فقال ببطء: «الجواب على السؤال الأول بالنفى.. النفى البات.. أما الشطر الثانى من السؤال، فإن الرد عليه يكون بعد الأكل.. فإنه يحتاج إلى عقل، والعقل يذهب به الجوع». فعادت تصيح به: «ولكن كيف تجرؤ»؟
فقال بهدوء: «من الغريب أنى جئت إلى هنا لآكل لا لأتكلم أولا يا امرأة». فقالت: «هل عنيت بالبحث فى ثيابك؟ بالطبع لم تعن..».
فالتفت إلى حسن، وقال: «شف يا حسن.. شف.. احذر يا ابنى أن تتزوج.. لا عذر لك وقد رأيت بعينك ما تصنع الزوجات ببعولتهن».
فقال حسن: «أظن أنى سأتزوج.. وعلى فكرة كيف تسمح لنفسك أن تتهمنى بالسرقة»؟
فرفع أحمد يديه إلى السماء، ثم التفت إلى حسن وقال: «وأنت أيضا؟ لم يبق لى عيش فى هذا البيت.. فلأرحل». ونهض، وقال: «يا امرأة، إنى فى المكتب».
لم ندع مكانا فى البيت إلا بحثنا فيه، ولا ثوبا فى خزانة أحمد إلا نفضناه وقلبنا جيوبه.. حتى السجاجيد رفعناها ونظرنا تحتها.. حتى الستائر نحيناها وأجلنا عيوننا فيما وراءها وفيها أيضا مخافة أن يكون حبل العقد قد علق بشيء منها. فلم نجد عقدا ولا حبة من عقد، فيئسنا وحل الاكتئاب محل البشر، فقد كنا إلى ما قبل ذلك نعتقد أن العقد موجود فى مكان ما ولكن أعيننا لا تراه. وقد أعدنا البحث مرة أخرى لظننا وتوهمنا أننا تخطيناه بعيوننا ونحن نديرها كما هى العادة فى حالة الاضطراب. ولم يكن أحمد يعفينا من مزاحه فى خلال هذا البحث المتعب.. فلما كففنا، قال وهو يضطجع ويشعل سيجارته: «لا فائدة.. لقد كنت أعلم من أول الأمر أن لا فائدة.. قلت لكم مائة مرة أن هذه الزوجة تعرف أين يوجد العقد.. نعم، هى خبأته». فصاحت به: «ألا يمكن أن تسكت»؟
فقال: «أسكت كيف.. وأنت تحمليننا كل هذه المشاق من أجل خرزات»؟.. ولم يتمها.. فقد هجنا به احتجاجا على وصف حبات اللؤلؤ بأنها خرزات.
ولما هدأت الضجة، قالت أختى: «اسمعوا.. إنى لم أعد أطيق البقاء هذا النهار فى البيت، فلنذهب إلى أى مكان آخر ولنتغد هناك».
وكان هذا اقتراحا حسنا، فإن بقاءنا فى البيت كان خليقا بأن يغرينا باستئناف البحث مرة وأخرى، فنشقى على غير جدوى. فمن الخير أن نخرج وأن نقضى النهار فى مكان آخر ثم نعود.. ومن يدرى؟ فقد نجد العقد تحت عيوننا حين نعود كما يحدث كثيرا. وما زلت أذكر كيف كنت أبحث مرة عن قلمى وكانت أختى معى، فلما تعبنا جلسنا على الكراسى وهممت بأن أخرج سيجارة وإذا بالقلم بين أصابعى.. ومن الغريب أن أختى لم تره فى يدى كما لم أره. وقد ذكرت أختى بهذه الحكاية أو الحادثة، وفى مرجوى.. أن أبعث فى نفسها الأمل، فلا تقضى النهار يائسة، وإن كانت تتشجع وتتجلد ولا تبدى جزعا.
وقمت إلى حمامى على حين راح غيرى يلبس الثياب استعدادا للخروج.. وكان طبيعيا أن يفرغوا من شأنهم قبلى وأن يستبطئونى، فإنى أنا فى حركة دائمة فى الحمام، وهم لا يصنعون شيئا بعد أن لبسوا الثياب ووقفوا ينتظرون.. وليس أشد على المضطرب القلق من الانتظار. فأقبلوا على باب الحمام يدقون عليه بأيديهم وينقرون بأصابعهم، ويدعوننى أن أسرع..
نامعلوم صفحہ