أجاب الفتى: «إنه من إنجلترا.»
سأل آخر: «كم سيقضي من الوقت هنا؟» - «أسبوعين. انقضى منهما أسبوع، وسيغادر بعد أسبوع.»
سأل فتى ثالت: «وهل جاء إلى هنا من قبل؟» - «نعم، هذه زيارته الثانية. إنه يقيم في الإسكندرية، لكنه يفكر في الانتقال إلى هنا العام المقبل.»
ألح عليه أحدهم: «هل سيشتري لك دراجة بخارية؟»
أجاب دون اكتراث: «بإذن الله، لكني لم أطلبها منه بعد.»
رشفت الشاي، وواصلت قراءة الجريدة. سمعت هذا الحوار مرات عديدة شأني في ذلك شأن أهل المدينة الذين كانوا يستمعون إليه أيضا. قد يبدو إجراء حوار كهذا على الملأ في نظر الكثيرين في الغرب أمرا غريبا - وهذا أقل ما يوصف به - لأن هناك اعتقادا سائدا بانتشار فوبيا الشذوذ الجنسي في العالم العربي وفي مصر على وجه الخصوص. لكن نظرا لأن الفتى يفترض أنه الطرف الفاعل في علاقته مع الأجنبي «المثلي» - أو على الأقل ليس الطرف السلبي - فإنه لا يخجل من الاعتراف بالعلاقة، وباعتبار الأجنبي غريبا فلا يتوقع منه الالتزام بالأعراف والقيم المحلية. وصل الأمر إلى حد إشارة أهل البلد إلى الأجنبيات العجائز بكلمة «مثليات» لأن الاسم في نظرهم يشار به فقط إلى أي فرد - ذكرا كان أم أنثى - يلعب الدور السلبي في العلاقة.
وهكذا فلا يوجد هنا تقريع المثليين على غرار ما يحدث في الغرب، ولا اضطهاد منظم ضدهم، لأن أهل المدينة لا يعرفون مفهوم «المثلية» السائد في الغرب بمعنى اختيار الشخص أن «يحيا حياة المثليين»؛ وهو أمر بغيض كلية حتى في نظر أكثر فتيان البلد حماسا، لأنه يهدد التسلسل الهرمي القبلي ذي الأهمية البالغة. وما دام صديق الفتى الغربي المسن موجودا في المدينة، فإن الضغط الوحيد الذي قد يواجهه هذا الفتى هو إلحاح أصدقائه المستمر لاصطحابهم إلى شقة الأجنبي، أو إغداق الثروة التي وجدها مؤخرا عليهم.
في حين تتخذ علاقات الأجنبيات العجائز مع الشباب من مسمى الزواج العرفي غطاء قانونيا، يتخذ المثليون الغربيون من مسمى «الصداقة» غطاء اجتماعيا في تلك البيئة الذكورية لتبرير علاقته مع الشاب. وليس معنى هذا أن أحدا سيطلب منه هذا التبرير؛ فما يفعلانه خلف الأبواب المغلقة ليس من شأن أحد. وما دام الطرف المصري في العلاقة ليس طفلا - إذ يحاط الأطفال ببالغ الحب والحماية - فسيكون من المشين (والمحظور) أن يتحدث أحد من أهل المدينة عنها، وإن أصر على ذلك، فسوف يخلق على الأرجح عداوة دائمة بينه وبين عائلة الشاب. حسن التمييز إذن هو اسم اللعبة. وصحيح أن الفتى قد يكون من عائلة فقيرة، لكن الأقصر تخلو من الأطفال الذين يتضورون جوعا ويعانون التشرد وإدمان الكلة (لصق الأحذية) كهؤلاء الذين يتعرضون مع الأسف لاستغلال سائحي الجنس في البلاد العربية الأخرى مثل المغرب وتونس. وهكذا، ما لم يكن ذهاب الشاب إلى شقة الأجنبي نابعا من رغبته هو، فالنتيجة الأكيدة أنه لن يذهب، وأفضل ما يمكنه فعله عندها هو الكف عند هذا القدر من التورط في العلاقة، وترك مسألة الإنفاق المادي على أسرته.
عادة ما يقدم هؤلاء الرجال من الغرب - المعروفين تاريخيا بانجذابهم نحو العالم العربي لأنهم يرون عهد تحرر المثليين في الغرب مختزلا وكابتا - إلى أسرة الشاب المصري حيث يشار إليهم باسم «عمه». وقد دامت بعض علاقات الصداقة هذه في الأقصر سنوات عديدة، بل استمرت بعد بلوغ الفتى أشده وزواجه.
إذا كانت الأمور تسير على هذا المنوال الهادئ دائما، فإني أجد رغبة في الثناء على تحررية وتساهل هذه العلاقات، خصوصا أنه كثيرا ما يصور العرب في الغرب على أنهم متكلفو الحياء ومكبوتون فيما يتعلق بالعلاقات الجنسية. لكن إن كان إحساس المصريين بالكبرياء هبة عبد الناصر لهم، فإن لعنة مبارك عليهم أنه خلق مناخا ثقافيا صارت فيه الانتهازية الصفيقة وانعدام الكرامة هي الطبائع الوحيدة المميزة للشخصية. ففي بلد ينهب ذوو النفوذ فيه خيراته ونسمع فيها كل يوم عن فضائح تهريب الوزراء لعشرات الملايين من الدولارات إلى بنوك أجنبية، أصبح ينظر إلى السرقة والاحتيال على أنهما السبيل الوحيد للتقدم.
نامعلوم صفحہ