ونظر إلي جورج جاردنر ليرى إذا كنت قد سمعت هذا أم لا، وكنت قد سمعته بالفعل؛ فقال: «لا تستمع إلى هذين الأحمقين يا جو. لقد كان أبوك رجلا رائعا.»
لكنني لا أدري. يبدو أن هؤلاء عندما ينخرطون في الكلام عن أحد، لا يتركون شيئا فيه إلا ونالوا منه.
الفصل الرابع عشر
رقد ماييرا ساكنا ورأسه بين ذراعيه، ووجهه في الرمال. شعر بالدفء واللزوجة من النزيف. وكان يشعر بقرن الثور وهو يضربه في كل مرة. أحيانا كان الثور يضربه برأسه فقط. وذات مرة اخترقه القرن تماما وقد شعر به ينغرس في الرمال. أمسك أحدهم بالثور من ذيله. كانوا جميعا يسبونه ويلعنونه ويلوحون بالرداء الأحمر في وجهه حتى ابتعد. حمل بعض الرجال ماييرا وراحوا يجرون به باتجاه الحواجز وخرجوا به من البوابة عبر الممر المحيط بالمدرج المسقوف من الأسفل واتجهوا به إلى المستشفى. وضعوا ماييرا على سرير، وخرج أحد الرجال في طلب الطبيب، ووقف الآخرون في أماكنهم. أتى الطبيب جريا من الإسطبل حيث كان يخيط جروح خيول البيكادورات. اضطر إلى التوقف كي يغسل يديه. كان هناك صياح عظيم في المدرج المسقوف بالأعلى. شعر ماييرا بأن كل شيء يصبح أكبر فأكبر، ثم أصغر فأصغر. بعد ذلك، غدا كل شيء أكبر فأكبر، ثم أصغر فأصغر. بعد ذلك، بدأ كل شيء يجري أسرع فأسرع، مثلما يكون الحال حين يسرعون وتيرة شريط فيلم سينمائي. وبعد ذلك فارق الحياة.
نهر كبير ذو قلبين
الجزء الأول
مضى القطار على خط السكة الحديدية حتى توارى بعيدا عن مجال البصر، مستديرا حول أحد التلال التي احترقت أشجارها. جلس نك على حزمة قماش القنب والأغطية التي ألقاها عامل الأمتعة من باب عربة الأمتعة. كانت البلدة قد اختفت كل معالمها، ولم يتبق منها سوى السكة الحديدية والريف المحترق. الحانات الثلاث عشرة التي كانت تصطف على الشارع الوحيد في سيني لم يتبق لها أثر. وبرزت أساسات فندق مانشن هاوس من فوق الأرض. كانت الحجارة قد تكسرت وتشققت بفعل النيران. كان ذلك هو كل ما تبقى من بلدة سيني. وحتى سطح الأرض كان محترقا.
تطلع نك إلى الطريق المحترق على جانب التل حيث كان يتوقع أن يرى منازل البلدة المتناثرة، ثم سار على قضبان السكة الحديدية إلى الجسر الذي يمر فوق النهر. كان النهر هناك. وقد كانت تتشكل دوامات حول دعائم الجسر المصنوعة من جذوع الأشجار. نظر نك في المياه الصافية التي انعكس عليها لون القاع البني المغطى بالحصى، وشاهد أسماك السلمون المرقطة تحافظ على ثباتها في التيار بخفقان زعانفها. وبينما كان يشاهدها، راحت تغير مواقعها بزوايا سريعة وقد كان ذلك لكي تحافظ على ثباتها في المياه السريعة من جديد. أخذ نك يراقبها لفترة طويلة.
راقبها وهي تحافظ على ثباتها وأنوفها في التيار، ورأى الكثير منها في المياه العميقة سريعة الحركة، وقد بدت مشوهة بعض الشيء؛ إذ كان ينظر بعيدا إلى القاع عبر السطح البلوري المحدب للمياه، السطح الذي راح يندفع وينتفخ بسلاسة في وجه أكوام الجذوع الخاصة بالجسر. في قاع النهر، كانت هناك أسماك السلمون المرقطة الكبيرة. لم يرها نك في البداية. رآها بعد ذلك في قاع النهر، أسماك كبيرة تحافظ على ثباتها على القاع الحصوي في غشاوة متحركة من الرمال والحصى، يثيرها التيار على دفقات متقطعة.
نظر نك إلى النهر في الأسفل من فوق الجسر. كان يوما حارا. طار أحد طيور الرفراف أعلى التيار. مضى وقت طويل منذ أن نظر نك إلى مجرى نهر ورأى أسماك السلمون المرقطة. كانت رؤيتها تمنحه شعورا كبيرا بالرضا. وبينما راح ظل طائر الرفراف يتحرك أعلى النهر، اندفعت سمكة سلمون كبيرة إلى أعلى التيار في زاوية طويلة، ولم يكن سوى ظلها هو الذي يحدد الزاوية، ثم تلاشى ظلها حين وصلت إلى سطح المياه وسقطت عليها الشمس، وحين عادت إلى التيار تحت السطح، بدا أن ظلها يطفو في النهر مع التيار، واتجهت دون مقاومة لموقعها تحت الجسر حيث صمدت في مواجهة التيار.
نامعلوم صفحہ