمع الزوائد "٨/ ٤٨" عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن محمد بن طلحة أخبره أن النبي ﷺ سمّاه محمدًا.
"٧ حديث عائشة في وفاة النبي ﷺ، أخرجه في المغازي "٦/ ١٧"، وليس فيه ذكر مقالة عمر هذه، وأخرجه ابن ماجه "١/ ٥٢٠"، وأحمد "٦/ ٢٢٠"، وفي روايتهما أنه ﵁ قال: والله ما مات رسول الله ﷺ، ولا يموت حتى يقطع أيدي أناس من المنافقين كثير وأرجلهم.

1 / 298