الفصل الأول
عقائد الفاطميين
جاء الفاطميون مصر يدعون إلى عقيدة تختلف عما كان عليه أكثر المسلمين؛ فقد كان السواد الأعظم من مسلمي مصر ينقسمون بين مذهب مالك وبين مذهب الشافعي، وقليل منهم من كان على مذهب أبي حنيفة، ومهما كانت الفروق بين هذه المذاهب فكلها من مذاهب أهل السنة والجماعة التي تخالف عقائد الفرق الشيعية وتباينها؛ والفاطميون فرقة من فرق الشيعة عرفت بالإسماعيلية نسبة إلى الإمام إسماعيل بن جعفر الصادق. قال الفاطميون بنبوة محمد عليه السلام، ووصاية علي بن أبي طالب،
1
وإمامة ابنه الحسن، فالحسين، فزين العابدين، فمحمد الباقر، فجعفر الصادق. فهم على هذا النحو يتفقون في تسلسل الإمامة مع الشيعة الاثني عشرية، وبعد وفاة جعفر الصادق سنة 148ه انقسمت الشيعة الإمامية إلى الإسماعيلية، وهي الفرقة التي قالت بإمامة إسماعيل بن جعفر، فابنه محمد بن إسماعيل، فأئمة «دور الستر» وهم: عبد الله بن محمد، فأحمد بن عبد الله، فالحسين بن أحمد،
2
ثم أئمة دور الظهور، وأولهم عبيد الله المهدي مؤسس الدولة الفاطمية. وإذا قرأنا كتب دعاة الفاطميين استطعنا أن نطمئن إلى أن الفاطميين نظروا إلى أئمتهم على أنهم من البشر، يجري عليهم ما يجري على البشر من موت وحياة، فهم في ذلك يخالفون الغلاة من الشيعة الذين ألهوا عليا والأئمة من ذريته، وقالوا: إنهم أحياء يرزقون، ويخالفون الشيعة الاثني عشرية الذين ذهبوا إلى غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري، وأنه سيظل حيا حتى يعود ليملأ الدنيا عدلا كما ملئت جورا. وقال الفاطميون: إن الإمامة تنتقل من الآباء إلى الأبناء، ولا تنتقل من أخ إلى أخ بعد انتقالها من الحسن إلى الحسين ابني علي بن أبي طالب، فالأب ينص على ابنه في حياته. وهذه العقيدة أصل من أصول المذهب في تسلسل الإمامة عند الفاطميين، وقد أولوا قول الله تعالى:
وجعلها كلمة باقية في عقبه
بأن الله - سبحانه وتعالى - لا يترك العالم خاليا من إمام ظاهر مكشوف أو باطن مستور، تنتقل الإمامة إليه بعد أبيه الإمام من نسل علي بن أبي طالب.
والإمام حجة الله على عباده، وهاديهم إلى الطريق القويم؛ فوجب على كل مؤمن أن يتبع هذا الإمام، وجعلوا ولاية الإمام أحد أركان الدين ودعائمه، بل ذهبوا إلى أن الولاية أفضل دعائم الدين وأقواها، ولا يستقيم الدين إلا بها. قال المؤيد في الدين هبة الله الشيرازي في مجالسه: «فلو أن رجلا عمل بفرائض الله تعالى وسننه التي جاء بها رسوله كلها، ثم لم يقترن بعمله اعتقاد ولاية الرسول - عليه الصلاة والسلام - الآتي بها لم يغن عنه ما عمل فتيلا، ولم يتبع غير أهل النار سبيلا؛ إذ ولاية الرسول كالمركز الذي تدور عليه دائرة الفرائض، فلا يصح وجودها إلا بوجوده، وإذا كانت هذه نصبة الرسول في حياته كانت نصبة من يوليه أمر دينه مثلها، ومثل ذلك نصبة من يليه ومن يلي من يليه ما انتقلت الولاية من واحد إلى واحد، وورثها ولد عن والد؛ إذ الولاية هي الأصل الذي يدور عليه موضوع الفرائض.»
نامعلوم صفحہ