فی اوقات فراغ
في أوقات الفراغ: مجموعة رسائل أدبية تاريخية أخلاقية فلسفية
اصناف
هذا ما قدرت أن أكتبه إليك، ولعلي أكون وفيت بالوعد. إلى الملتقى وأهديك ألف قبلة.
نفيسة
قرأت عائشة الرسالة فلما جاءت على آخرها، وضعتها جانبا، وألقت ذراعيها الناعمتين فوق لحافها، ورجعت إلى عالم خيالها الذي كانت فيه بالأمس ساعة نومها، والذي مدت نفيسة برسالتها في أطرافه. وبقيت حتى دخلت الخادمة من جديد لتخبرها أن والدها قد حضر ويريد أن يراها. فقامت ولبست ثياب البيت وذهبت إليه، فأخذها إلى جانبه بعد أن تبادلا تحية الصباح. ثم ملس على شعرها الأسود البديع المرسل على أكتافها وسألها: من عند نفيسة الجواب اللي أخذتيه النهاردة. مش كده - أنا عرفت خطها. خطها كويس. وازيها.
فأخبرته عائشة أنها مسرورة وأنها تسلم عليهم، ثم استأذنته أن تذهب لترد لها على خطابها. ولما انفردت بنفسها أخذت قرطاسا وكتبت:
عزيزتي نفيسة
بلغتني رسالتك وبلغتني رسالة القمر، فهاجت من نفسي كامنا كنت أود أن يبقى في كنه حتى أهبه نفسي وإن لم أقدر بقيت حتى يذهب معي إلى قبري. أما اليوم وقد ظللت أعالج من أثر الفكر ما أضناني وما أحسبه سيبقى حتى يزيدني ضنى ولوعة، فما أحوجني لهذا الشخص الذي لا أعرف، والذي أتخيله أنا الأخرى أمامي. وإني أسأل نفسي اليوم إن كان ذلك الشخص هو الذي سيقدمه لي أبي يوما ما أو هو شخص آخر، فأشعر كأن صوتا يرن في صدري وتسمعه آذاني يقول لي إنه لن يكون محبوبي الذي آمل، بل هو الإنسان الذي يسلبني حريتي وحياتي طوعا أو كرها، فيوقعني هذا الشعور في ألم ما أكبره. وليس في وسعي أن أكتب لك اليوم طويلا، فإذا سمحت أن تعجلي بالرجوع إلي وجدت كل منا في صاحبتها عزاء. وفي انتظار مجيئك القريب أهديك ألف قبلة وألف سلام.
عائشة
وبعد كتابته ذهبت إلى مكتب أبيها، فأخذت منه طابعا ألصقته على الغلاف، وأعطته إلى خادمتها لتضعه في صندوق البريد.
الكتاب الثالث
خواطر في التاريخ والأدب
نامعلوم صفحہ