فی عالم رؤیا
في عالم الرؤيا: مقالات مختارة لجبران خليل جبران
اصناف
خرج العبيد والجنود يبحثون عن الشاعر، وظل الأمير وأعوانه صامتين حائرين مترقبين، كأن نفوسهم قد شعرت بوجود شبح غير منظور منتصب في وسط تلك القاعة.
وبعد هنيهة عاد رئيس الخصيان وارتمى على قدمي الأمير كطائر رماه الصياد بسهم، فصرخ به الأمير قائلا: «ما الخبر؟ ماذا جرى؟»
فرفع الزنجي رأسه وقال مرتعشا: «قد وجدنا الشاعر ميتا في حديقة القصر.» فانتصب الأمير وقد علت سحنته سيما الحزن والكمد، ثم خرج إلى الحديقة يتقدمه حاملو المسارج ويتبعه القواد والكهان، ولما بلغوا أطرف الحديقة حيث أشجار اللوز والرمان، جلت لهم أشعة السرج الصفراء جثة هامدة مرتمية على الأعشاب كغصن ورد ذابل.
فقال أحد الأعوان: «انظروا كيف عانق قيثارته كأنها صبية حسناء. أحبها وأحبته، فتعاهدا على أن يموتا معا.»
وقال أحد القواد: «لم يحدق في أعماق الفضاء كعادته كأنه يرى بين الكواكب خيال إله غير معروف.»
وقال رئيس الكهان مخاطبا الأمير: «غدا نقبره في ظلال هيكل عشتروت المقدسة، فيسير سكان المدينة وراء نعشه وينشد الفتيان قصائده وتنثر العذارى الأزهار على ضريحه. لقد كان شاعرا عظيما، فليكن احتفالنا بدفنه عظيما.»
فهز الأمير رأسه دون أن يحول عينيه عن وجه الشاعر المتشح بنقاب الموت، ثم قال ببطء: «لا، لا، لقد أهملناه إذ كان حيا يملأ جوانب البلاد من أشباح نفسه ويعطر الفضاء بأنفاسه، فإذا ما أكرمناه ميتا تسخر بنا الآلهة وتضحك منا عرائس المروج والأودية. ادفنوه ها هنا حيث فاضت روحه وأبقوا قيثارته بين ذراعيه. وإن كان بينكم من يريد أن يكرمه فليذهب إلى بيته ويخبر أبناءه بأن الأمير قد أهمل شاعره فمات كئيبا وحيدا منفردا.»
ثم التفت حوله وزاد قائلا: «أين الفيلسوف الهندي؟»
فتقدم الفيلسوف وقال: «ها أنذا أيها الأمير العظيم.»
فقال الأمير: «قل، قل أيها الحكيم، هل ترجعني الآلهة أميرا إلى هذا العالم وتعيده شاعرا؟ هل تلبس روحي جسد ابن مليك عظيم وتتجسم روحه في جسد شاعر كبير؟ هل توقفه النواميس ثانية أمام وجه الأبدية لينظم الحياة شعرا، وتعيدني لأنعم عليه وأفرح قلبه بالمواهب والعطايا؟»
نامعلوم صفحہ