وجاء في كتاب استتار الإمام أن عددا من الدعاة اجتمعوا للبحث عن الإمام المستور، وهم: أبو غفير، وأبو سلامة، وأبو الحسن بن الترمذي، وجياد الخثعمي، وأحمد بن الموصلي، وأبو محمد الكوفي،
12
وهؤلاء جميعا لا نعرف عنهم شيئا. أما في دور الظهور - الذي يبدأ بظهور المهدي بالمغرب إلى انقراض الدولة الفاطمية - فقد وصلت إلينا أسماء عدد كبير من الدعاة، كما وصلت إلينا بعض كتبهم.
13
قلنا: إن من أهم أعمال داعي الدعاة، عقد مجالس الحكمة التأويلية لقراءة علوم أهل البيت على جمهور المؤمنين، فاتخذت مراكز لإلقاء هذه المجالس التأويلية، ولعل أهم هذه المراكز في مصر هي: (1) المساجد. (2) القصر. (3) دار العلم.
المساجد
كانت المساجد تقوم مقام المدارس والجامعات في أيامنا الحديثة، فقد كان الناس يتحلقون في المساجد حول العلماء يستمعون إلى ما يلقيه هؤلاء عليهم من علوم وآداب، على النحو الذي نراه إلى الآن في بعض المساجد في مصر؛ فالمساجد على هذا النحو لم تكن مكانا لإقامة الشعائر الدينية فحسب، بل كانت دور علم أيضا، وعرف الفاطميون هذه الحقيقة فلم يتوانوا في اتخاذ المساجد مجالا لنشر دعوتهم الدينية وبث عقائدهم المذهبية، ولعل هذا هو السبب الذي من أجله أكثروا من بناء المساجد، وجعلها تتناسب مع عظم ملكهم أولا، وما أرادوه من اتخاذها وسيلة من وسائل نشر دعوتهم ثانيا؛ لذلك نرى القائد جوهر الصقلي عندما وضع أساس مدينة القاهرة لم ينس أن يبني مسجده العتيد - الجامع الأزهر - أنشأه بأمر مولاه الإمام المعز لدين الله، وشرع في بنائه في يوم السبت، لست بقين من جمادى الأولى سنة تسع وخمسين وثلاثمائة،
14
وتم بناؤه لتسع خلون من رمضان سنة إحدى وستين وثلاثمائة، ثم جدد فيه العزيز بالله والحاكم بأمر الله الذي وقف عليه رباعا بمصر، ثم جدده المستنصر بالله والحافظ لدين الله الذي أنشأ فيه مقصورة بجوار الباب الغربي، وهكذا كان هذا المسجد في العصر الفاطمي محل رعاية الأئمة وعنايتهم، فلم يقصروا في تجديده والزيادة فيه، حتى قيل إنه كان يصدر في محرابه منطقة فضة قلعها صلاح الدين الأيوبي سنة 569ه، فكان وزنها خمسة آلاف درهم سوى قناديل الفضة وتنورين من الفضة، ووقفوا لمؤذنيه وخدمه ووسائل نظافته وإنارته وفرشه ما هو مذكور في كتب التاريخ.
والذي يهمنا الآن هو أن الفاطميين كانوا يشجعون العلماء والفقهاء للتحليق في هذا المسجد العتيد، واتخذوا منه جامعة علمية، فعد بحق أقدم جامعة عرفها التاريخ، ففي هذا المسجد اتخذت الدعوة الفاطمية مكانا لها بين أماكن أخرى، ففيه عقد أول اجتماع بمصر للاحتفال بعيد الغدير، وفي ذلك يروي المقريزي عن المسبحي أنه في يوم الغدير ثمانية عشر من ذي الحجة سنة 362ه، اجتمع الناس بجامع القاهرة والقراء الفقهاء والمنشدون، فكان جمعا عظيما أقاموا إلى الظهر، ثم خرجوا إلى القصر، فخرجت إليهم الجائزة، وكان هذا أول ما عمل بمصر،
نامعلوم صفحہ