عربی فکر حدیث
الفكر العربي الحديث: أثر الثورة الفرنسية في توجيهه السياسي والاجتماعي
اصناف
فقال لجمال الدين: أيصح أن أكون يا حضرة السيد، وأنا ملك ملوك الفرس «شهنشاه»، كأحد أفراد الفلاحين؟ - اعلم يا حضرة الشاه أن تاجك وعظمة سلطانك وقوائم عرشك سيكونون بالحكم الدستوري أعظم وأنفذ وأثبت مما هم الآن. «والفلاح، والعامل، والصانع في المملكة يا حضرة الشاه أنفع من عظمتك ومن أمرائك، واسمح لإخلاصي أن أؤديه صريحا قبل فوات وقته.
لا شك يا عظمة الشاه أنك رأيت وقرأت عن أمة استطاعت أن تعيش بدون أن يكون على رأسها ملك، ولكن هل رأيت ملكا عاش بدون أمة ورعية؟»
هذا الحديث الصريح من جمال الدين للشاه ناصر الدين جاء مصدقا لما وشى به الصدر الأعظم وخوف الشاه منه بقوله: «إن ما يسنه جمال الدين من القوانين لا يفيد البلاد شيئا، ولكنه ينزع سلطان الشاه منه ويعطيه إلى السوقة.» ونفر نفورا بينا من جمال الدين وأعرض عنه، فأحس بهذا التغيير والنفور فاستأذن بالذهاب إلى بلدة شاه عبد العظيم على بعد عشرين كيلومترا من طهران، فأذن له، فسار إليها وتبعه جمع غفير من العظماء والعلماء والوجهاء الذين كان يخطب فيهم ويستحثهم على إصلاح حكومتهم، وما منهم إلا وقد انفعل بخطب جمال الدين الحماسية، وقبلت نفوسهم نزعة الاستقلال، وسرت تلك الروح في البلاد طولا وعرضا وذاع فيها عزم جمال الدين على إصلاح إيران، فخاف ناصر الدين الشاه عاقبة ذلك، فأنفذ إلى بلدة شاه عبد العظيم خمسماية فارس قبضوا على جمال الدين، وكان مريضا فحملوه من فراشه على برذون بصورة فظيعة وعليه دور من الحمى درجة حرارتها أربعون، ولم يسمحوا له باستراحة دقائق حتى أوصلوه إلى حدود المملكة العثمانية في ولاية البصرة. (5) جمال الدين والسلطان عبد الحميد
خرج جمال الدين، على عادته، من حضرة السلطان إلى حجرة رئيس القرناء، فقال له بلطف: يا حضرة السيد، إن إجلال السلطان لحضرتك لم يسبق له مثيل، واليوم رأيناك تخاطبه بلهجة غريبة، وأنت تلعب بالسبحة في حضرته.
فقال جمال الدين: «سبحان الله، إن جلالة السلطان يلعب بمقدرات الملايين من الأمة على هواه وليس من يعترضه منهم، أفلا يكون لجمال الدين حق أن يلعب في سبحته كيف يشاء؟!» أما رئيس القرناء فترك حجرته مهرولا خائفا يترقب من هذا الكلام بهذه اللهجة أن يوشى به إلى السلطان.
رأس بلا تاج أو تاج بلا رأس
لا يسلم - على الغالب - الشكل الدستوري الصحيح مع ملك ذاق لذة التفرد بالسلطان، ويعظم عليه الأمر كلما صادمه مجلس الأمة بإرادته أو غلبه على هواه.
لذلك قلت: إذا أتاح الله رجلا قويا عادلا لمصر وللشرق يحكمه بأهله، ذلك الرجل إما أن يكون موجودا أو تأتي به الأمة فتملكه على شرط الأمانة والخضوع لقانونها الأساسي وتتوجه على هذا القسم، وتعلنه أنه يبقى التاج على رأسه ما بقي هو محافظا أمينا على صون الدستور، وأنه إذا حنث بقسمه وخان دستور الأمة إما أن يبقى رأسه بلا تاج أو تاجه بلا رأس.
هذا ما يحسن بالأمة فعله إذا هي خشيت من أمرائها وملوكها عدم الإخلاص لقانونها، أو عدم قابليتهم لقبول الشكل الدستوري قلبا وقالبا.
الإيمان بقدرة الإنسان
نامعلوم صفحہ