نعم، لقد صدق الفيلسوف هيرقليطس الإغريقي، إذ قال بمبدأ التغير والحركة.
على شواطئ البحار صراع عنيف دائم بين الماء واليابسة، وهذا الصراع لا بد من أن يحدث تغيرا بطيئا من طبيعة الشاطئ.
تخيل أنك زرت شاطئا بحريا يعلو سطح البحر، وقد غشيته الأعشاب. ثم تخيل بعد ذلك أنك زرت هذا الشاطئ عينه بعد ثلاثين سنة، فلم تجد عشبا ولا أرضا، بل وجدت بركة تسبح فيها الأسماك.
لا شك في أنك تدرك لأول وهلة أن الموج والريح والمد والجزر، كانت من الأسباب التي أحدثت هذه الظاهرة. على أن هذه العوامل الطبيعية قد تحدث أكثر من ذلك؛ إنها قد تأكل الصخر وتفتته، ثم تجذبه إلى الغور البعيد، فلا تلبث الصخرة أن تصبح أرضا مبسوطة، كأن لم يكن عليها تل ولا جبل.
ولا تنتهي عند ذلك قصة ذلك الصراع؛ فإن البحر إنما يأخذ من مكان ليعطي مكانا آخر؛ يأخذ من ناحية من الأرض فضلات متحاتة، ليرسبها في قيعان منه، فلا تلبث أن ترتفع بالترسب حتى يصبح البحر أرضا سواء.
إن كثيرا من السهول تحوي أصدافا؛ فوجودها حيث هي يدل على أن هذه السهول كانت من قبل قيعانا بحرية.
والقول المعروف المنقول عن «هيرودوت»: «إن مصر هبة النيل»؛ قول صحيح من جميع الوجوه؛ فدلتا النيل أرض رسوبية، كانت يوما ما بحرا خضما طمره النيل على مر ملايين من السنين، حتى أصبحت هذه الروضة الغناء التي نعرفها.
والنيل اليوم يزحف بنا في اتجاه أرض إغريقية.
إن البحر ينقل الرمل والحصباء والطباشير والمدر والبقايا المختلفة من الشواطئ، وكذلك قطع الصخور إلى التيارات البحرية، فتنقلها إلى أماكن أخرى تستقر فيها، فيأخذ قاع البحر في الارتفاع، ويقل بذلك عمقه.
وقد يلقي البحر بهذه البقايا ليتألف منها ما يسمى الشواطئ الرملية. كما أنه قد ينقلها مستديرا بها من حول الشاطئ إلى مكان بعيد، حيث تهبط إلى القاع وتستقر.
نامعلوم صفحہ