وأشهد أن لا إله إلا الله لا نشرك به شيئا ولا نعبد من دونه أحدا، وأن محمدا رسول الله بلغ رسالات ربه، وجاهد في سبيله حتى أتم الله النصر لدينه
صلى الله عليه وسلم .
السلام عليك يا رسول الله! السلام عليك يا أبا بكر! السلام عليك يا عمر!
أتممت نجواي وبقيت مكاني مأخوذا، يهتز قلبي وتضطرب مشاعري، ويضيء بصيرتي نور أحسه في أعماق نفسي، فأراني أسمو فوق ما ألفت، وأذكر موقفي من حراء ويتمثل أمامي كرة أخرى يوم الوحي الأول في سناه وبهائه، ثم أذكر موقفي من غار ثور، وتتمثل لي هجرة النبي إلى هذه المدينة التي أقف الآن بها أمام قبره، وتمثلت أمامي غزواته، وحياته، وأصحابه، كأنما تتابع هذه المواقف جميعا أمام باصرتي مليئة بالحياة، مضيئة بالإيمان، وبما يدفع الإيمان إليه من جهاد في سبيله، وانقضت فترة آن للنفس فيها أن تهدأ، فانسحبت من موقفي أمام الحجرة في إكبار وإجلال، وسرت خافض الرأس حتى بلغت منبر رسول الله في الروضة، فصليت ركعتين، واستغفرت الله لي وللمؤمنين، وانصرفت من المسجد راضيا عن نفسي، طامعا في مغفرة الغفور الرحيم ذنبي، هو غافر الذنب قابل التوب شديد العقاب.
وعدت إلى الدار وتناولت طعامي وأتممت عدة سفري، ثم ذهبت إلى التكية المصرية أؤدي لأصحابي المصريين فيها وأؤدي لناظرها حق الشكر للطفهم كلطف أهل المدينة بي، وسرني ما ذكروا من قيام طائفة من بني وطني في هذا الوقت الذي أزمعت القيام فيه لقضاء ليلهم بالمسيجيد مثلي، فلما تنصف الوقت بين العصر والمغرب كنت بالدار أودع أهلها وأودع الذين جاءوا لوداعي من أهل هذه المدينة المباركة، مدينة النبي العربي، وأرجو الله لي ولهم أن يجمعنا بها كرة أخرى عما قريب، وسبقنا «البكس» بعد أن حمل متاعنا، وأقلتني السيارة وأقلت أصحابي معي، وانطلقت تبتغي المسيجيد لتنطلق منها بكرة الصباح في طريق بدر.
وداعا مدينة رسول الله! وداعا قبر النبي الكريم! وهب لي رب من لدن برك ورحمتك أن أعود إلى هذه المدينة فأزور هذه الحجرة المباركة أذكر فيها أشد الناس حبا لهدى الناس، وأشهدك على حبي إياه أكثر من حبي نفسي، لقد اصطفيته وفضلته وجعلته أسوتنا إلى رضاك وعطفك، فهب لنا من فضلك ما يسمو بنفوسنا إلى هذه الأسوة، وهيئ لنا ربنا من أمرنا رشدا! لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الكتاب السادس
أوبة الرضا
بدر وشهداؤها
خرجنا إذن من المدينة عصر الجمعة، الحادي عشر من شهر المحرم، الثالث من شهر أبريل، نقصد المسيجيد لقضاء الليل «بأوتيلها» والقيام بكرة الصباح إلى بدر، لقد فاتني السير في أثر الرسول إلى خيبر، ولم يكن في المقدور أن أذهب إلى حيث ذهبت جيوش المسلمين بأمره إلى مؤتة وإلى تبوك ما دامت سكة الحجاز الحديدية معطلة، وسير القوافل إلى هذه الجهات غير منتظم، وصحبة القوافل التي تطرد أحيانا مغامرة لا أطيقها، فلأختم جولاتي خلال الحجاز بزيارة بدر والوقوف على آثارها وعلى قبور شهدائها، فبدر هي الغزوة الأولى في الإسلام، التقى فيها الإيمان والشرك، فنصر الله الإيمان بجنده وعززه بأيده، ووقف فيها رسول الله يستنجز ربه النصر الذي وعده ويقول في دعاء وابتهال: «اللهم هذه قريش قد أتت بخيلائها تحاول أن تكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني! اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد.» فلما أتم الله النصر للمسلمين فيها على خصومهم كان ذلك الفتح الأول الذي استقر به الأمر للمسلمين من بعد، فكان مقدمة الوحدة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية، ومقدمة الإمبراطورية الإسلامية في العالم كله.
نامعلوم صفحہ