وفي سنة 836، شيد الخليفة المعتصم مدينة سامرا أو سر من رأى على الضفة اليمنى لنهر دجلة، وعلى بعد مائة متر شمالي بغداد، واتخذها عاصمة جديدة للدولة. وقد ذاع صيت سامرا بالقصور العظيمة التي شيدها فيها المعتصم وخلفاؤه، حتى هجرها الخليفة المعتمد سنة 883، وأرجع البلاد والحكومة إلى بغداد، وسقطت أبنيتها الواحد بعد الآخر اللهم إلا الجامع. وقبيل الحرب العظمى قامت بعثات علمية أوروبية بحفائر كبيرة للكشف عن أنقاضها، ولا يخفى أن لهذه الأنقاض أهمية كبيرة في تاريخ الفن الإسلامي، ولا سيما في مصر؛ لأن أحمد بن طولون - الذي كاد أن يستقل بحكم وادي النيل سنة 868م - كان قد نشأ في سامرا، فنقل إلى مصر ما كان في العراق من أساليب العمارة والزخرفة. ويتجلى ذلك كله في جامع أحمد بن طولون الذي يعتبر في عمارته وزخرفته الجصية مثالا حيا من أمثلة الفن العراقي في القرن التاسع الميلادي.
وقد تم بناء هذا الجامع سنة 878، وهو يتكون من صحن مربع مكشوف، وتحيط به أروقة من جوانبه الأربعة، وتقع القبلة في أكبر هذه الأروقة، وهناك ثلاثة أروقة خارجية بين جدران الجامع وبين سوره الخارجي، وتسمى الزيادات، ولعلها بنيت حينما ضاق الجامع عن المصلين، وجامع ابن طولون مشيد بآجر أحمر غامق، وأقواس الأروقة محمولة على دعائم ضخمة من الآجر تكسوها طبقة سميكة من الجص، بدلا من الأعمدة التي كان المسلمون يأخذونها من الكنائس والمعابد القديمة، ولكن أهم ما يمتاز به هذا الجامع هو مئذنته أو منارته التي تقع في الرواق الخارجي الغربي، فتكاد لا تتصل بسائر بناء الجامع، وهي مبنية بالحجر، وتتكون من قاعدة مربعة تقوم عليها طبقة أسطوانية وعليها طبقة أخرى مثمنة. وأما السلالم فمن الخارج على شكل مدرج حلزوني، وليس لهذه المنارة نظير في الأقطار الإسلامية، اللهم إلا في المسجد الجامع وفي مسجد أبي دلف بسامرا.
وأبنية الجامع الطولوني مغطاة بطبقة سميكة من الجص، وعلى أجزاء كبيرة منها زخارف هندسية جميلة مأخوذة عن الزخارف العراقية في سامرا. وقد عثرت دار الآثار العربية في حفائرها بجهة أبي السعود جنوبي القاهرة على بيت من العصر الطولوني على جدرانه زخارف جصية مأخوذة عن نوع من الزخارف الجصية في سامرا.
ومما امتاز به العصر العباسي نوع من الخزف ذو بريق معدني
lustre
ذاع استخدامه في العراق وإيران ومصر والشام وإفريقية والأندلس، وكانت تصنع منه آنية يتخدها الأمراء والأغنياء عوضا عن أواني الذهب والفضة التي كان استعمالها مكروها في الإسلام؛ لما تدل عليه من البذخ والترف المخالفين لتعاليم الدين، كما كانت تصنع منه أيضا تربيعات تكسى بها الجدران كالتي لا تزال باقية حتى الآن في جامع القيروان.
وقد وصلت إلينا بعض صور وتزاويق من العصر العباسي وجدت على بعض الجدران في أطلال مدينة سامرا، وأشهر هذه الصور رسم فيه راقصتان، ويشهد بما كان للأساليب الفنية الفارسية من تأثير على التصوير في العصر العباسي.
الطراز الإسباني المغربي
قام في المغرب والأندلس على يد دولة الموحدين في القرن الثاني عشر الميلادي، والمعروف أن جمع المغرب والأندلس تحت سلطان واحد حدث على يد المرابطين، وهم أسرة من المسلمين البربر كانت تحكم شمالي أفريقيا منذ القرن الحادي عشر، ثم حدث أن استعان بها مسلمو الأندلس لمقاومة تقدم المسيحيين في طرد المسلمين من إسبانيا، فهب المرابطون لنجدة المسلمين في الأندلس مرة، ثم ساروا لنصرتهم مرة أخرى، ضموا بعدها بلاد الأندلس الإسلامية إلى دولتهم في إفريقية سنة 1090، ولكن دولة المرابطين في المغرب لم تلبث أن اضمحلت وخلفتها أسرة الموحدين سنة 1130، وأرسل الموحدون إلى الأندلس جيشا استولى عليها بين سنتي 1145 و1150، وظلوا يجاهدون ضد المسيحيين حتى هزموا سنة 1235، وكان ذلك نذير طردهم من إسبانيا، ومنذ سنة 1236 صار نفوذ المسلمين في إسبانيا قاصرا على مملكة غرناطة التي كان يحكمها بنو نصر، والتي سقطت في سنة 1492، فانتهى بسقوطها حكم المسلمين في الأندلس.
وقد كانت الزعامة في ميدان هذا الفن الإسباني المغربي لمراكش وإسبانيا، بينما لم يكن فيه للجزائر أو لتونس شأن خطير، ولا غرو فقد كانت الصلة وثيقة بين مراكش والأندلس حين كان الإقليمان خاضعين للموحدين، ثم بعد أن سقط الموحدون في بداية القرن الثالث عشر، وغدت الأندلس الإسبانية ممثلة في بني نصر بغرناطة، بينما كان يحكم مراكش بنو مرين (سنة 1195-1470). فإلى عصر الموحدين تنسب بعض العمائر الشهيرة في الطراز المغربي؛ كجامع الكتبية في مراكش، والأبواب الجميلة في رباط ومراكش، وكالجيرالدا (منارة جامع أشبيلية)، وإلى عصر بني نصر في غرناطة يرجع قصر الحمراء سيد العمائر المغربية على الإطلاق، وقصر جنة العريف، كما ترجع إلى عصر بني مرين المدارس الجميلة في مراكش. واضمحل الفن المغربي في القرن الخامس عشر، وكانت له نهضة ثانية على يد أسرة الأشراف السعديين في مراكش. ويرجع إلى عهد هذه الأسرة مشهد السعديين المشهور ومدرسة بني يوسف في مراكش.
نامعلوم صفحہ