Glaseanus ، يمتدح «جوسكان دي بريه» بوصفه تجسيدا لروح النزعة الإنسانية، ويحذر من أن أي تغيير في أسلوبه يكون انحرافا عن الروح الحقيقية للمذهب الكلاسيكي. كذلك فإن الموسيقي والباحث النظري جوزيفو زارلينو
Gisoseffo Zarlino (1517-1590م) الذي عاش في فينيسيا، يرسم صورة مثالية لموسيقى العالم القديم، ويفخر بما صنعه عصره من أجل بعثها من جديد، ويرفض صراحة موسيقى العصور الوسطى التي تبدو في نظره ضربا من السفسطة الفنية وهو ينظر إلى الموسيقى على أنها محاكاة للطبيعة، ويحاول أن يستخلص تعاليمه من القانون الطبيعي. ولقد كان هو أول من عالج الهارمونية من خلال فكرة «الثلاث
triad » (أي التآلف الهارموني المكون من ثلاث نغمات) لا المسافة (
niterval )، وأول من أدرك أهمية التضاد الأساسي بين الديوان الكبير (
major ) والديوان الصغير
minor ، وأول من حاول تقديم تفسير عقلي للقاعدة القديمة التي تمنع استخدام الخامات والأوكتافات المتوازية، وبناء على اقتراحه شرع في إصدار أول طبعة لكتاب «الهارمونيات لأرسطوكسينوس» (في ترجمته اللاتينية).
26
ولقد كان تلميذه «نكولا فيتشنتينو
Nicola Vicentino » (1511-1572م) أكثر تحمسا من أستاذه ذاته في محاولة إقامة فلسفة جمالية للموسيقى تربط بين أساليب عصر النهضة وبين الفلسفات الموسيقية لليونانيين. وقد ميز بين الموسيقى الدينية والموسيقى الدنيوية ؛ فالموسيقى الدينية في رأيه ينبغي أن تكون مبنية على نص ديني، وأن تكون ألحانها ذاتها مشجعة على التقوى والعبادة، فيجب أن تبدأ بداية وقورة تبث الخشوع في النفس، ويجب أن يكون تركيبها بوليفونيا رنانا لكي يكون في صوتها جلال وفخامة، ويكون لها من الهدوء ما يطمئن النفس الحائرة. وكان تأثير أفلاطون وأوغسطين مسيطرا على تعاليمه الجمالية، فوجد لدى القدماء حلا لمشكلة التزاوج الكامل بين الكلمات والألحان. ولقد رأينا أن أفلاطون الوثني وأوغسطين المسيحي يعتقدان أن اللحن يجب أن يكون معتمدا على النص، وأن الموسيقى ينبغي أن تكون أداة في يد المؤلف يجمل بها بيتا شعريا أو نصا دينيا. وها هو ذا فتشنتينو، ابن عصر النهضة، يقتدي بالقدماء في قوله إن الكلمة والمفهوم الفكري ينبغي أن يسيطرا على اللحن؛ فمهمة الموسيقى هي إثراء النص وبعث الحياة في الكلمة المكتوبة.
الفصل الرابع
نامعلوم صفحہ