وهناك نقطة طريفة أخرى تتعلق بالتطريب الذي كانت تغنى به «التهليلة
Alleluia »، وهي العبارة التي كانت ترد بها الطائفة على المغني المنفرد. والمعنى الحرفي لكلمة «أليلويا» أو «هليلويا» هو سبحوا بحمد الله (أو هللوا له). وكان غناؤها بطريقة التطريب، الذي اشتهر بأنه كان يطول أحيانا حتى يبلغ ربع الساعة، مع تفاوت في درجاته في الكنيسة البيزنطية. ويرجع استخدام التسبيحة
gubilus
إلى صورة الفرح التي كان يعبر عنها المقطع الأخير من الأليلويا، والتي كان يستخدم فيها التطريب أيضا. وقد عرف أوغسطين هذا الجزء (أي «التسبيحة»
Jubilus ) بأنه نوع من الحمد لله يعبر عن مشاعر إنسانية لا يمكن نقلها بالكلمات أو الحروف وحدها: «فمن يغني التسبيحة لا ينطق كلمات، وإنما هي أغنية فرح دون ألفاظ، وهي صوت القلب المفعم بالسرور، الذي يحاول التعبير عن شعوره على قدر استطاعته، حتى لو لم يكن يفهم المعنى، وعندما يطرب المرء حتى يغني التسبيحة، فإنه ينتقل من أصوات لا تنتمي إلى الكلام، وليس لها معنى خاص، إلى التسبيح دون ألفاظ؛ بحيث يبدو بالفعل أنه مبتهج، غير أن فرحه أعظم من أن تعبر عنه الكلمات.» وقد تساءل أوغسطين، مشيرا إلى المزمور الثاني والثلاثين: «ولمن تصلح هذه الفرحة الكبرى (
Jubilatio ) أكثر من الله الذي لا يحده لفظ؟ إن الله يجل عن التعبير؛ لأن اللغة أفقر من أن تصفه، فإن لم يكن الكلام يسعفك إزاء الله، وكنت في الوقت ذاته لا تود السكوت، فما الذي يتبقى أمامك سوى أن تسبح حتى يطرب قلبك دون كلمات تغنى، وحتى لا ينحصر فرحك الهائل في حدود المقاطع اللفظية؟» وقد أعرب القديس هيرونيموس (جيروم) عن رأي مماثل بصدد القيمة الجمالية والدينية لهذا الغناء التسبيحي (
Jubilus ) فقال: «نعني بالتسبيحة أن من المستحيل عن طريق الألفاظ أو المقاطع أو الحروف أو الكلام التعبير عن المقدار الذي يتعين به على الإنسان أن يسبح بحمد الله، ومن المستحيل فهمه.»
9
ربما كان آباء الكنيسة قد شعروا بأن من واجبهم أن يبرروا استخدام هذه العادة الشرقية؛ ذلك لأن المؤلفات الأدبية الشرقية حافلة بأمثلة الغناء التطريبي، وكذلك الحال عند العبرانيين. أما كيف وأين نشأت هذه الطريقة في الغناء أصلا، فهذا أمر ينبغي أن نترك التفكير فيه للمؤرخ.
وقد تحدث القديس أوغسطين في «الاعترافات» عن تعميده، وعن التأثير الانفعالي الهائل الذي أحدثته فيه إحدى الصور الموسيقية، وهي الأنشودة الدينية، فقال: «لكم بكيت، وأنا أسمع أناشيدك وترانيمك هذه ... وتأثرت لتوي بأصوات ... حقيقتك الخالصة، وهي تنساب برفق إلى قلبي، فتجعل أحاسيس تقواي تفيض، ودموعي تنهمر، وإذا بي أجد نفسي مغمورا بالسعادة.»
نامعلوم صفحہ