فیصل اول: سفرنامہ اور تاریخ
فيصل الأول: رحلات وتاريخ
اصناف
ميسلون
كان يوسف العظمة، وهو صنو أنور ومصطفى كمال في المدارس الحربية الألمانية، شديد البأس، شجاعا باسلا، صريح الكلمة، صادق اللهجة، ذا وطنية أجيجها من نار الشهداء. ولكنه في حماسته واندفاعه، وهو وزير الحربية في الحكومة السورية، أساء إلى معقوله ونسي حقيقة الحال التي توجب الحكمة والاعتدال.
أما الملك فيصل فهو في سياسته، وخصوصا في المواقف الحرجة، ينسى أن الحماسة روح الحقيقة، وأن الضحية نورها. فلو رأى الواحد منهما ما في الآخر وتنزل إلى قبول شيء منه في الساعة الخطيرة، ساعة الجزم واليقين، لما كانت تلك الثلمة التي انقضت منها روح الفوضى فساعدت الصائل على الأمة وذبحت فيها الحرية والأمل.
كانت الثلمة، مهما قيل في حسن الصلات بين الملك والمؤتمر السوري، وكانت الفوضى، وكان الاستيلاء الأجنبي. ثبت المؤتمر في قراره الأخير فأعلن الحرب، على أثر وصول البلاغ النهائي، دفاعا عن الوطن، وصدر الأمر من وزارة الحربية بإرسال الفرقة الأولى إلى مجدل عنجر في منطقة ميسلون لتكون هناك مستعدة للحرب.
ولكن أعيان الأمة ورؤساءها الروحيين كانوا يميلون مثل الملك إلى قبول الشروط، فوكلوا الأمر إليه، فأرسل جلالته في 16 تموز برقية إلى الجنرال غورو يقبل الشروط كلها، وأصدر أمرا في تسريح الجيش وآخر إلى الجنود في منطقة ميسلون ليرجعوا إلى دمشق، إلا اللواء الرابع فيبقى محافظا على الحدود. على أن البرقية لم تصل إلى الجنرال إلا بعد انتهاء المدة المعينة في البلاغ؛ لأن العصاة، كما ادعت الحكومة، كانوا قد قطعوا الأسلاك البرقية في جهات الزبداني.
هب أنها الحقيقة ، فإن القيادة الفرنسية كانت عالمة بما كان يجري في تلك الأيام في دمشق، وقد حلقت طائرة في 18 تموز فوق المدينة، فألقت منشورا من الجنرال غورو مطلعه ما يلي: «في هذه الساعة التي تقذفكم فيها حكومتكم إلى القتال وتستهدف بلادكم لأخطار الحرب وويلاتها أوجه إليكم الخطاب لأقول لكم السبب الذي من أجله تقاتلون.»
فإذا كان عالما بما أقره المؤتمر السوري، أفلا يكون عالما كذلك بما أقره الملك بالاتفاق مع وزرائه وفريق من أعيان المدينة؟ أوما كان جديرا به أن يسأل في الأقل ضابط الارتباط الفرنسي في دمشق ليبحث عن السبب في تأخير الجواب، وهو القائل في منشوره: «على أني ما زلت آملا بأن السوريين الأذكياء المتنورين لن يرضوا بأن يلقوا بأنفسهم إلى التهلكة دفاعا عن الأقلية الأثيمة»؟
إذن هو عالم أن الأقلية ترفض شروطه والأكثرية تقبل بها، وقد أرسلت الجواب الذي فيه فصل الخطاب، فلماذا فضل الجنرال العمل بظنه على العمل بيقينه؟ فبعد أن أرسل البلاغ النهائي زحف جيشه، وهو زهاء ستة آلاف من الجنود السنغاليين والمراكشيين والجزائريين، على دمشق متخذا غير الطريق المعروفة، طريق وادي الحرير، فقطع سهل البقاع من جب جنين إلى وادي القلوح، فمر بقرية بكا، ثم بدير العشائر، فاستصحب أحد الرجال هناك دليلا، ودار إلى الديماس، فقطع خط الرجعة على السوريين المعسكرين في منطقة ميسلون، ووقف هناك ليؤمن مؤخرته قبل أن يستأنف الزحف على دمشق.
وقد دل المسلك في زحف الجيش على استعداده للقتال ورغبته فيه، فشاء عند وصوله إلى الديماس أن يخرج الجنود العرب من مراكزهم المحصنة ليضربهم في الفلاة ويحتل تلك الأماكن؛ لذلك بادر إلى احتلال مجدل عنجر عندما انسحب الجنود العرب منها، وأخذوا يتراجعون بدون نظام إلى دمشق، بيد أن اللواء الرابع ظل محافظا هناك بموجب الأمر الذي أصدره الملك، فتصدى للدفاع عندما تقدم الجنود الفرنسيون، فأسقط في يده وأسر برمته.
أما وزير الحربية يوسف العظمة، فكان قد أصدر أمرا إلى الجنود المسرحيين يناقض أمر جلالة الملك، فأوقف قائد اللواء الأول حسن الجندي، عددا من جنوده يراوح بين الثلاثمائة والأربعمائة وعاد بهم إلى ساحة القتال. فئة صغيرة وقفت وقوف الأبطال في وجه الفئة الكبيرة، فخشيت القيادة الفرنسية أن تكون القوات العربية التي انسحبت من مجدل عنجر متحصنة في جهات خان ميسلون، وأن تكون هذه الشرذمة طليعة جيش كبير، فرغبت إلى الملك فيصل بهدنة مدتها ثمان وأربعون ساعة تنتهي في الساعة الأخيرة من 23 تموز. فكانت الهدنة، وجاء مندوب الحكومة العربية مصحوبا بالمعتمد الفرنسي بالشام للمفاوضة مع الحكومة الفرنسية بعاليه.
نامعلوم صفحہ