وقلت له: «ألست أنت الرجل الذى يكلف هؤلاء الأولاد المساكين أن يتلووا ويتعوجوا وينطوا ويقفزوا»؟
قال: «نعم يا سيدى». قلت: «أرنا إذن بعض ما أتقنت يا صاحبي».
قال : «نعم».
قلت: «تلو.. تعوج.. انثن.. انحن.. افعل كل ما رأيتك تأمرهم أن يفعلوا.. تفضل».
فتردد برهة لا أدرى لماذا أو كيف، ثم كأنما بدا له أن خير ما يصنع هو أن يطيع وأمره لله.. فراح ينثنى ويعتدل، وأنا أقف أنظر إليه معجبا مسرورا، وكلما نظر إلى استزدته حتى خيل إلى أن ظهره سيقصم.. فدعوته أن يقف، وشرعت أفكر فى عذاب آخر أنزله به، ففركت جبينى ثم تذكرت فقلت: «آه.. لقد كنت واثقا أنى سأتذكر.. اصنع من جسمك عقدة كعقدة الحبل».
فلم يفهم، فقلت له مرة أخرى: «ألا تعرف العقدة؟ تلف الحبل وتصنع منه دائرة وتدخل طرفا منه فى هذه الدائرة ثم تشد الطرفين فتعقد العقدة. هكذا أريد منك الآن أن تصنع بنفسك. اصنع من خصرك دائرة وأدخل ساقك فيها.. أو لا أدرى كيف تصنع ذلك؟ المهم أن تصنع ذلك وأن أراه ... تفضل».
فرقد الرجل على الأرض، وراح يقوس ظهره كما لم أكن أتوقع أن يستطيع أن يفعل.. وأنا متكئ على المائدة، وفى يدى سيجارة أشعلتها ورحت أدخن وأنظر معجبا مغتبطا. ورأيته يحاول أن يعقد العقدة التى أمرته بها، فلم يسعنى إلا أن أضحك.. فقد كان منظره يغرى بذلك وهو يلتوى على الأرض، ولكنى لحماقتى ضحكت والدخان فى فمى، فكادت روحى تزهق ... وجعلت أسعل سعالا شديدا، فاغتنم الخائن الماكر هذه الفرصة ووثب إلى رجليه ثم إلى النافذة، ومنها إلى حيث لا أعرف.
وبينما كنت أوصد النافذة.. وأنا آسف على المتعة التى لم تطل، إذا بمضيفى يقول: «يا أخى أنت كنت فين.. لقد حدثتنى نفسى أن أبلغ البوليس والله».
فقصصت عليه القصة وأنا أكاد أقع من الضحك، فقال: «يا شيخ حرام عليك.. هذا رجل مسكين».
فصحت به: «أما أنك لرجل مدهش.. إذا كنت تعتقد أن تكليفه هذه الحركات البهلوانية تعذيب له فإنها تكون أيضا تعذيبا لأولادك».
نامعلوم صفحہ