عربی فکر حدیث
الفكر العربي الحديث: أثر الثورة الفرنسية في توجيهه السياسي والاجتماعي
اصناف
ويستعملون في مقام صفة «مستبد» كلمات: حاكم بأمره، وحاكم مطلق، وظالم، وجبار. يقابلها: حاكم بالشورى، وحاكم مقيد بقوانين، وعادل، ووديع. وفي مقابلة حكومات مستبدة كلمات: عادلة، ومسئولة، ومقيدة، ودستورية.
ويستعملون في مقام صفة «مستبد عليهم» كلمات: أسرى، وأذلاء، ومستصغرين، ومستنبتين. وفي مقابلتها: محتسبون، وأباة، وأحرار، وأحياء.
هذا تعريف الاستبداد بأسلوب ذكر المرادفات والمقابلات. وأما تعريفه بالوصف فهو أن الاستبداد صفة للحكومة المطلقة العنان التي تتصرف في شئون الرعية كما تشاء بلا خشية حساب ولا عقاب محققين.
ومنشأ الاستبداد إما هو من كون الحكومة غير مكلفة بتطبيق تصرفها على شريعة أو على أمثلة أو على إرادة الأمة، وهذه حالة الحكومات المطلقة التي تخلصت من قيود القوانين بجهل رعاياها، وإما من كونها مقيدة بنوع من ذلك ولكنها تملك بنفوذها إبطال قوة القيد بما تهوى، وهذه حالة أكثر الحكومات التي تسمي نفسها بالمقيدة. والصحيح أن الإنسان لم يتوفق حتى الآن لإيجاد حكومة دستورية تحكم بمشورة الأمة بمعنى الشورى الحقيقي.
وأشكال الحكومة المستبدة كثيرة ليس هذا البحث محل تفصيلها. ويكفي هنا الإشارة إلى أن صفة الاستبداد كما تشمل حكومة الحاكم الفرد المطلق الذي تولى الحكم بالغلبة أو الوراثة، تشمل أيضا الحاكم الفرد المقيد الوارث أو المنتخب متى كان غير محاسب، وكذلك تشمل حكومة الجمع ولو منتخبا لأن الاشتراك في الرأي لا يدفع الاستبداد وإنما قد يعدله نوعا وقد يكون أحكم وأضر من استبداد الفرد. ويشمل أيضا الحكومة الدستورية المفرقة فيها قوة التشريع عن قوة التنفيذ لأن ذلك أيضا لا يرفع الاستبداد ولا يخففه ما لم يكن المنفذون مسئولين لدى المشرعين وهؤلاء مسئولون لدى الأمة التي تعرف أن تراقب وأن تتقاضى الحساب، وهذه أفضل الحكومات لو وجدت.
1
وخلاصة ما تقدم أن الحكومة من أي نوع كانت لا تخرج عن وصف الاستبداد ما لم تكن تحت المراقبة الشديدة والمحاسبة التي لا تسامح فيها كما جرى في صدر الإسلام فيما نقم على عثمان بن عفان رضي الله عنه يوم خص بحكمه ذوي قرباه دون المسلمين، وكما جرى في عهد هذه الجمهورية الحاضرة في فرنسا في مسائل النياشين وبناما ودريفوس.
ومن الأمور المقررة أنه ما من حكومة عادلة تأمن المسئولية والمؤاخذة بسبب من أسباب غفلة الأمة أو إغفالها لها، إلا وتسارع إلى التلبس بصفة الاستبداد، وبعد أن تتمكن فيه لا تتركه وفي خدمتها شيء من القوتين الهائلتين المهولتين: جهالة الأمة والجنود المنظمة. (2) الاستبداد والعلم
ما أشبه المستبد في نسبته إلى رعيته بالوصي الخائن القوي على أيتام أغنياء يتصرف في أموالهم وأنفسهم كما يهوى ما داموا قاصرين؛ فكما أنه ليس من صالح الوصي أن يبلغ الأيتام رشدهم، كذلك ليس من غرض المستبد أن تتنور الرعية بالعلم.
لا يخفى على المستبد أن لا استعباد ولا اعتساف ما لم تكن الرعية حمقاء تخبط في ظلام جهل وتيه عماء؛ فلو كان المستبد طيرا لكان خفاشا يصطاد هوام العوام في ظلام الجهل، ولو كان وحشا لكان ابن آوى يتلقف دواجن الحواضر في غشاء الليل.
نامعلوم صفحہ