miniature painting
في إيران والهند وتركيا، وبه يفسر أيضا وجود الصور الآدمية والحيوانية على منتجات الطراز الفارسي في الفن الإسلامي ، وعلى منتجات العصر الفاطمي بمصر، ولا دخل للمذهب الشيعي في ذلك، فإن الأيوبيين مثلا كانوا من أبطال المذهب السني، ومع ذلك فقد كانوا يقبلون على التحف المعدنية ذات الموضوعات الزخرفية المستمدة من الإنجيل. وفضلا عن ذلك فإن الهنود، والترك، والمسلمين الذين شيد لهم قصر الحمراء، والذين صنعت لهم التحف العاجية ذات الزخارف الآدمية، كل هؤلاء كانوا سنيين، بل إن إيران لم تتخذ المذهب الشيعي مذهبا رسميا لها إلا منذ بداية القرن السادس عشر الميلادي.
ومهما يكن من شيء، فإن كراهية تصوير المخلوقات الحية كان لها تأثير عميق في طبيعة الفنون الإسلامية يمكن تلخيصه في الأمور الآتية: (أ)
جعلت المسلمين ينصرفون إلى إتقان أنواع أخرى من الزخرفة بعيدة عن تجسيم الطبيعة الحية أو تصويرها، وقد أفلحوا في هذا الميدان حتى أصبحت العناصر الزخرفية التي ابتدعوها طابعا على فنونهم، وصارت تنسب إليهم كما يظهر من لفظ «أرابسك». (ب)
أن المساجد وأثاثها والمصاحف روعي في زخارفها استبعاد رسوم الكائنات الحية، فأصبحت في الغالب خالية من الصور والتماثيل التي يستعان بها على شرح العقائد الدينية، وتوضيح تاريخ الدين وحياة أبطاله، كما في المسيحية مثلا. (ج)
أن الفنون الإسلامية لا تظهر فيها عبقرية النحات؛ فالتماثيل التجسيمية لا يكاد يؤبه لها، والفنانون ينصرفون إلى العمارة وإلى زخرفة المباني وتزيين التحف بالرسوم الفنية. (د)
أن صناعة التصوير التي ازدهرت عند الفرس والهنود المسلمين والترك لم تعرض للموضوعات الدينية إلا فيما ندر. أجل إن بعض المصورين رسموا صورا لعدد من الحوادث المشهورة في تاريخ الرسل المختلفين، كما أنهم رسموا صورا لبعض الحوادث في السيرة النبوية (ميلاد النبي - مقابلة النبي للراهب بحيرا في الشام - وضع الحجر الأسود في الكعبة بيد النبي - نزول الوحي - الهجرة إلى يثرب مع أبي بكر - الإسراء والمعراج - تكسير النبي للأصنام في الكعبة بعد فتح مكة - حادث غدير خم الذي يزعم الشيعة أن النبي أوصى عنده بالخلافة لعلي بن أبي طالب)، ولكن أمثال هذه الصور كانت نادرة ولم تحز رضاء رجال الدين، حتى ليمكننا أن نرى في هذا الميدان فرقا عظيما بين الفنون الإسلامية والفنون الغربية، فقد كان المصورون في الغرب على اتصال وثيق بالكنيسة يستلهمونها موضوعاتهم، ويستمدون منها تشجيعهم، فغلب على منتجاتهم الطابع الديني إلى عصر غير بعيد، بينما كان رجال الدين في الإسلام ينبذون المصورين، ولا يقدرون مواهبهم الفنية، ولا يمنحونهم أي تعضيد.
شكل 4-1: غطاء إبريق من الفخار عليه زخارف محفورة ومنقوشة، وهو من صناعة إيران في القرن الحادي عشر الميلادي، ومحفوظ الآن بمتحف متروبوليتان في نيويورك.
شكل 4-2: كأس من الخزف مذهبة ومنقوشة بالألوان من صناعة مدينة الري بإيران في القرن الثالث عشر محفوظة بمتحف اللوفر في باريس. (ه)
أن علت مكانة الخطاطين في الإسلام لعنايتهم بكتابة القرآن، ولأن فنهم لم يكن مكروها من رجال الدين، وكان يليهم في خطر الشأن المذهبون الذين كانوا يزينون بجميل الرسوم الهندسية والنباتية بعض صفحات المخطوطات. وقد زاد الإقبال على منتجات هؤلاء الفنانين حتى إن الذين لم يستطيعوا شراء مخطوط بأكمله كانوا يقنعون بالحصول على نموذج من كتابة خطاط مشهور، وأصبحت هذه النماذج ضالة الهواة، وارتفعت أثمانها - وكانت في الغالب آيات قرآنية أو أبياتا من الشعر - وجمع منها الأمراء والأغنياء في الهند وإيران وتركيا ومصر المجموعات الفاخرة. وكان على أكثر هذه النماذج توقيع الخطاطين، ومن أعلاهم كعبا ابن مقلة وابن البواب وياقوت المستعصمي. (و)
نامعلوم صفحہ