Aristides Quintilianus ، الذي عاش في القرن الثاني الميلادي، والذي كان كتابه «في الموسيقى
Concerning Music » تلخيصا وتأييدا للآراء الموسيقية التي كانت تعلم في أكاديمية أفلاطون ولوقيوم (ليسيه) أرسطو. والواقع أن ما نعرفه بالفعل عن العادات الموسيقية للرومان قليل. كما أن موسيقاهم لم يبق منها شيء. غير أن هناك إشارات متعددة من الهجاء الشعري الموجه إلى الموسيقى وما فيها من ابتذال وإملال؛ فقد شكا «سيكا» من أن الفرق الموسيقية والمجموعات الغنائية قد تضخم حجمها إلى حد أنه كثيرا ما توجد في المسرح من المغنين والعازفين أكثر مما يوجد من المتفرجين، وأضاف شيشرون أن الموسيقى لم تعد تتميز ب «العذوبة الصافية» التي كانت سائدة في الموسيقى القديمة للمسرح الروماني، واستخلص من ذلك نتيجة فلسفية إلى حد ما، وهي أن الموسيقى في حالتها الراهنة لا تبعث إلا لذة صبيانية، وهي عديمة الجدوى من الناحية العملية؛ إذ إنها لا تقربنا على أي نحو من السعادة الدائمة.
56
وهكذا قال الأخلاقي كلمته في روما، كما في اليونان، فشكا من أن الألحان فيها نعومة وطراوة، ومن أن الموسيقى عامة قد أصبحت فنا منحلا.
ولم يسهم الرومانيون بالكثير في تقدم الموسيقى؛ فقد اقتبسوا النظريات والأساليب العملية اليونانية، وعدلوها تبعا لطريقتهم الخاصة في استخدامها، وقد أورد «فتروفيوس
Vitruvius » وهو مهندس معماري وأديب روماني عاش في عصر يوليوس قيصر وأغسطس، أورد في كتابه عن العمارة فصلا عن التوافق الموسيقي يتجلى فيه اعتماد الرومان على الموسيقى اليونانية؛ ففي هذا الفصل يرتفع صوته بالشكوى قائلا: «إن التوافق فرع صعب غامض من الآداب الموسيقية ، ولا سيما بالنسبة إلى الأشخاص غير العارفين باللغة اليونانية؛ فلو شئنا أن نشرحه لتعين علينا استخدام ألفاظ يونانية بعضها لا يوجد له مقابل في اللاتينية؛ لذلك فإنني سأترجم على قدر استطاعتي من مؤلفات أرسطوكسينوس.»
57
على أن العصر الروماني وإن افتقر إلى الأصالة، كان حافلا بالنشاط في ميدان الموسيقى؛ فقد كانت الأسر الراقية تدرج الموسيقى ضمن برامج التعليم الثقافي، مع البلاغة والديالكتيك والهندسة والرياضيات. وكان من مظاهر الروح العصرية أن تتعلم سيدات الطبقة الراقية العزف على القيثار والليرا. وعندما شاعت هاتان الآلتان بين الطبقات الدنيا، قررت سيدات الطبقة العليا التماس أنواع أخرى من الترفيه الموسيقي حتى يتميزن عن عامة الناس، فاستأجرن الموسيقيين اليونانيين المتجولين ليغنوا ويعزفوا لهن، وتخلين تماما بمضي الوقت عن عادة تعلم العزف على الآلات الموسيقية. وتطور المنشدون الجوالون إلى طبقة من أساطين العزف الموسيقي؛ إذ كان كل منهم يحاول التفوق على الآخرين في استعراض البراعة الفنية، وفي الأداء المثير للإعجاب، فاشتعلت بينهم المنافسة الرخيصة، وكان الهتافون المحترفون يستأجرون، والمحكمون يرتشون من أجل محاباة مغن على حساب آخر. وأخذت نساء المجتمع الروماني على عواتقهن مهمة رعاية مصالح الفنانين العباقرة الذين يعيشون تحت رعايتهن؛ إذ كان الأغنياء يأتون بالعبيد الموهوبين في الموسيقى ليعيشوا في بيوتهم، حتى يرفهوا بالغناء وبالعزف من الصباح إلى المساء.
ولقد كان المسرح يكون جانبا هاما من جوانب الحياة الثقافية للرومان، كما كان عند اليونان. وكما حدث في أواخر عهد المسرح اليوناني، فقد تضاءل دور المجموعة الغنائية في المسرح الروماني بالتدريج، لتحل محلها الأصوات المنفردة، سواء أكانت متحدثة أم مغنية، وكانت تصاحبها آلة تسمى بالمزمار
tibia . وعلى حين أن الشاعر والموسيقار كانا عند اليونان واحدا، فإن الشاعر الدرامي والهزلي الروماني لم يكن يؤلف موسيقاه، وإنما كان يكلف موسيقيا محترفا بالتلحين الإبداعي. وبينما كانت الموسيقى تلعب في المسرح اليوناني دورا رئيسيا؛ إذ تحفظ وحدة الأحداث وتزيد من واقعية الموضوع، فإن الممثل الروماني كان يستعرض فنه في مناظر متفرقة كانت تفتقر إلى الاتصال والواقعية في كثير من الأحيان. وكان دور الموسيقى في المسرح الروماني ثانويا، لا يزيد على ملء الفراغات بين الممثلين، أو على أحسن الأحوال مساندة أحد الممثلين ، على ألا يصل ذلك أبدا إلى حد التقليل من انتباه الناس إلى إلقائه الفردي.
نامعلوم صفحہ