إن أعضاء المجامع التي هي من صبغة هذا المجمع في أوروبا يعيشون من أقلامهم، أما في مصر فإنه يتعذر على رجل يريد أن ينقطع للبحث والدرس أن يعيش من قلمه، ولو كان في منزلة الجاحظ بلاغة، وفي منزلة سحبان فصاحة.
ثانيا:
يجب أن يتكون المجمع من أشخاص أحبوا العلم لأجل العلم نفسه، وأن ينتخبوا انتخابا يتوخى فيه قبل كل شيء المصلحة العامة ومصلحة العلم والأدب، وأن يتحرر تكوين المعهد من الأغراض الشخصية.
ثالثا:
إذا قصد أن يكون هذا المجمع لغويا؛ وجب أن يلحق به معهد للترجمة يغذي المجمع دائما بالمصطلحات الجديدة؛ هذا على أن يترك المترجمون أحرارا في وضع المصطلحات، ويناقشون فيها أمام المجمع، وأن تدون المناقشات العلمية اللغوية في مضابط يرجع إليها، وتكون هذه المضابط في المستقبل نواة لوضع القاموس العلمي الحديث.
رابعا:
أن تهيئ الحكومة أعضاء المجمع ومترجميه بكل ما يضمن لهم حياة هادئة بعيدة عن المشاغل الدنيا، وأن تكفيهم شر الحاجة لينصرفوا إلى العمل المنتج بقدر المستطاع.
هذه الأشياء الأساسية يجب أن تراعى في تكوين هذا المعهد الكبير، الذي سوف يكون - ولو عندي على الأقل - أكثر فائدة من مائة جامعة يدرس فيها فطاحل من أمثال لالاند وغيره من العلماء الذين لا يمكن أن ينزلوا إلى مستوى طلبتنا، ولا يمكن أن يرتفع طلبتنا إلى مستواهم.
الجامعة المصرية
يجرنا حديث المجمع اللغوي إلى التحدث عن الجامعة؛ فقد دارت مناقشة بيني وبين أحد الأصدقاء المطلعين على حركة العلم والتعليم في أوروبا، وكان من رأيه أن الجامعة المصرية الحديثة لا يمكن أن تنتفع بأمثال لالاند ودجوي وغيرهما من كبار الأساتذة الفرنسيين، وأن الجامعة انتفعت بمن هم في منزلة هؤلاء من العلماء العمليين الذين يدرسون علوم النبات والحيوان والفيزياء والكيمياء مثلا، فإنها لا تنتفع بأمثالهم ممن يدرسون الآداب؛ والسبب من هذا أن أساتذة الآداب الذين يصلون هذه المنزلة العليا؛ تتحجر آراؤهم وتتبلور حول مذهب معين قد يكون مبتكرا، أو منتحلا، وقد يكون راجعا إلى مذهب حديث، أو قديم. وهؤلاء لا ينتفع بهم طلبة مبتدئون في الدرس يجب أن يدرسوا العلم من ناحية تاريخية أولا ليقفوا على تدرج العقول فيه ووجه نشوئه وتطوره. وكان من رأي محدثي أن الجامعة يجب أن تنتخب أساتذتها من الطبقة التي يمكن أن توافق فيها مقدرتهم عقلية الطلبة المصريين على حسب كفاياتهم.
نامعلوم صفحہ