فیصل اول: سفرنامہ اور تاریخ
فيصل الأول: رحلات وتاريخ
اصناف
وإني لأذكر الضيفين الآخرين من العراقيين، ناجي شوكت وحكمت سليمان، وفي الاسمين تاء تركية لا تخفى على اللبيب، وفي الاثنين من العطف القومي ما لا يستغرب، ومما كان في تلك الأيام دون الريب، وقد كانا مع ذلك من الموظفين في الحكومة العراقية التي لم تكن والأتراك على ولاء، فلا عجب إذا أسدلا على نفسيهما في تلك المأدبة ستارا من الصمت الواجم، ولكن ناجي النجيب، الذي كان يومئذ متصرف الكوت، صعد بعدئذ مثل ياسين في جبل السياسة، وبعد أن جرب الوزارة حن إلى الرئاسة، وظفر بها. وأما الثاني فلعله لبطئه في التصعيد اختار المحافظة على اسمه صورة ومعنى - حكمة سليمان - وانضم إلى حزب المعارضة في الأمة.
وممن أذكرهم من الضيوف الإنكليز المستر دراور الطويل الباع، في علمي القانون والصراع. أقول الصراع؛ لأن مهنته في تلك الأيام كانت نوعا من الصراع القانوني؛ فقد كاد يسحق بين حجري الرحى - أي الأخوين السويديين؛ ناجي الكشاف وتوفيق النساف - فقد كان المستر دراور مرة رئيسا ومرة مستشارا للواحد منهما وللآخر.
وكان يرجو الله على الدوام أن يخرج من الصراع وقد سلم على الأقل كرسيه في العدلية. ومن عجائب الدهر أن يسلم هو كذلك في مصارعة الأخوين السويديين، فلا يزال المستر دراور بخير ونعمة، صاحب كرسي وصاحب صوت في البرج العالي للعدلية العراقية.
وللمستر دراور زوجة أديبة كاتبة، كانت تنشد في الأماكن القصية، وبين الأديان الأثرية، مصادر العلم والوحي. وإنها في فلسفتها السياسية دولية إنسانية، لا يعارض بها المستر دراور ما دامت خارج القانون، أما شغفها الخاص فكان ينحصر في تلك الأيام بالصابئة واليزيديين، وبالتغلغل في علومهم الغامضة، ومع ذلك فقد كتبت كتابها، ونشرته باسم مستعار؛ لتظل هي وزوجها وبيتهما في بغداد بعيدين - على ما أظن - من تعطفات أصدقائها عبدة الشيطان.
ولا يغيب عن الذهن ذلك المستشار، الغريب الأطوار، القريب من قلوب الأحرار والأبرار، الذي استسلم بعد ذاك الزمان إلى الشيطان، ما اعتنق المستر كوك
4
الإسكتلندي دين المجوس، ولا خر ساجدا للملك طاوس، ولكن للنفس زلات هي شر من عتيق الديانات، فبعد أن خدم الرجل الحكومة العراقية أربع أو خمس سنوات، وهو يدير شئون الأوقاف، ويستخرج المال حتى من حجارة الخانات وظلماتها، وبعد أن ملك قلب المؤمنين الصافي، فدعوه تحببا: الحاج كوك الدين الأوقافي، ومدحه كذلك معروف الرصافي، بعد هذه المبرات والأمجاد في عهده العراقي، خرج من بغداد خروج المذنب التاعس، بيد أن أمره لا يزال على شيء من الغموض؛ فقد قيل لي إنه نقم على الحكومة لإخلالها بالعقد الذي يتعلق بوظيفته، وبدل أن يطالبها بما تبقى له من مال، جمع الخفيف الثمين من الآثار، وحملها وطار إلى ما وراء البحار؛ إلى بيته في الجزائر البريطانية. على أن حق التملك لما جمع، وإن كان بالطرق المشروعة المحللة، هو من المسائل القانونية العويصة، وليس لي علم المستر دراور، ولا لدي ما يكفي من البينات، لأبدي رأيا فيه.
إني من الذين أحبوا كوك الدين، وأعجبوا به وبمواهبه، ولا أزال أذكر - وفي القلب للحب منزع - تلك الساعات التي قضيناها معا، وتلك الرحلات إلى الأماكن الأثرية التي كان هو فيها الرفيق الكريم، والدليل العليم، إما أن يخرج من بغداد في ليلة غاب قمرها، وتوارت في الظلام نجومها، فيحرم صحبه سرور الوداع، على الأقل، فذلك لا يليق برجل مثله وهو شرقي، شرقي أصلا، وليس اسما وفصلا، فقد أخبرنا تلك الليلة أن كاليدونيا
5
مشتقة من الكلدان، وأن الاسكتلنديين هم من بين النهرين، ومتحدرون من حمورابي.
نامعلوم صفحہ